أقلام وأراء

رياض قهوجي: أسباب تنامي النفوذ الصيني وتراجع الدور الأميركي الاتجاه نحو شرق أوسط بقطبين

رياض قهوجي 7-4-2023: أسباب تنامي النفوذ الصيني وتراجع الدور الأميركي الاتجاه نحو شرق أوسط بقطبين

تتابع الولايات المتحدة الأميركية بقلق تنامي دور الصين في الشرق الأوسط، خصوصاً بعد الإعلان الأخير عن نجاح الوساطة الصينية في التوصل الى اتفاق بين إيران والمملكة العربية السعودية لإعادة العلاقات الدبلوماسية وإنهاء الخلافات بينهما.

وفيما تبحث واشنطن عن كيفية تمكّن بكين من تعزيز حضورها في منطقة الخليج العربي تحديداً، تظهر الوقائع أن التغيير في العلاقات مع الصين أتى من داخل المنطقة وكان على حساب تراجع الدور الأميركي أو إخفاق واشنطن في الوفاء بتعهداتها لحماية أمن دول المنطقة مقابل سياسة تحافظ على استقرار أسعار النفط ومكاسب اقتصادية أخرى.

الصين، وكقوة صاعدة، تعرض خدماتها في مجالات عدة على دول الخليج العربي منذ أكثر من عقدين من الزمن، فهي صاحبة مشروع طموح بإعادة إحياء طريق الحرير لتعزز قوتها الاقتصادية عالمياً وتوسيع دائرة نفوذها دولياً. ويمكن مقارنة هذا المشروع بما قامت به الإمبراطورية البريطانية بين القرنين السابع عشر والتاسع عشر عندما استخدمت شركة الهند الشرقية للسيطرة على موانئ وخطوط بحرية بين آسيا وأوروبا وحتى أستراليا. ومع بداية القرن الثامن عشر كانت تسيطر الشركة على أكثر من نصف التجارة العالمية وامتلكت نفوذاً واسعاً استفادت منه الحكومة البريطانية في تعزيز مكانتها السياسية عالمياً كقوة عظمى. وإذا ما أجريت مقارنة اليوم مع النقاط التي تمر فيها طريق الحرير الصينية البحرية، نجد أوجه شبه كبيرة في السيطرة على الحركة التجارية في المحيط الهندي والموانئ المطلة على البحار في الطريق إلى أوروبا وشرق أفريقيا.

تشكل منطقة الخليج العربي منطقة استراتيجية للصين. فهذه المنطقة هي مصدر الجزء الأكبر من النفط والغاز للصين كما أنها تشكل سوقاً حيوية للمنتجات الصينية، إذ شهدت الصناعات الصينية التكنولوجية والإلكترونية نقلة نوعية كبيرة خلال العقد الماضي حيث باتت تعتبر منافساً قوياً للمنتجات الأميركية واليابانية والكورية والأوروبية التي كانت تسيطر على الأسواق في الماضي. فزيارة لمتاجر الهواتف والأدوات الكهربائية والإلكترونية في دول الخليج تظهر مدى انتشار المنتجات الصينية والتي تعرض في الواجهات بدل المنتجات الغربية. حتى سوق السيارات بات يحتوي على حصة مهمة للمنتجات الصينية. ومرد ذلك أن الاعتقاد الذي كان يسود في الماضي في أن المنتجات الصينية هي تقليد سيّئ لمنتجات روسية أو غربية قد زال من أذهان غالبية المجتمع وباتت هناك ثقة متزايدة بالمنتج الصيني. هذا تغيير مهم في رؤية المجتمع للصين وينعكس ايجاباً على التصور الذي يكوّنه المجتمع للأمور الأخرى التي مصدرها الصين، وهذا أمر لا يبدو أن الغرب قد أدركه.

عندما اختارت الإمارات العربية المتحدة التوقيع مع شركة هواوي الصينية لتزويدها بتكنولوجيا 5G للاتصالات لم يكن هناك منافس حقيقي حينها في الغرب يعرض هذه التكنولوجيا، وهذا الأمر لا تذكره الحكومة الأميركية اليوم عندما تتحدث عن انزعاجها من الموضوع، فيما اشتراطها أن تلغي أبو ظبي الاتفاقية مع هواوي مقابل الحصول على مقاتلات الجيل الخامس “أف-35″، لم يقبل لأسباب سيادية واقتصادية جيدة. وفي نهاية المطاف حصلت الإمارات على مقاتلات رافال الفرنسية فيما خسر الاقتصاد الأميركي عقوداً بمليارات الدولارات نتيجة تجميد اتفاق الـ”أف-35”. وعندما امتنعت أميركا عن بيع بعض دول الخليج طائرات من دون طيار هجومية أتت الصين لتملأ الفراغ ببيع طائرات وينغ لوونغ ورينبو المسيّرة الهجومية. بكين تعرض منذ سنوات بيع أسلحة على دول الخليج ولكنها لم تكن تجد تجاوباً بسبب الوجود القوي للشركات الأميركية والأوروبية في هذا القطاع. إنما بعد امتناع هذه الشركات الغربية عن توفير تكنولوجيا ووجود بديل آخر جيد، فُتحت الطريق للشركات الصينية لدخول أسواق السلاح الخليجية والعربية.

أما على صعيد الإطار الأمني الذي كانت رسمته أميركا لدورها في المنطقة بهدف تعزيز الاستقرار وتوفير الحماية عبر قواعد عسكرية لها في المنطقة، فهو فشل نتيجة افتقار الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ حرب الخليج الأخيرة لاستراتيجيات فاعلة ومتناسقة للمنطقة. فكان التناقض بين الإدارتين الديموقراطية والجمهورية ينعكس سلباً على دور القوات الأميركية في الخليج وبالتالي على أمن واستقرار المنطقة. فهذا الوجود العسكري لم يحمِ منشآت النفط في ابقيق ولم يحمِ السفن وناقلات النفط التي هوجمت قرب مضيق هرمز ولم يمنع الميليشيات الايرانية من أن تنتشر في دول عدة في المنطقة ويتعاظم نفوذها بهذا الشكل. وفي ما يخص برنامج إيران النووي، فإن سياسات الإدارات الأميركية فشلت فشلاً ذريعاً بوقفه حيث أن عمليات التخصيب مستمرة، ووفق اعتراف القادة العسكريين الأميركيين فإن إيران تستطيع أن تصنع قنبلة نووية في أسابيع اذا ما قررت ذلك اليوم.

هذه المراجعة تظهر أن التقدم الصيني هو نتيجة الفشل الأميركي الذي أحدث فراغاً في مجالات عدة، وحدوث تغيّر مهم في الصورة للصين لدى جزء مهم من المجتمع العربي وقياداته. وقد أعلنت الولايات المتحدة مسبقاً أنها تنوي تغيير وجهتها من الشرق الأوسط نحو آسيا وكأن دول الخليج هي خارج القارة الآسيوية. وجاءت أزمة جائحة كورونا لتضرب سلسلة التوريد وتجبر الدول على اللجوء الى موردين إقليميين وفي هذه الحالة استفادت القوى الآسيوية، ومنها الصين، من تنامي علاقاتها التجارية مع الخليج ودول الشرق الأوسط. وتزداد العلاقات التجارية لدول الخليج مع القوى الآسيوية التي تتقدم تكنولوجياً أيضاً وهذا سيكون على حساب الشركات الغربية. كما أن حرب أوكرانيا تستنزف القدرات الاقتصادية لأوروبا وروسيا وأميركا الأمر الذي سيكون لمصلحة الصين والقوى الآسيوية الأخرى.

لا تزال أميركا حتى اليوم القوة المهيمنة في الشرق الأوسط وتحديداً في منطقة الخليج العربي. الا أنها تواجه صعوداً قوياً للصين لن يكون سهلاً إيقافه بخاصة أن هذا التواجد هو موضع ترحيب وقبول من جزء مهم من مجتمعات وقيادات المنطقة. وتنامي الخلافات العقائدية الداخلية في الساحة الأميركية بين الليبراليين والمحافظين لا يبدو أنه سيساعد في ايجاد استراتيجية ناجحة تمكن أميركا من استعادة مكانتها السابقة اقليمياً ووقف الزخم الصيني. وهي مسألة وقت قبل أن تكتمل الخطة الصينية لبناء قواتها البحرية وتحديداً المزيد من حاملات الطائرات ليصل عددها الى ستة خلال السنوات العشر المقبلة. وهذا سيمكنها من نشر حاملة طائرات بشكل دائم على أبواب الخليج وامتلاك قدرات تمكنها من تمركز قوات جوية وبحرية لها في الشرق الأوسط ولعب دور أمني يوازي الدور الأميركي الحالي.

وبناء عليه، فإن المنطقة تتجه ليكون فيها قطبان مهيمنان لا قطب واحد كما الحال مع أميركا اليوم. قيادات دول الخليج توازن اليوم بين علاقتها القوية مع أميركا وتلك المتنامية مع الصين. فهذه الدول تملك مقدرات ومقومات تجعلها مهمة للطرفين ما يمكنها من حفظ التوازن في العلاقات وعدم الانحياز الى طرف ضد الآخر. نجاح الاتفاق الإيراني – السعودي سيعزز الدور السياسي للصين ويفتح الطريق لها للعب دور أمني لاحقاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى