أقلام وأراء

زحمة القوائم الانتخابية والمدخل إلى التجديد الشامل

نهاد أبو غوش *- 11/4/2021

بعد نشر أسماء وتفاصيل القوائم الانتخابية البالغ عددها ستا وثلاثين قائمة،صار في وسع الجمهور التعرف على هذه القوائم وخلفياتها، وتركيبتهاالفكرية والسياسية وحتى خلفياتها الجهوية والعشائرية ومكوناتها الجندريةوالعمرية. ويمكن لنا من الاطلاع على هذه القوائم أن نستشف عددا منالملاحظات الفارقة، وأبرزها أن ثماني قوائم فقط ذات خلفيات حزبيةوسياسية مرتبطة بالفصائل التي نعرفها، وهي ثلاث قوائم منبثقة عن حركةفتح، وواحدة لحركة حماس، وأربع تمثل فصائل اليسار، ويمكن إضافةقائمتين لهما وجهة سياسية معروفة هما القائمتان اللتان يرأسهما كل منالدكتور سلام فياض وحسن خريشة، بينما القوائم المتبقية وعددها أكثر منخمس وعشرين قائمة تمثل حراكات مطلبية وقطاعية، وبقايا حركاتاحتجاجية، وتشكيلات عشائرية وجهوية، أو قوائم شكلها أفراد كقناطرللوصول إلى المجلس التشريعي .

وإذا افترضنا أن الحركتين الكبيرتين بمجموع قوائمهما الرسمية والمنشقة،سوف تستأثران، وفق معظم الاستطلاعات والتقديرات، بأغلبية مقاعد المجلسالتشريعي المقبل،  فهذا يعني أن باقي القوائم، بكل ما أوتيت من قدراتوعزيمة، سوف تتنافس على اجتياز عتبة الحسم أولا، وهي ليست عتبة سهلةعلى الإطلاق وقد تحتاج إلى نحو ثلاثين ألف صوت. ثم على انتزاع ماأمكنها من مقاعد قليلة في المساحة الضيقة التي أبقتها حركتا فتح وحماسبعد استحواذهما على أغلبية مقاعد المجلس.

هذه المعادلة تعني ببساطة شديدة أن أصوات الجمهور الغاضب منالحركتين الكبيرتين، والمحتجّ على أدائهما، سوف تتوزع على عدد كبير منالقوائم والتشكيلات، وأن معظم هذه القوائم سوف تفشل في اجتياز نسبةالحسم، ما يعني إحراق عشرات آلاف الأصوات وتبديدها، والمستفيدالرئيسي من ذلك هما حركتا فتح وحماس، بسبب نسبة أصواتهما التيتمكنهما حسب المعادلات الحسابية من الاستحواذ على النصيب الأكبر منحصة الأصوات الضائعة.

سوف تشهد الانتخابات المقبلة، إذا جرت ومع التشديد على أن ذلك بات مجرداحتمال، عددا من المعارك الطاحنة، فيما بين القوائم الكبرى، وعنوان هذاالتطاحن هو عدد المقاعد، إلى جانب عدد كبير من المعارك الفرعية بين الكتلالصغيرة وعنوان معاركها اجتياز نسبة الحسم أو عدم اجتيازها. وسوفتستخدم في هذه المعارك على الأرجح، وسائل وأدوات مشروعة وأخرى غيرمشروعة، وذلك بناء على التجربة التي خبرناها وبتنا نتلمس مؤشرات مبكرةعلى استخدامها ومن بينها استخدام المال السياسي والنفوذ السلطوي إلىجانب حملات التشهير، ولا شك أن عدم السيطرة على الفضاء الأليكترونيتعقد من مهمة مراقبة الدعاية وحصرها في أوقات محدودة.

وتزداد مهمة القوائم الصغيرة صعوبة في اجتياز نسبة الحسم، نظرا لافتقادمعظمها لخبرات العمل التنظيمي والإداري في خوض مثل هذه المعارك،فالانتخابات بحاجة لفرق بشرية من الكوادر والمتطوعين للاتصال بالناس،وإقناعهم وحضهم على التوجه لمراكز الاقتراع، وتسهيل نقلهم إذا تطلب الأمرذلك. وغني عن القول أن معظم هذه القوائم تشكلت على عجل، بناء علىتلمس القائمين عليها لحاجة التغيير من جهة،  وعلى التوافق العابر بينهمعلى تأليف القائمة من دون اشتراط التوافق الفكري والسياسي الشامل،وبالاستناد إلى المعرفة الشخصية والحضور العام، وربما نتيجة نشاط بعضالأفراد في العالم الافتراضي، ولكن من دون خبرات عملية ومن دون امتلاكماكينةانتخابية، تساعد اصحاب الشأن في تحويل التعاطف العام إلىاصوات يمكن عدها واحتسابها في الصناديق، ومن المؤكد أن انسحاب ايقائمة يعزز فرص القوائم الباقية في التمثل، وخاصة المشابهة لتلك المنسحبة .

ومن المهم كذلك تفحص ما تكشفه كثرة القوائم الانتخابية، ومقارنتة ذلك بمايعتمل في قلب المنظومة السياسية الفلسطينية، فالعدد الكبير للقوائم يؤشرإلى اتساع الفجوة بين الجمهور العريض من جهة وبين مكونات المنظومةالسياسية بما فيها الفصائل والأحزاب، فهذه القوائم وجمهورها لا ترى فيالقوى السياسية التقليدية وقوائمها الانتخابية من يمثلها. من اللافت أن سبعةمن الفصائل التاريخية، لن تشارك في هذه الانتخابات، مع أن معظمها ممثلفي الهيئات القيادية العليا في منظمة التحرير وخاصة في اللجنة التنفيذيةوالمجلسين الوطني والمركزي، مفهوم أن حركة الجهاد الإسلامي تقاطعالانتخابات لأسباب مبدئية، بينما جبهتا القيادة العامة والصاعقة بدتا وكأنهماغير معنيتين بالانتخابات وكأنهما ليستا مع هذه الانتخابات ولا ضدها، وأربعة من الفصائل التقليدية ( جبهة النضال الشعبي وجبهة التحريرالعربية وجبهة التحرير الفلسطينية والجبهة العربية الفلسطينية) راهنت علىخوض الانتخابات على لائحة حركة فتح الرسمية، فكان أن جاء مرشحوها فيمواقع جدّ متاخرة، ولا فرصة حقيقية لها في التمثيل. كما ان إخفاق قوىاليسار الخمسة في تشكيل قائمة موحدة سوف يضعف فرصها منفردةومجتمعة في التمثيل، وحتى لو اجتازت نسبة الحسم، فسوف يكون تمثيلهاهزيلا ومحدود التاثير، ذلك أنها خسرت سلفا فرصة تمثيل الجمهور العريضالذي قد يدعم قوى اليسار مجتمعة ولكنه لا يدعم أيا منها منفردا، وهوجمهور طامح لوجود قطب ثالث يكسر حدة الاستقطاب بين الحركتينالكبيرتين.

سوف تكون الانتخابات المقبلة، إذا جرت،  احد العوامل والمناسبات المهمةلتجديد دماء وحياة النظام السياسي الفلسطيني، وفرز مكوناته وغربلتها،وإعادة موضعة القوى وفق حجومها الجديدة، ووضع أسس جديدة لبناءالشراكة الوطنية غير تلك التي تآكلت وبهتت وهي المقرة منذ خمسين عاما. ربما لا تكون هذه الانتخابات هي الفرصة النهائية والوحيدة، فالحياة تظلغنية بالفرص،  ولأن المعيار الأهم لوجود فصيل أو عدم وجوده لشعب تحتالاحتلال هو ميدان المواجهة مع الاحتلال، لكن الانتخابات تبقى فرصة مهمةوسيكون مدخلا لعهد جديد في حياة الحركة الوطنية الفلسطينية، وربمالتجديدها الشامل.

* عضو المجلس الوطني الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى