أقلام وأراء

رندة حيدر تكتب – قناع نتنياهو الانتخابي

رندة حيدر *- 1/2/2021

يُفاجَأ من يتابع حملة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الانتخابية، بالقناع الجديد له. إنه يجرّ دولة إسرائيل إلى انتخابات رابعة خلال عامين فقط، بغرض التهرّب من المحاكمة، وتمسكاً بمنصب رئاسة الحكومة. وقد أثبت أنه قادر على فعل كل شيء، من أجل تحقيق هدفه، الفوز في هذه الانتخابات والبقاء في سدة الحكم، حتى لو تتطلب ذلك التقنّع بقناع الانفتاح على المجتمع العربي، بعد سنواتٍ من العداء مع هذا المجتمع والتحريض ضده.

يخوض نتنياهو الانتخابات، هذه المرة، مستخدماً سلاح تفكيك الأحزاب المنافسة له، سواء في معسكر اليمين أو الوسط، وتحويلها إلى أحزاب صغيرة متشرذمة. ويمكن القول إنه نجح نجاحاً باهراً في تفتيت خصمه في الانتخابات الماضية، حزب أزرق أبيض، الذي تحوّل من ثاني أكبر كتلة في الكنيست إلى حزب ثانوي برئاسة باهتة من بيني غانتس. وكانت محاولته الثانية شق القائمة المشتركة التي أعلنت، في الأسبوع الماضي، عن عدم توصلها إلى اتفاق على خوض الانتخابات بصورة مشتركة. جاء هذا بعد محاولات التودّد والحضن التي قام بها نتنياهو في اتجاه رئيس الحركة الإسلامية -الجناح الجنوبي، منصور عباس، والوعود التي أغدقها على الجمهور العربي، بدعم ميزانيات تطوير البلدات العربية، والمساهمة في محاربة العنف والجريمة، وغيرها من مطالب حياتية، يطالب بها المواطنون العرب في إسرائيل.

“ارتدى نتنياهو قناع الزعيم المنفتح الذي يقوم بجولات على بلدات عربية، كان قبل أشهر مستعداً للتخلي عنها ضمن تبادل أراضٍ في إطار صفقة القرن “.

فجأة، تخلى نتنياهو عن شعار “بيبي أو الطيبي” الذي رفعه في الانتخابات الماضية، ووضع جانباً أدوات التحريض التقليدية ضد العرب “الذين يتدفقون بأعدادٍ كبيرةٍ إلى صناديق الاقتراع”، وارتدى قناع الزعيم المنفتح الذي يقوم بجولات على بلدات عربية، كان قبل أشهر مستعداً للتخلي عنها ضمن تبادل أراضٍ في إطار صفقة القرن، ورأيناه يلتقط صورته مع المواطن العربي الرقم مليون الذي حصل على اللقاح ضد فيروس كورونا، محاولاً تلميع صورته أمام الجمهور العربي. والأهم في هذه التحرّكات الوعود التي قدّمها إلى منصور عباس، بإشراكه في عملية اتخاذ القرارات، مقابل تصويته في الكنيست مع القانون الفرنسي الذي يمنح الحصانة لرئيس الحكومة ويمنع محاكمته.

يمكن تفسير سعي نتنياهو وراء الحصول على تأييد المجتمع العربي له في الانتخابات بأنه نتيجة وصوله إلى قناعةٍ بأنه لا مجال لكسر الشلل السياسي والتعادل السلبي بين الحزبين الكبيرين الذي أعاق عمل الائتلاف الحكومي الذي تشكّل بعد انتخابات 2019، إلا من خلال تحييد القائمة المشتركة وتفكيكها. كان هذا هو الهدف الأساسي من تودّده إلى زعيم الحركة الإسلامية، منصور عباس، واحتضانه له، وكلامه عن إمكانية تعيين وزير مسلم يمثل المجتمع العربي في الائتلاف الحكومي المقبل، وضرورة إشراك الجمهور العربي في اللعبة السياسية. من أجل هذا الغرض، سعى إلى استغلال الشعور بالإحباط وسط الناخبين العرب الذين صوّتوا بكثافة في الانتخابات لصالح القائمة المشتركة، وبفضلهم حققت أكبر إنجاز لها بحصولها على 15 مقعداً، لكنهم رأوا أن هذا الفوز لم يؤد إلى أي تغيير نحو الأفضل في وضعهم، إنه على الرغم من حجم التمثيل السياسي للأحزاب العربية في الكنيست، فإن عملية نزع نتنياهو وأحزاب اليمين الشرعية عنها أبقت على وضع الأقلية العربية فئة مهمشة، ومستبعدة عن دوائر اتخاذ القرار.

“المصلحة الانتخابية لنتنياهو في تفكيك القائمة المشتركة، والتقرّب من شرائح من المجتمع العربي “.

كما استغل نتنياهو تخلّي معسكر أحزاب الوسط واليسار عن التعاون علناً مع القائمة المشتركة، وجنبهم الحملة التحريضية التي شنها عليهم نتنياهو، لجذب الناخبين العرب الذين صوّتوا في الانتخابات الماضية لصالح أحزاب صهيونية منافسة له. وبذلك يسعى إلى تحقيق هدف مزدوج: إضعاف معسكر خصومه من الأحزاب الصهيونية، وتحشيد تأييد سياسي له وسط الجمهور العربي، مصوّراً نفسه أمام أنظار الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل أخيرا بأنه رائد التسامح والانفتاح على الأقلية العربية.

لا يدخل هذا المقال في تفاصيل التغيرات والتطورات التي طرأت على مزاج الشارع العربي في إسرائيل، ويمكن أن تؤثر لاحقا في اتجاهات الاقتراع داخل الوسط العربي. ولكنه يتوقف، بصورة خاصة، أمام مظاهر الانفتاح المزعوم لنتنياهو على المجتمع العربي، في محاولة لسبر دوافعه الحقيقية.

هل من المعقول أن يغير نتنياهو وجهه العنصري التحريضي ضد العرب، وأن يتخلّى عن سياسة الإقصاء والتمييز التي مارسها ضدهم طوال سنوات حكمه، وكان آخر تجلياتها قانون القومية الذي يعتبر إسرائيل دولة للشعب اليهودي؟ وكيف يمكن لزعيمٍ يشكل المستوطنون قاعدته الانتخابية الصلبة، ولمن لا يعترف بحقوق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة، ويعمل على تأبيد الاحتلال الإسرائيلي، وتوسيع المشروع الاستيطاني، ويواصل حصاره على قطاع غزة، أن يتحوّل إلى نصير لقضايا المجتمع العربي في إسرائيل؟

صحيح أن السياسة تقوم على المصالح، وليس على النيات والعواطف، لكن المصلحة الانتخابية الضيقة لنتنياهو في تفكيك القائمة المشتركة، وفي التقرّب من شرائح من المجتمع العربي، وإغرائها بتقديمات اقتصادية واجتماعية، لا يمكن أن تحل محل أيديولوجيا متجذّرة لدى نتنياهو، تقوم، بالدرجة الأولى، على خدمة مصلحته الشخصية، ورؤية اليمين من مدرسة جابوتنسكي التي تنادي بأيديولوجيا الدولة اليهودية النقية، وسياسة الإقصاء والتمييز ضد المواطنين العرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى