أقلام وأراء

رفيق خوري: وقف نار وحربان في حرب السلاح

رفيق خوري 1-11-2025: وقف نار وحربان في حرب السلاح

هامش الفعل محدود أمام لجنة الإشراف على “وقف الأعمال العدائية” برئاسة جنرال أميركي من خلال اجتماعات ما سمي “الميكانيزم”، ولا فرق بين ما يسمعه المسؤولون في لبنان من الموفدين الأميركيين والمصريين وسواهم بصورة تحذير وإنذار أو بصيغة نصائح، فالأساس واحد: الوضع خطر جداً.

والأفق الذي فتحه اتفاق وقف الحرب في غزة بين “حماس” وإسرائيل برعاية الرئيس دونالد ترمب وقادة مصر وتركيا وقطر محكوم بإزالة الانسداد في لبنان، لأن سوريا ولبنان هما “القطعتان الباقيتان في سلام الشرق الأوسط”، أي الناقصتان بحسب تعبير الموفد الأميركي السفير لدى تركيا توم براك.

وما عاد وقف النار كما هو، يبدو كأنه كافٍ بالنسبة إلى إسرائيل و”حزب الله”، إسرائيل تمارس في إطاره منذ نحو عام كل ما يمكنها من اغتيالات لكوادر “حزب الله” وما بقي من بنيته العسكرية، و”الحزب” يمتنع عن الرد ويكتفي بالحديث عن “ترميم” نفسه وقوته ويصر على الاحتفاظ بسلاحه رافضاً قرار مجلس الوزراء بسحبه ومطمئناً إلى أن السلطة لن تقدم على صدام معه.

لا بل إن أمين عام “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم يقول: “لسنا جاهزين لشن معركة، ولا يوجد لدينا قرار لشن معركة ولا قرار بمبادرة قتال” مع العدو، لكنه يهدد الدولة بـ”مواجهة كربلائية” دفاعاً عن السلاح، ذلك أن حرب غزة كانت أكبر منها، لذا فإن سلام غزة أكبر منها، ولا مهرب أمام “حماس” من تسليم السلاح بالاتفاق أو بالقوة، كما يقول ترمب قبل نتنياهو والوسطاء العرب.

ومن الصعب استمرار وقف النار في لبنان وسط حربين، واحدة تهدد بها وتستعد لها إسرائيل للتخلص من أي خطر عليها يشكله “حزب الله” وسلاحه وارتباطه الإيراني، وهي حرب تحتاج إلى ضوء أخضر من أميركا التي تبدو كأنها يئست من تنفيذ ما التزم به الوضع الجديد في لبنان حيال “حصرية السلاح” في يد الدولة، وإن كانت لا تزال تشجعه على سحب السلاح غير الشرعي بحلول نهاية العام الحالي.

والحرب الأخرى هي التي لا معنى لسلاح “حزب الله” إن لم يكن يستعد لها عبر التمسك به والسعي إلى تعويض ما خسره من قيادات وأسلحة. وهي عملياً “حرب السلاح”، حرب الدفاع عن السلاح في الداخل ضد أي خطوة رسمية لسحبه، والتسلح من أجل الحرب الدائمة مع العدو الإسرائيلي وإخراج النفوذ الأميركي من لبنان وكل غرب آسيا ضمن أهداف المشروع الإقليمي الإيراني، كأن التحولات الهائلة لم تحصل.

ولا أحد يعرف إلى أي حد يمكن أن تنجح مصر التي أوفدت رئيس الاستخبارات اللواء حسن رشاد إلى بيروت في مهمة عاجلة لوقف الاندفاع الإسرائيلي نحو “إكمال المهمة” في لبنان من خلال خطوات لبنانية لا بد منها، ولا أحد يجهل أن المستشارة مورغان أورتاغوس والموفد توم براك والسفير الأميركي الجديد في لبنان ميشال عيسى وهو لبناني الأصل، ليسوا صناع سياسة بل يطبقون السياسة المقررة في البيت الأبيض، وأي اختلاف في لهجة الكلام بينهم هو مجرد تباين في التعبير عن أساس واحد.

وما عاد ممكناً بعد حرب غزة وسقوط نظام الأسد في سوريا وانحسار النفوذ الإيراني في المنطقة إبقاء لبنان في “محور المقاومة” كما كان منذ عقود، وتركه خارج المحور العربي والمحور الغربي على الطريق إلى سلام الشرق الأوسط، فلا “محور المقاومة الإسلامية” بقيت له أرض في غزة ولبنان وسوريا وحتى في العراق للقتال منها، ولا المشروع الإيراني يعيش سوى “خريفه”، ولو لم تتكرر حرب أميركا وإسرائيل على طهران.

وحين يفقد سلاح “حزب الله” الوظيفة والدور وشعار “الكلمة للميدان”، فإن كل الأقنعة والشعارات الإقليمية والدولية تجرفها الوقائع لتبقى وظيفة واحدة هي تطمين الطائفة الشيعية في لبنان على ثبات موقعها في النظام والمجتمع، وهذه وظيفة خطرة في بلد مكون من 18 طائفة، فضلاً عن أن الموقع محفوظ، والخوف هو من نقص الهيمنة، وما يحفظ الموقع ليس السلاح الذي يشكل خطراً عليه وعلى لبنان وبقية اللبنانيين بل المشاركة الديمقراطية في بناء الدولة الوطنية العادلة.

وليس من المعقول أن يبقى لبنان، بالاضطرار أو بالخيار والتردد عن خوف، في محطة انتظار يتجاوزها قطار السلام والازدهار في المنطقة، ولا من المقبول أن يرفض لبنان التفاوض بواسطة أميركا على “اتفاق أمني” مع إسرائيل يحرر الأرض ويعيد الأسرى ويفتح الطريق إلى إعادة الإعمار، تاركاً نفسه في عزلة مع سلاح انتهى زمنه وخراب يتزايد وأرض محروقة واحتلال إسرائيلي لما هو أبعد من “منطقة عازلة” داخل الحدود اللبنانية مع العدو.

وإذا خسر لبنان قوة الفعل والفرصة المفتوحة أمامه، فإن الرهان على “قوة الخطر” هو ورقة وهمية يتصور المسؤولون أنها تدفع العرب والغرب إلى الاهتمام بلبنان خوفاً من انهياره، فلا “احتواء” الخطر يكفي لأن البلد يحتاج إلى اقتصاد وسياسة واستثمارات، ولا شقيق ولا صديق على استعداد لأن يتولى عسكرياً سحب السلاح الذي تعجز السلطة عنه.

أما حرب إسرائيل فإنها كارثة تدمر لبنان، لا فقط سلاح “حزب الله” ويصبح الجميع “مغتربين” بلا وطن ولا حسابات صغيرة بالنسبة إلى قانون الانتخابات.

كان ماركس يصف جماعة العنف الدائم والحرب المستمرة بأنهم “الحالمون بالمطلق”، أما في ظروف لبنان والمنطقة فإنهم جماعة الانتحار السياسي وما هو أبعد.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى