ترجمات أجنبية

ريسبونسيبل ستيتكرافت – إلدار ماميدوف – كيف تساهم أوروبا في تقويض أجندة بايدن تجاه الشرق الأوسط ؟

ريسبونسيبل ستيتكرافت –   إلدار ماميدوف – 4/3/2021

عندما ألقى الرئيس الأمريكي “جو بايدن” كلمة أمام مؤتمر ميونيخ الأمني ​​في 21 فبراير/شباط، شعر الكثيرون على جانبي المحيط الأطلسي بالارتياح. وبعد 4 أعوام من أجندة “أمريكا أولا” التي تبناها “دونالد ترامب”، أصبح هناك رئيس أمريكي يتعهد بالولاء لقدسية التحالف عبر الأطلسي وحلف شمال الأطلسي “الناتو”.

وقد يكون الأوروبيون سعداء بإعادة تأكيد “بايدن” على التزام الولايات المتحدة بأمنهم. ومع ذلك، في الشرق الأوسط، تسعى بريطانيا وفرنسا، وبدرجة أقل ألمانيا، إلى تحقيق مصالحها المتصورة بطرق تقوض أجندة إدارة “بايدن”. ويعد الفتور تجاه خطة العمل الشاملة المشتركة، أو الاتفاق النووي الإيراني، مثالا على ذلك.

وتتيح رغبة “بايدن” في العودة للاتفاق النووي فرصة للأوروبيين لإصلاح العلاقات عبر الأطلسي والحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة. ومع ذلك، فإن تحركات الدول الثلاث حتى الآن كانت في الغالب ذات نتائج عكسية.

وفي حين تمكن رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافائيل جروسي” من إبرام اتفاق لمواصلة التعاون مع طهران بعد أن فرض قانون إيراني قيودا على عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة، ورد أن الدول الثلاث دفعت من أجل توجيه لوم رسمي لإيران في اجتماع مجلس محافظي الوكالة.

وسوف تؤدي مثل هذه الخطوة إلى تضييق مساحة إدارة “حسن روحاني” للمناورة، في الوقت الذي تواجه فيه بالفعل ضغوطا داخلية مكثفة لإنهاء التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ومع ذلك، فإن التوجه الصارم من الدول الأوروبية الثلاث حيال إيران ليس مفاجئا، بالنظر إلى التصريحات التي أصدرها ممثلوها مؤخرا. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، دعا وزير الخارجية الألماني “هايكو ماس” إلى “اتفاق جديد” من شأنه معالجة “سلوك إيران المزعزع للاستقرار”، مثل برنامج الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية.

وفي يناير/كانون الثاني 2021، أكد الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” أن أي مفاوضات مع إيران يجب أن تكون “صارمة للغاية”، دون تحديد ما يستتبع ذلك. كما ألمح إلى أنه يجب إشراك السعودية في مثل هذه المفاوضات المستقبلية، وهو أمر ترفضه إيران.

وتكمن جذور هذه المراوغات في فكرة أن عقوبات “ترامب” ضد إيران قد بنت بطريقة ما نفوذا يجب على الغرب استخدامه لفرض تنازلات إيرانية قبل عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق. وأوضحت الدول الثلاث أنها تعتبر الكرة في ملعب إيران الآن، بالرغم من حقيقة أن واشنطن هي التي انتهكت الاتفاق أولا.

وفي ظاهر الأمر، بدا هذا وكأنه يقوي يد “بايدن”، لكن في الواقع، شجع ذلك الولايات المتحدة على المبالغة في موقفها من خلال رفض التحرك بسرعة بشأن تخفيف العقوبات. وغذى ذلك روايات منتقدي “روحاني” المحليين الذين يرغبون في التخلي عن خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل قاطع.

وفي الواقع، فإن قرار إيران برفض المحادثات غير الرسمية مع الولايات المتحدة، والتي اقترحها رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي “جوزيب بوريل”، يوضح فشل استراتيجية “استخدام النفوذ” تلك. وفي ظل عدم وجود خطوة أمريكية ذات مصداقية، لن تنظر طهران إلى “بايدن” بشكل مختلف عن نظرتها إلى “ترامب”.

وكان “ترامب” قد أوضح أنه يريد التحدث إلى إيران، لكنه ترك السلطة خالي الوفاض لأنه رفض أي تخفيف للعقوبات. وأدى انعدام الثقة الشديد في واشنطن إلى جعل طهران غير راغبة في منح المزيد من الوقت لـ “بايدن”، الذي لم يمر عليه في المنصب سوى أكثر من شهر بقليل.

وإذا لم يتم حل هذا المأزق قريبا، فسوف تنهار خطة العمل الشاملة المشتركة إلى الأبد، ما يضع الولايات المتحدة وإيران على مسار تصادمي نحو الحرب في وقت يجد فيه “بايدن” أن لديه أجندة محلية هائلة ينبغي التركيز عليها.

وإذا كانت الدول الأوروبية الثلاث صادقة بشأن رغبتها في إنقاذ خطة العمل الشاملة المشتركة وتسهيل عودة الولايات المتحدة إليها، فعليها حث “بايدن” على رفع بعض العقوبات على الأقل للسماح بمساحة للدبلوماسية بدلا من تشجيع وهم أن المزيد من الضغط سيمنح الولايات المتحدة ومجموعة الدول الثلاث صفقة أفضل مع إيران.

وقد تتخذ الدول الثلاث موقفا متشددا تجاه إيران لإظهار أوراق اعتمادها عبر المحيط الأطلسي أو تهدئة شركائها في الشرق الأوسط في إسرائيل والسعودية والإمارات. وخلال مفاوضات خطة العمل الشاملة المشتركة الأصلية، لعبت فرنسا دورا أكثر تشددا، والذي كان موضع تقدير كبير في تل أبيب والرياض، وقد كوفئت باريس حيث أبرمت صفقات أسلحة مربحة مع الدولتين.

والآن مرة أخرى، مع احتمال تجدد المفاوضات الأمريكية الإيرانية، تسارع فرنسا وبريطانيا لطمأنة السعودية والإمارات على استمرار دعمهما غير المشروط.

وفي الواقع تعمل فرنسا وبريطانيا على تقويض السياسة الأمريكية الوحيدة في المنطقة التي يبدو أن هناك عزم عليها، وهي إنهاء الدعم للحرب التي تقودها السعودية في اليمن، وإعادة تقويم أوسع للعلاقات مع المملكة. وعندما أعلن “بايدن” وقف مبيعات الأسلحة “الهجومية” للسعودية في يناير/كانون الثاني، رفضت بريطانيا أن تحذو حذوه.

وحصلت فرنسا، التي زادت مبيعاتها من الأسلحة إلى السعودية بشكل كبير مؤخرا، على صفقة دفاع جوي مربحة في فبراير/شباط. ويخطط “ماكرون” لزيارة الرياض في إطار جولته الخليجية الأسبوع المقبل والتي، إذا تمت، ستكون بمثابة دفعة دبلوماسية كبيرة لولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” بعد أن أفرجت إدارة “بايدن” عن تقرير استخباراتي يكشف تورطه في جريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي”.

ويوجد أيضا بُعد أيديولوجي يجعل هناك فجوة بين “بايدن” و”ماكرون” في الشرق الأوسط. ويستعد الرئيس الفرنسي لخوض حملة إعادة انتخابه في عام 2022، على الأرجح ضد المعارضة اليمينية المتطرفة المعادية للإسلام “مارين لوبان”. وفي مغازلة للرأي العام المحافظ، أطلق “ماكرون” حملته ضد الإسلام السياسي. وذهب بعض وزرائه إلى أبعد من ذلك واعتنقوا فكرة غريبة عن “اليسارية الإسلامية” التي افترضوا أنها تقوض أسس المجتمع الفرنسي.

ويعد مثل هذا الخطاب أقرب إلى “ترامب” منه إلى “بايدن”. ويمثل امتداده المنطقي في الشؤون الخارجية احتضانا للأنظمة الاستبدادية “المعادية للإسلاميين” في الإمارات ومصر والسعودية. ويتعارض احتضان منتهكي حقوق الإنسان في العالم مع التزام “بايدن” المعلن بحقوق الإنسان.

وفي حين لا تزال هذه الأيام هي الأولى لإدارة “بايدن”، من الممكن أن تجد الولايات المتحدة وأوروبا طرقا للعمل معا بشكل بناء في الشرق الأوسط وأماكن أخرى. ومع ذلك، فإن ضمان واشنطن لأمن حلفائها الأوروبيين لا يضمن أن الدول الأوروبية ستكون بالضرورة مفيدة في تعزيز أهداف السياسة الخارجية لـ “بايدن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى