أقلام وأراء
روعة قاسم – تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية على الاقتصاد التونسي

روعة قاسم ١٤-٣-٢٠٢٢م
يجمع خبراء الاقتصاد في تونس على أن تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية ستؤثر سلباً في الاقتصاد التونسي، المتهالك أصلاً بفعل عشرية الخراب “الإخوانية”، والذي لم يعد يحتمل المزيد من الهزات. فقد كانت هذه الحرب مفاجئة ولم يقرأ من أعدوا قانون المالية الجديد أي حساب، خصوصاً مع الارتفاع الكبير الذي ستشهده المواد والتي لم يقع تضمين أسعارها الجديدة في توقعات الموازنة لهذا العام.
على تونس، التي تتفاوض الآن مع صندوق النقد الدولي حول إمكان إقراضها لسد العجز المتوقع في الموازنة لهذا العام، والتي كان مسؤولوها يعتقدون أن هذا القرض سينهي أزمتهم، أن تبحث عن المزيد من الأموال سواء من صندوق النقد الدولي أو من غيره لتجاوز مخلفات الحرب الروسية – الأوكرانية. ويبدو أن العجز الذي كان متوقعاً قد تضاعف الآن بفعل الحرب التي ستؤدي إلى كارثة اقتصادية لتونس ولبلدان عديدة تنتمي إلى العالم النامي حيث الاقتصاديات الهشة تعاني الأمرّين لتتجنب الانهيار.
ولعل أهم المواد الأساسية التي سيرتفع سعرها أو ربما ستغيب من الأسواق التونسية خلال الأشهر المقبلة، القمح الأوكراني اللّين، باعتبار أن التونسيين لا ينتجون هذا النوع من القمح تحديداً والذي يصنع منه الطحين والحلويات ومواد أخرى، بل ينتجون القمح الصلب الذي يذهب أغلبه لصناعة الكسكسي والمعكرونة وغيرها المصنوعة من العجين. فهل سيبحث التونسيون عن وجهات أخرى لشراء القمح اللّين بأثمان باهظة بعد أن يرتفع سعره بفعل غياب القمح الأوكراني؟ وهل لديهم السيولة المالية الكافية لتغطية الزيادة في ثمن هذا القمح اللّين؟ أم أن الضرورة ستفرض عليهم تغيير العادات الغذائية لترجع كما كانت في الماضي تقوم بالأساس على عجين الكسكسي المستخرج من القمح الصلب والذي تنتجه تونس بكميات معتبرة؟
تحولت تونس في السنوات الأخيرة إلى بلد مورد لكميات مهمة من النفط والغاز بعد أن كانت وإلى حدود بداية التسعينات من القرن الماضي تحقق اكتفاءها الذاتي من إنتاجها المحلي من حقولها النفطية البرية والبحرية، وبالتالي فقد بات التونسيون يتأثرون سلباً، ومنذ أكثر من عقدين من الزمان، بارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق العالمية. ومع التوقعات بارتفاع أسعار المحروقات نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية يجوز التساؤل عن مدى قدرة الدولة التونسية على توفير السيولة المالية الكافية لتغطية الزيادة المتوقعة والتي لم يقع أخذها في الإعتبار في قانون المالية للسنة الحالية.
كما أن نسبة مهمة من السياح الذين يقصدون تونس خلال فصل الصيف للتمتع بالبحر والطبيعة الخلابة، هم من الروس والأوكرانيين، وبالتالي من المتوقع أن يفقد التونسيون هذه السوق المهمة بخاصة أن موسم الحجوزات يبدأ في فصل الربيع وتحديداً خلال شهر آذار (مارس) من كل سنة. فالأوكرانيون لا يتصور عاقل أن لديهم القدرة على الحجز في هذه الظروف الصعبة، كما أن الروس وبفعل العقوبات وإخراجهم من نظام “سويفت” سيصعب عليهم تحويل الأموال إلى تونس للحجز السياحي.
في المقابل يرى البعض أن عديد المواد التي ستشهد ارتفاعاً في أسعارها نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية سيعود ارتفاع أسعارها بالنفع على تونس، على غرار الفوسفات الذي كانت الخضراء قبل ثورتها في 2010 تحتل المرتبة الثانية عالمياً في إنتاجه، وتراجع هذا الإنتاج في السنوات الأخيرة بسبب كثرة الاضرابات في هذا القطاع. ومع عودة الإنتاج إلى نسقه العادي لهذه المادة الحيوية، التي تستخرج منها مواد عديدة على غرار الأسمدة الفلاحية واليورانيوم ومواد كيماوية أخرى ضرورية للصناعات الكبرى والثقيلة، يمكن للتونسيين أن يجدوا ما يخفف عنهم صعوبات هذه السنة الاستثنائية والتي ازدادت صعوبة باندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية.
ويأمل التونسيون أيضاً في عودة أسواقهم السياحية التقليدية، أي أسواق أوروبا الغربية، وذلك بعد التحسن الكبير في الوضع الصحي، وقد أعلنت إيطاليا رسمياً رفع قيود السفر عن مواطنيها باتجاه تونس، ويبدو أن بلداناً أوروبية كثيرة ستحذو حذوها. وفسر البعض هذه الخطوة الإيطالية في هذا الوقت بالذات، أي موسم الحجوزات برغبة الأوروبيين في إنعاش القطاع السياحي التونسي حتى تجد الخضراء موارد إضافية لتغطية العجز في ميزانيتها والذي بلغ أرقاماً لافتة لم تشهدها تونس عبر تاريخها.
كما أن تصدير بعض المنتوجات الفلاحية، على غرار زيت الزيتون الذي تتنافس تونس مع إسبانيا حول المرتبة الأولى في إنتاجه، والتمور التي احتلت الخضراء السنة الماضية المرتبة الأولى في إنتاجها وتصديرها وكذلك الحمضيات، سيدر مبالغ معتبرة قد تساهم في التخفيف من تداعيات هذه الحرب. فزيت الزيتون على سبيل المثال يوفر لتونس من العملة الصعبة ما يعادل مداخيل موسمين سياحيين حتى أن البعض أطلق عليه تسمية ذهب تونس الأخضر.



