رفيق خوري: مطلوب نقلة إستراتيجية في قمة الدوحة “الخيارات العربية المختلفة وصلت إلى طريق مسدود”

رفيق خوري 13-9-2025: مطلوب نقلة إستراتيجية في قمة الدوحة “الخيارات العربية المختلفة وصلت إلى طريق مسدود”
ليس أخطر من الاعتداء الإسرائيلي على قطر سوى أن يستمر اللعب العربي بالقواعد القديمة في لعبة إسرائيلية وأميركية جديدة، ولا مجال، منذ عملية “طوفان الأقصى” وحرب غزة وحرب لبنان وحرب إيران وسقوط النظام السوري، للخطأ في قراءة المشهد الشرق أوسطي المتغير راديكالياً، ولو أن التحولات المحلية والإقليمية والدولية الهائلة لم تكتمل بعد.
فلا الخرق الإسرائيلي لسيادة قطر والقانون الدولي معزول عن الخرق اليومي لسيادة لبنان وسوريا والعراق واليمن، على رغم دور الدوحة كوسيط في التفاوض على إطلاق الرهائن ووقف النار بين حكومة نتنياهو وقيادة “حماس”، وحليف لأميركا على أرضه أكبر قاعدة أميركية ومرشح لاتفاق دفاعي جديد مع واشنطن، ومقر لقادة “حماس” بطلب من أميركا، ومنصة للتفاوض يذهب إليها قادة الموساد والشاباك.
وما المحاولة الفاشلة لاغتيال قادة “حماس” في الدوحة سوى حلقة في مسلسل اغتيالات قضت على قادة الحركة في غزة وقادة “حزب الله” وضيوفهم في بيروت وفي مقدمتهم العاروري.
ذلك أن “الطوفان” الذي زلزل إسرائيل وأحدث تغييراً في المجتمع، دفع نتنياهو إلى الانتقال من الرهان على بقاء “حماس” في غزة كضمان للانقسام الفلسطيني وإضعاف السلطة الوطنية وقطع الطريق على قيام دولة فلسطينية إلى الاندفاع في القضاء على “حماس” في حرب إبادة هدمت غزة وشردت أهلها، و”حرب الإسناد” لغزة التي بدأها “حزب الله” انتهت بأقسى ضربة لهذا “الحزب” وبيئته ولبنان وباتفاق على وقف الأعمال العدائية بشروط أميركا وإسرائيل.
وفي الحالين نقلة إستراتيجية من “الردع” إلى “الحسم”، ومن انتظار تحرك “المقاومة الإسلامية” إلى ضربها قبل أن تتحرك أو تزداد قوة، ومن ضرب الأذرع الإيرانية المسلحة في غزة ولبنان وسوريا والعراق وصنعاء إلى ضرب الرأس في طهران.
وكل هذا وسط دعم أميركي كامل مع مشاركة مباشرة، كما حدث في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، فلا حصانة لأحد، ولا حرمة لبلد، ولا شيء يمنع العدو الإسرائيلي من قصف أي مكان في أي بلد عربي، فالمؤرخ الإسرائيلي توم سيغيف يرى أن “الطبيعة اللاعقلانية للصراع هي السبب الرئيس للاقتناع بأنه لا حل له”، لذا فإن “إدارة الصراع هي الحل الحقيقي للطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، ومحاوريهما الدوليين”.
لكن الحكومة الأكثر تطرفاً يمينياً في تاريخ إسرائيل ترفض إدارة الصراع كما ترفض الحل وحتى التسوية وتصر على حسم الصراع بالقوة العسكرية واحتلال الأرض المرشحة لإقامة دولة فلسطينية عليها، لقتل لا فقط مشروع الدولة بل أيضاً فكرة الدولة.
في مقدمة كتاب “الاستقطاب العرقي والديني في إسرائيل” يرى الرئيس محمود عباس أن “كل الصراعات في إسرائيل كبرت بعد عملية السلام، وكل المطلوب منا هو إقناع الإسرائيليين بأن العرب يريدون السلام، وهذا يعزز الانقسام في المجتمع ويجبر الإسرائيليين على الخروج من قلعتهم والنزول من دباباتهم”، لكن ما حدث هو العكس، فمعاهدتا السلام بين إسرائيل وكل من مصر والأردن واتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل و”اتفاقات أبراهام” بين إسرائيل وكل من الإمارات والبحرين والمغرب والسودان ومعهم مبادرة السلام العربية التي خرجت من قمة بيروت عام 2002 وهي أصلاً مبادرة للأمير ثم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لم يمنعوا من زيادة النزعة الحربية لدى إسرائيل والتطرف اليميني العلماني والديني والسطو على بقية فلسطين وأراضٍ في لبنان وسوريا.
بكلام آخر، فإن الخيارات العربية المختلفة وصلت إلى طريق مسدود: التخلي العربي عن الخيار العسكري الكلاسيكي بعد حرب 1973، واعتبار أن “السلام خيار إستراتيجي” في القمة العربية، والتمسك بمعادلة “الأرض مقابل السلام” تبدو اليوم خارج اللعبة.
خيار “حماس” تحرير فلسطين انطلاقاً من قطاع غزة المحاصر والمعتمد في كل شيء على إسرائيل ومصر، قاد إلى نهاية غزة والعمل على إنهاء الحركة المسلحة التي أسسها الشيخ أحمد ياسين، وفشل ما سُمي “محور المقاومة” في القيام بخطوة عملية واحدة على أرض فلسطين.
خيار “أوسلو” والاتكال على إقناع الإسرائيليين بأن العرب يريدون السلام بالفعل، قوبل بإضعاف إسرائيل للسلطة الوطنية الفلسطينية والمطامع الإسرائيلية بالضفة الغربية المرشحة لفرض السيادة الإسرائيلية عليها في الكنيست ومن ثم بالعودة إلى ما قبل أوسلو بدل الانتقال من السلطة إلى الدولة على الأرض، لا على الورق.
والدرس مكتوب على الجدار أمام العرب من قبل الاعتداء على قطر، لا علاقة مع إسرائيل حارة كانت أو باردة، تضمن عدم الاعتداء قبل الحديث عن أوهام الحماية بقوة الدولة العبرية، ولا ضمان ثابتاً تحت المظلة الأميركية لأية دولة عربية صديقة لواشنطن، فالدوحة تعرضت لعدوان إسرائيلي وقبله لهجوم إيراني على قاعدة العديد الأميركية في قطر من دون رد أميركي مع معرفة الرئيس دونالد ترمب السابقة بالهجومين.
والاعتداء الإيراني على منشآت نفطية سعودية لم يحرك جندياً أميركياً لرد الهجوم أو للرد عليه. والسؤال أمام القمة العربية الطارئة في الدوحة هو أولاً عن وقفة مع الصديق الأميركي، وثانياً عن إمكانات البحث عن ضمانات أمنية من قوى دولية أخرى، وثالثاً عن تفعيل الإمكانات العربية في مواجهة التنافس الإقليمي على المسرح العربي بين تركيا وإسرائيل وإيران، والجواب يكون عملياً أو لا يكون، فالفضاء مملوء بالإدانات والاستنكارات والتضامن مع الدوحة، لكن المطلوب هو تغيير إستراتيجي وجيوسياسي عربي في مواجهة التغيير الإستراتيجي والجيوسياسي الإسرائيلي، وهو أيضاً القيام بنقلة في العلاقات مع أميركا، بحيث يكون الوزن العربي على مستوى الحجم العربي في المصادر والطرق الإستراتيجية، ولا ضمانات خارج أميركا مع الأسف.
يقول الجنرال ديغول عن بسمارك والحرب الروسية-البروسية عام 1870: “عبقريته أنه عرف أين يتوقف”، والتحدي العربي هو إجبار نتنياهو على أن يعرف أين يتوقف بمساعدة ترمب.