أقلام وأراء

رياض قهوجي: أزمة الحكم والثقافة الليبرالية في اسرائيل وإمكانية تحوّلها للديكتاتورية

رياض قهوجي 22-1-2023: أزمة الحكم والثقافة الليبرالية في اسرائيل وإمكانية تحوّلها للديكتاتورية

كشفت الحكومة الإسرائيلية الحالية بزعامة بنيامين نتنياهو عن وجه جديد للدولة العبرية لم يكن المجتمع الغربي يتوقعه أو معتاداً عليه. فلطالما تبجح قادة اسرائيل بأن دولتهم هي الدولة الوحيدة الليبرالية الديموقراطية في الشرق الأوسط. وكانوا يستخدمون هذه الجملة بشكل متكرر، خاصة عندما يواجهون ضغوطاً من الرأي العام الدولي نتيجة سياساتهم القمعية ضد الفلسطينيين أو نتيجة اعتداءاتهم على المناطق السكنية في قطاع غزة.

هذه الجملة هي ضمن سياسة اعتمدها قادة اسرائيل منذ نشأتها تهدف إلى ربط ثقافة شعبهم بالثقافة الغربية من أجل إشعار شعوب أوروبا وأميركا بأن اسرائيل هي جزء منهم لكن موجودة جغرافياً في الشرق الأوسط. وحتى فترة طويلة كانت اسرائيل تصنف كدولة أوروبية في العديد من الأنشطة الرياضية والثقافية وحتى الأمنية. الرابط الرئيسي هو مشاركة اسرائيل النظام الليبرالي – الديموقراطي الذي تنتهجه الدول الأوروبية وأميركا – الجهة التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية ولاحقاً الحرب الباردة. هذا الرابط الثقافي هو أساس العلاقة السياسية – العسكرية المتينة بين الغرب وإسرائيل.

الحكومة الإسرائيلية الحالية تُعتبر أكثر حكومات اليمين تطرفاً في تاريخ الدولة والتي تشكلت نتيجة الصعود القوي للأحزاب الدينية المتشددة والعنصرية. فهذه أحزاب تقودها شخصيات صدرت بحقها أحكام في الفساد ودعم الإرهاب وبالتالي فهي لا تتناغم مع الثقافة الليبرالية، بل تستغل النظام الديموقراطي لتحقق مآربها سعياً للسلطة. ولا تختلف عقيدتها كثيراً من حيث الشكل مع عقيدة الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا وأميركا. فهي تريد فرض لون ديني واحد على الهوية الوطنية وترفض التعددية وتمارس العنصرية ضد الاثنيات الأخرى.

الفارق بين ما تقوم به الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل ومثيلاتها في الغرب هو أنها تريد قلب النظام بدل من أن تسيطر على مؤسساته. ففي أميركا وبعض الدول الأوروبية التي شهدت صعود اليمين المتشدد في السنوات الأخيرة، عمدت هذه الأحزاب عند وصولها السلطة الى السيطرة على المؤسسات عبر تعيين أشخاص فيها يشاركونها عقيدتها وذلك بهدف تعزيز قوتها وبقائها. الرئيس الأميركي دونالد ترامب عمد الى تعيين قضاة محافظين في المحكمة العليا بما أدى إلى رجوح كفة اليمين داخل المحكمة. إنما لم يتأثر نظام الحكم الديموقراطي إذ بقي القضاء مستقلاً واستمرت آلية الفصل بين السلطات. أما في اسرائيل فالحكومة الحالية تريد قلب النظام عبر اجراء تعديلات على الدستور تمكن السطة التشريعية من السيطرة تماماً على السلطة القضائية وتعزز فرص من في السلطة بالبقاء في الحكم والقيام بما يريد دون أي محاسبة. باختصار التعديلات التي تنوي أحزاب اليمين تمريرها ستؤدي الى سقوط منظومة حكم القانون التي تتغنى بها الأنظمة الليبرالية واستبدالها بنظام يمنح سلطة ديكتاتورية للأحزاب التي تملك الأكثرية في الكنيست.

منذ لحظة فوزه في الانتخابات يواجه نتنياهو ضغوطاً كبيرة من الداخل والخارج لثنيه عن اجراء التعديلات الدستورية التي تطال القضاء، وتحديداً صلاحيات المحكمة العليا. والحراك الشعبي الكبير الذي تقوم به أحزاب اليسار والوسط بدأت توسع الشرخ الداخلي مع اليمين. أما خارجياً فإن الإدارة الأميركية التي يرأسها ديموقراطي والحكومات الأوروبية قد أرسلت إشارات واضحة لنتنياهو لعدم تنفيذ خطته بمنح الكنيست القدرة على إلغاء أحكام المحكمة العليا وذلك عبر الحصول على أكثرية أصوات الأعضاء. كما ستمنح الخطوات المزمع تنفيذها الكنيست السلطة على إصدار العفو عن السياسيين الفاسدين والسماح لهم بمزاولة الوظائف العامة. فإذا ما أقدم نتنياهو على هذه الخطوة فإن اسرائيل ستأخذ أكبر خطوة في الابتعاد عن الثقافة الليبرالية – الديموقراطية وستضع نفسها على مسار تصادمي مع الحكومات والمجتمعات الغربية بشكل سيؤثر حتماً على الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

شهدت اسرائيل تغييرات كبيرة منذ نشأتها في نوعية قادتها وأدائهم السياسي. فبعد وفاة جيل القادة الذين شاركوا في تأسيس الدولة العبرية مع أول زعيم لها ديفيد بن غوريون، لم يعد هناك من زعماء عقائديين يخططون لسنوات مقبلة ويعملون بناء على استراتيجيات طويلة الأمد. فالمصالح الشخصية تسيطر على فكر قادة الأحزاب وخططهم تركز على كيفية الوصول الى الحكم والبقاء فيه. يتفقون على سياسة قمع الفلسطينيين وإضعافهم ولكنهم يختلفون على آلية التطبيق. انتشار الفساد وزيادة التطرف أوجدا شرخاً داخل السلطة الحاكمة والشعب مما أدى الى حصول أربع انتخابات تشريعية في اسرائيل في غضون سنتين. وقد يؤدي قرار المحكمة العليا الإسرائيلية الأخير بعدم قبول توزير زعيم حزب شاس أرييه درعي بسب إدانته سابقاً بالفساد وتعهده بعدم ممارسة السياسة، الى حل الحكومة الحالية وبدء نتنياهو محاولة لتشكيل حكومة جديدة.

محاولة السلطة القضائية حماية نفسها قد تنجح بمنع نتنياهو والأحزاب اليمينية من تمرير القرارات التي تريدها، إنما قد تدفع أيضاً بهذه الأحزاب للإسراع بتنفيذ أجندتها لتؤمّن بقاءها واستمراريتها في الحكم. وإذا ما كان ذلك، فإن المراقبين يخشون من خطوات عسكرية كبيرة قد تقدم عليها الحكومة الإسرائيلية ضد إيران أو الميليشيات الحليفة لها في المنطقة من أجل صرف نظر الرأي العام الغربي عن التغييرات في النظام ولعب الورقة الأمنية للحفاظ على الدعم الأميركي – الأوروبي. كما سيحاول نتنياهو أن يستخدم أي عملية عسكرية ضد إيران كوسيلة لتحسين علاقاته مع الدول العربية وتوسيع نادي موقعي الاتفاقيات الابراهيمية. فهو سيسعى لإنجازات كبيرة ستمكنه من البقاء في الحكم لفترة طويلة دون القلق من ملفات الفساد التي تلاحقه منذ سنوات. وبدل من أن تنتقل عدوى الليبرالية من إسرائيل إلى الدول المحيطة بها تكون إسرائيل هي من التقط عدوى دول العالم الثالث حيث ينتشر الفساد في أروقة السلطة بسبب فقدان حكم القانون، والأنظمة الديكتاتورية تحكم من خلف قناع الديموقراطية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى