أقلام وأراء

رياض قهوجي: روسيا في مواجهة أوكرانيا والناتو: الحشد الكمي لهزيمة التفوق النوعي

رياض قهوجي 11-2-2023: روسيا في مواجهة أوكرانيا والناتو: الحشد الكمي لهزيمة التفوق النوعي

أظهرت الحرب في أوكرانيا أن السلاح التقليدي الذي هيمن على ساحات القتال منذ الحرب العالمية الثانية لا غنى عنه، بالرغم من التطور التكنولوجي الذي أدخل أدوات جديدة في المعارك مثل المنظومات السيبرانية والليزر والطائرات والآليات المسيّرة والأقمار الاصطناعية والأسلحة فرط صوتية.

كُتب الكثير عن أشكال الحروب المستقبلية بناء على تكنولوجيا جديدة أو أحداث أو نزاعات عسكرية شهدها العالم خلال السبعين عاماً الماضية. لكن ما كشفته المعارك في أوكرانيا خلال عام من القتال أن لا غنى عن سلاح الدبابات ولا العربات المصفحة الهجومية ولا ناقلات الجند ولا مدافع الهاوتزر والهاون ولا المدافع الرشاشة، اذا ما كان هدف الحرب إما احتلال أراضٍ أو الدفاع عنها. وكما قال رئيس أركان الجيش البريطاني مؤخراً، “لا يمكن لجيش أن يعبر نهراً مستخدماً المنظومات السيبرانية. فالجنود بحاجة الى آليات وغطاء ناري وقدرات لوجستية”.

كشفت الحرب الأوكرانية العديد من الأمور التي ستؤثر بشكل كبير على خطط تسلّح الجيوش والسياسات الدفاعية للدول. وأحد هذه الأمور هو محدودية دور القوات الجوية عند توافر قدرات دفاع جوي فعالة عند الأطراف المتحاربة. فروسيا لها باع طويل في بناء منظومات دفاع جوي أثبتت فعاليتها في حروب سابقة مثل “فيتنام” وحرب “أكتوبر 1973” العربية – الإسرائيلية. أما أوكرانيا فقد تسلمت تشكيلة كبيرة من المنظومات المتقدمة للدفاع الجوي لدول حلف الناتو، وهذا الأمر منح الطرفين قوة متساوية في منظومات الدفاع الجوي التكتيكي ما أجبر سلاح الجو لدى الدولتين على الحد من عملياتهما وحصرهما بغارات سريعة جداً من علوّ منخفض وغالباً إطلاق صواريخ من مسافة بعيدة. قلّص ذلك بشكل كبير فعالية هذه الغارات ودور القوات الجوية في التأثير على مسار المعارك الكبيرة في أوكرانيا.

كما أن هناك تساؤلاً عن دور طائرات الهليكوبتر الذي بقي محدوداً أيضاً للأسباب آنفة الذكر. فهي أبطأ من المقاتلات الحربية ما يجعلها هدفاً سهلاً للدفاعات الجوية. وقد خسرت روسيا أكثر من ستين مروحية خلال العام الفائت. وهي تستخدم غالباً في المهام اللوجستية والهجمات السريعة حيث تطلق المروحية الهجومية كل ما تحمله من صواريخ دفعة واحدة وتنسحب بسرعة. تهديد الصواريخ المضادة للطائرات زاد من أهمية الطائرات المسيّرة لمهام الاستطلاع والمراقبة والهجوم والنقل. فخسارة الطائرة المسيّرة لا تعني خسارة طيارين وتكلفتها أقل بكثير من الطائرة الحربية والهليكوبتر.

يمكن القول إن دور القوات الجوية لا يزال مهماً وأساسياً، لكنه بات يتركز بشكل أكبر على الطائرات المسيّرة التي يجري تطويرها بشكل سريع لتؤدي المهام المتنوعة التي يريدها كل طرف ولتتمكن من تخطي المنظومات المضادة التي طورها أو يمتلكها الخصم. فلا تقوم أي من القوات البرية على الساحة الأوكرانية بالتقدم من دون ارسال طائرات مسيّرة تكشف الطريق ومواقع الخصم. كما ترسل الجهات المتحاربة طائرات مسيّرة هجومية، إما انتحارية أو مسلحة بصواريخ وقنابل، إنما هجماتها تأتي غالباً في سياق الهجمات التكتيكية. أما القصف الصاروخي، فقد نفذته القوات الروسية مستخدمة صواريخ جوالة أطلقت من بوارج في عمق البحر الأسود أو من قاذفات قنابل ألقتها من فوق الأراضي الروسية نحو أوكرانيا. كما استخدمت روسيا صواريخ بالستية تكتيكية لضرب منشآت حيوية. وفي المقابل فإن وجود منظومات دفاع جوي متطورة يخفّض فعالية هذه الصواريخ الجوالة بشكل كبير، اذ يتوقع أن تتمكن المنظومات العديدة المتقدمة التي وفرتها وستوفرها دول الـ”ناتو”، مثل “ناسماس” و”باتريوت”، من اعتراض العديد من الصواريخ الجوالة والبالستية التي تطلقها روسيا على منشآت حيوية وعلى البنية التحتية بهدف استنزاف أوكرانيا وإخضاعها.

الصواريخ الموجهة المضادة للمدرعات مثل “جافلين” و”إنلو” و”كورنيت” وغيرها، أثبتت فعاليتها على أرض المعركة، لكنها لم تستطع أن تنهي دور المدرعات كما تنبأ بعض الخبراء. فلا تزال الدبابة سيدة ساحة القتال اذا ما استخدمت بذكاء وضمن استراتيجية عسكرية فعالة. ففي الكثير من الأحيان تقلل الاستراتيجية أو التكتيكات السيّئة من قوة وأهمية السلاح. فعلى سبيل المثال امتلكت فرنسا دبابات مهمة مثل “أس-35” في مطلع الحرب العالمية الثانية اعتبرت حينها أفضل من دبابات “البانتزر” الألمانية. لكن القوات الفرنسية اعتمدت استراتيجية سيّئة في التعامل مع القوات النازية المهاجمة ما أفقد الدبابات الفرنسية فعاليتها وأدى الى النصر الكاسح لألمانيا حينها. وتجدر الإشارة الى أنه كان هناك اعتقاد سائد بأن المدافع المضادة للدروع ستنهي دور الدبابات، الا أن هذا لم يحصل. ويتم تجهيز الدبابات الحديثة بمنظومات حماية ذاتية وتصفيح من مواد مركبة يقوي دفاعاتها. وعليه، فإن سلاح المدرعات يبقى أساسياً ضمن الجيوش الحديثة وله الدور الرئيسي على ساحات القتال.

وكذلك سلاح المدفعية وتحديداً “الهاوتزر”. فعلى الرغم من وجود راجمات الصواريخ وبعضها من العيارات الثقيلة وتصل الى مسافة بعيدة، الا أنها ليست بفعالية مدافع “الهاوتزر” التي تعتبر أكثر دقة وأقل تكلفة من الصواريخ الذكية. فالعديد من مدافع “الهاوتزر” اليوم تملك منظومات توجيه نيران تمكنها من إصابة المناطق المستهدفة بسهولة. كما أن بعضها يطلق قذائف موجهة بالليزر أو تحتوي أجهزة استشعار حرارية ما يمكنها من إصابة أهداف بدقة فائقة.

لقد زودت الولايات المتحدة أوكرانيا بقذائف “اكسكاليبر” عيار 155 ملم تطلق من مدافع “الهاوتزر”. ولا تستطيع منظومات “هيمارس” الحلول مكان “الهاوتزر” كون صواريخها باهظة الثمن. كما أن حسن استخدام الجنود للطائرات المسيّرة الصغيرة في مهام الرصد والاستطلاع التكتيكي زاد من فعالية مدافع الهاون التي يتم توجيه نيرانها بمساعدة كاميرات المراقبة على المسيّرات التي يمكنها تحديد احداثيات الهدف.

وعليه، لا يواجه الجيش الروسي سيناريو شبيهاً بحرب الشيشان أو جورجيا. كما أننا لا نواجه سيناريو حرب كوسوفو أو حرب الخليج الثانية عندما حسم التفوق الجوي لأميركا والغرب، الحرب بسرعة كبيرة. فروسيا تواجه اليوم قوة عسكرية ندية ممثلة بأوكرانيا وخلفها حلف “الناتو”. تتوقع أوكرانيا اليوم أن تتسلم المزيد من دبابات القتال الرئيسية، إنما ستكون من صنع غربي هذه المرة وليست من مخلفات الاتحاد السوفياتي السابق. كما ستتسلم المزيد من مدافع “الهاوتزر” وصواريخ “هيمارس” وصواريخ مضادة للطائرات ومسيّرات هجومية. ويعتقد مراقبون أن روسيا تتجه اليوم لمضاعفة عدد قواتها على الساحة الأوكرانية في محاولة لاستخدام التفوق العددي لهزيمة النوعية في السلاح التي ستمتلكه أوكرانيا. ولذلك تسعى القيادة الأوكرانية للحصول على مئات المدرعات وبطاريات المدفعية والصواريخ المضادة للطائرات، ويبدو أنها ستنال مرادها.

تبقى مسألة مطالبة أوكرانيا بمقاتلات حربية معلقة بسبب اعتقاد العديد من الخبراء الغربيين أن فعاليتها ستكون محدودة نظراً لوجود منظومات دفاع جوي متقدمة لدى روسيا. ومن المرجح أن الحرب ستطول، والطرف الذي سيمتلك معنويات أعلى وسيعتمد استراتيجية عسكرية وتكتيكات أفضل، هو من سينتصر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى