أقلام وأراء

رفيق خوري يكتب – ما بعد صدمة الاعتداء على قلعة الديمقراطية .. السؤال الملح هو إلى أي حد يمكن إصلاح ما دمره ترمب؟

رفيق خوري – 9/1/2021  

الولايات المتحدة الأميركية والعالم في صدمة قوية من المشهد المقزز الذي لا سابق له في تاريخ الديمقراطية الأميركية: اقتحام مجاميع من الغوغاء مبنى الكونغرس بتحريض من رئيس لا يزال في البيت الأبيض.

الأنظمة السلطوية سعيدة بما تسميه “ضعف الديمقراطية والأمن”، وتقول: شكراً دونالد ترمب. والأنظمة والمنظمات الإرهابية الموضوعة على لائحة الإرهاب في وزارة الخارجية الأميركية ترقص فرحاً لأن “الإرهاب الداخلي” يضرب أميركا. لكن الديمقراطية قادرة على معالجة مشاكلها بنفسها عبر مزيد من الديمقراطية. فلا تلة الكابيتول هي سجن الباستيل. ولا الذين اقتحموا المبنى ثوار ضد الملكية أو الطغيان مثل الذين اقتحموا السجن الرهيب في باريس كبداية للثورة الفرنسية، بل هم غوغاء متعصبون ضد الديمقراطية، يندفعون لتغيير نتائج الانتخابات بالعنف دفاعاً عن رئيس خاسر يريد أن يصبح “دونالد الأول ملك أميركا”. ولا أعضاء الكونغرس امتنعوا في النهاية عن أداء واجبهم بعد منتصف الليل في التصديق على نتائج الولايات وإعلان جو بايدن رئيساً وكامالا هاريس نائباً للرئيس، على الرغم مما حدث ومن إصرار رئيس نرسيسي تافه لا يقرأ ولا يكتب على تحويل مهمة روتينية في الكونغرس إلى معركة محكومة سلفاً بالخسارة.

ذلك أن ترمب ليس كاذباً عادياً مثل الذين يكذبون ويعرفون أنهم يكذبون. هو يكذب ويعتقد أن أكاذيبه حقيقية ويصر عليها وعلى ادعاء التزوير في الانتخابات، ولو رفضت دعاويه المحاكم في الولايات والمحكمة العليا. لا بل إنه لم يتردد في مطالبة حاكم جورجيا وسكرتير الولاية الجمهوريين بإيجاد 11,800 صوت له، أي التزوير لمصلحته، لتغيير النتائج بحجة وقوع تزوير.

وكل هذا في نهاية مسار خطير شرشح أميركا القوة العظمى. أميركا التي وصفتها مادلين أولبرايت بأنها البلد الذي “لا يُستغنى عنه”، جعلها ترمب بلداً “غير مؤهل” في نظر العالم حتى لمعالجة كورونا، كما تقول سامنتا باور مندوبة أميركا في الأمم المتحدة أيام الرئيس باراك أوباما، في مقال نشرته “فورين أفيرز”. وقبلها كتب بن رودس نائب مستشار الأمن القومي أيام أوباما أن سياسة “أميركا أولاً” سرّعت “الأفول الأميركي”، ودعا بايدن إلى “تجديد الديمقراطية في أميركا”. وإذا كان شعار “لنجعل أميركا عظيمة ثانية” قاد مقاولاً نصاباً إلى البيت الأبيض، فإن أربع سنوات من رئاسته جعلت أميركا بلد “هنود حمر ثانية”.

والسؤال الملح هو إلى أي حد يمكن إصلاح ما دمره ترمب؟ ومتى ينتهي الرجل الذي يدعي أن ولايته كانت “أعظم ولاية” في تاريخ الرئاسة، ويعد أنصاره بأنه سيخرج من البيت الأبيض ليستأنف مسار “العظمة”؟

الحزب الديمقراطي فاز بالرئاسة وبالأكثرية في مجلس النواب والشيوخ، وصار أقدر على تحرير برنامج بايدن الطموح.

الحزب الجمهوري منقسم، بعضه مشمئز من أفعال ترمب الذي هاجم حتى نائبه مايك بنس، وبعضه الآخر أشد جنوناً وتفاهة وإيماناً بنظرية المؤامرة من ترمب.

البحث جدي حول تنفيذ التعديل الـ25 الذي يجيز للحكومة عزل الرئيس الخطر على البلد. وزير الدفاع سابقاً وليم كوهين يقترح على “الجمهوريين المعتدلين” تأسيس حزبهم الخاص، ويصف داعمي ترمب بأنهم “فيلة في سيرك يحاولون إرضاء مدير الحلبة الذي تقفز الفيلة على الكراسي كلما ضرب بسوطه”. مسؤولون كبار في البيت الأبيض يستقيلون احتجاجاً على ما فعله ترمب. والمحاكمات في دعاوى جزائية تنتظره بعد خروجه من البيت الأبيض وإعلانه أن انتقال السلطة سيتم “بشكل منظم” يوم 20 يناير (كانون الثاني) الحالي.

لكن الواقع أشد تعقيداً. وفي رأي البروفسور ديفيد بلايت أستاذ التاريخ الأميركي في جامعة ييل، فإن “حقبة ترمب هي تذكير بأنه لا تغيير دائماً بالضرورة، ولا قانون يمكن بذاته أن يحمي الأميركيين من أسوأ نزواتهم في التمييز العنصري والجشع وحماية مصالح الأهل والسلطوية”.

بايدن الذي وصف الهجوم بأنه “يوم أسود”، التزم “إعادة البناء بشكل أفضل”، لكن كثيرين يطالبونه بالمعجزات، ويرون أن العودة إلى ما كان “ليست كافية ولا صائبة”.

تقول كامالا هاريس في مذكراتها “الحقائق التي تحملها: رحلة أميركية”: “حين ترشحت لمنصب المدعي العام في سان فرانسيسكو كنت أتحدث في اللقاءات عما سأفعله للناخبين، لكنهم كانوا يريدون أن يسمعوا عن تجربتي وما حققته، وأنا تربيت مع إيمان بأن هناك شيئاً من النرسيسية في فعل ذلك، شيئاً تافهاً فارغاً”. وهذا مزاج شعب لن يختفي بتغيير من يسكن البيت الأبيض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى