ترجمات أجنبية

ريسبونسيبل ستيت كرافت -لورانس برويرز – الحرب الأرمينية الأذربيجانية . . لماذا تأخر التدخل الروسي في الصراع؟

ريسبونسيبل ستيت كرافت * –  لورانس برويرز – 10/10/2020

كان من السمات البارزة للحرب الأرمينية الأذربيجانية الأخيرة السلبية الواضحة التي أبدتها روسيا على الأقل في بداية الحرب. وبحلول اليوم الرابع من القتال السابق في أبريل/نيسان 2016، كان الكرملين عقد بالفعل اجتماعا بين قادة الأمن في البلدين وتوسط لوقف إطلاق النار.

بعد 4 سنوات، بينما كان الرئيس “فلاديمير بوتين” سريعا في الدعوة إلى ضبط النفس وانضم إلى الرئيسين “إيمانويل ماكرون” و”دونالد ترامب” في الدعوة إلى وقف التصعيد في 1 أكتوبر/تشرين الأول، كان واضحا ضعف رؤية الكرملين، إن لم يكن غيابه.

مما لا شك فيه، أن حجم القتال ودعم تركيا منح باكو ثقة أكبر لمقاومة ما اعتبرته منذ فترة طويلة اعتداءات تخدم مصالح موسكو. لكن ما الذي يكمن وراء رد روسيا المنخفض المستوى أيضا؟

بالنسبة لبعض المراقبين، قد يعكس التحفظ الروسي استراتيجية محسوبة. ربما تراجعت موسكو من أجل تأديب رئيس وزراء أرمينيا “نيكول باشينيان” أو توضيح عدم فعالية الأعضاء الأوروبيين الأطلسيين في مجموعة “مينسك”، بينما تقدم في الوقت نفسه خدمة بمقابل لصالح الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، الذي ستستفيد شرعيته في الداخل إذا أدى تدخل تركيا إلى مكاسب أذربيجانية.

ويؤطر هذا المنظور الصراع من منظور القوى العظمى المتنافسة.

ويرى المحلل الروسي “مكسيم سوشكوف” أن من بين أهداف التدخل التركي هو عقد صفقة جديدة مع روسيا تشمل القوى الإقليمية التي تعارض السياسة الغربية وتسعى للاستقلال الاستراتيجي عنها.

وتشير وجهة نظر مختلفة إلى أن روسيا كانت منشغلة بالمظاهرات في بيلاروسيا. وربما لم يمثل اندلاع المواجهة مفاجأة لموسكو، لكن لاحقا رأت روسيا أن وجود مقاتلين سوريين بالقرب من شمال القوقاز المضطرب أمر غير مرحب به على الإطلاق.

علاوة على ذلك، أدى العنف واسع النطاق في الماضي إلى تغذية شكوك روسيا في أرمينيا التي تدرك أنه إذا كان القتال واسعا وأصبح يمثل تهديدا لأراضيها نفسها بطريقة مستدامة فسيضطر الكرملين إلى التحرك. لذلك، كانت موسكو دائما القوة الخارجية التي لديها الحوافز الأكثر إلحاحا لمنع حرب أكبر.

يمكن أيضا اعتبار المراوغة الروسية ناتجة عن انهيار سياسة موسكو التي استمرت 15 عاما لإدارة الصراع الأرميني الأذربيجاني. ويمكن تسمية سياسة روسيا الحالية بـ”الردع المحوري”؛ حيث تعمل موسكو كلاعب “محوري” بين أرمينيا وأذربيجان. وقد اشتمل الردع المحوري على العديد من مسارات السياسة، التي غالبا ما تكون غير متماسكة منها التحالف الرسمي مع أرمينيا، ونقل الأسلحة إلى كل من أرمينيا وأذربيجان، وعقد مبادرات الوساطة.

يعمل “الردع المحوري” من خلال توليد عدم اليقين لدى كافة الأطراف؛ مما أدى إلى الحذر في أذربيجان، حتى مع تجاوز قدراتها العسكرية قدرات أرمينيا. فيما أدت حالة عدم اليقين في أرمينيا، إلى التملق للقوة الروسية لانتزاع الامتيازات، مثل تخفيض يريفان لعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي لصالح الاتحاد الأوروبي الآسيوي.

لكن الردع المحوري يعمل بشكل أفضل عندما لا يكون لكافة الأطراف خيارات تحالف بديلة. ومن السابق لأوانه القول ما إذا كان التدخل التركي يعني فشل سياسة “الردع المحوري” لروسيا في المنطقة.

وتعتبر الحرب الأرمينية الأذربيجانية الأخيرة من أعراض أزمة أوسع في التعددية والتحديات التي تطرحها القوى الإقليمية الصاعدة في نظام عالمي متعدد الأقطاب.

ربما لم ترحب روسيا بوساطة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في منتصف التسعينيات، لكنها قبلتها كإطار متعدد الأطراف يمكنه إدارة واحتواء الدخول الأوروبي الأطلسي إلى “الخارج القريب” عندما كانت موسكو نفسها ضعيفة.

في وقت لاحق، أكدت دول مجموعة “مينسك” (تضم في رئاستها فرنسا وروسيا والولايات المتحدة) أنها تشترك بالفعل في هدف منع نشوب حرب جديدة.

وبدون مجموعة “مينسك”، ستبدو تصرفات روسيا في الصراع الأرميني الأذربيجاني بصورة بشكل أكثر وضوحًا مثل التحركات الذاتية لقوة إمبريالية سابقة تهيمن على أطرافها السابقة. أو في الواقع، مثل قوة إقليمية طموحة تدخل نفسها في صراع كوسيلة لتحقيق طموحات لمكانة دولية أكبر، كما فعلت روسيا وتركيا في سوريا وليبيا.

ومع ذلك، فإن تحرك روسيا بمفردها يضع أمامها بعض القيود المهمة. عسكريا، لا تتمتع روسيا بوصول مباشر إلى منطقة القتال، وليس لديها، وفقا للتحليل العسكري، استجابة فعالة لتقنية الطائرات بدون طيار التركية التي قيل إنها كانت فعالة في الأيام الأخيرة.

سياسيا، فإن تحويل الصراع الأرميني الأذربيجاني إلى “حرب وكالة” سيؤدي إلى تأطير روسيا باعتبارها راعية لأرمينيا، فيما تدعم تركيا أذربيجان. لكن مثل هذا الدور من شأنه أن يسمم حتما العلاقات الثنائية المهمة بين روسيا وأذربيجان كشريك تجاري وجيوإستراتيجي في تطوير الربط بين الشمال والجنوب.

لذلك، فإن وضع روسيا في جنوب القوقاز سيتضرر في حال تحول دورها من إدارة الصراع إلى راعي أحد الأطراف في صراع محصلته صفر. فقد تأسس “الردع المحوري” لروسيا على فكرة أن نفوذ الكرملين يستمر على أفضل وجه من خلال تجنب أي خيار كهذا.

وهكذا تطرح الحرب الأرمينية الأذربيجانية الأخيرة أسئلة صعبة حول كل من قدرات روسيا ورؤيتها لنفسها، ليس فقط في جنوب القوقاز، لكن أيضا تجاه النظام العالمي الذي تسعى إلى تحديه في أماكن أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى