رفيق خوري: ما بعد غزة… حرب سلام ترمب

رفيق خوري 8-10-2025: ما بعد غزة… حرب سلام ترمب
لعبة القدر قاسية على الضحايا، ولعبة الأمم أقسى على الشجعان الذين يقاتلون في طريق مسدود. عشية الذكرى الثانية لعملية “طوفان الأقصى” التي زلزلت إسرائيل، أعلنت حركة “حماس” قبول خطة الرئيس دونالد ترمب. والأولوية القصوى في غزة وفلسطين والعالم العربي والعالم هي لوقف حرب الإبادة في القطاع، ولو على يد “المنقذ” الأميركي الذي هو الشريك الكامل للمجرم الإسرائيلي. كان من الصعب على الحركة أن تقول “لا” لأن الكلفة الإنسانية والتدميرية صارت أكبر من القدرة على التحمل، والضغوط العربية والدولية تطوقها من كل الجهات. والأصعب أن تقول “نعم” لأن الثمن الإستراتيجي لذلك يتجاوز غزة و”حماس” وكل فلسطين. وستكتشف أن خيار “نعم ولكن” لن يغير شيئاً في الجوهر، ذلك أن النقاش في تفاصيل الخطة خلال التفاوض السريع عليها مهم، ويجب أن يصحح شيئاً من الخلل الكبير في التوازن. لكن المشكلة في الأساس، بصرف النظر عن القول الشائع إن “الشيطان يكمن في التفاصيل” وقول الفيلسوف هوبز إن “الحقيقة المطلقة تكمن في التفاصيل”. والأساس أن “حماس” التي أصرت دائماً في المفاوضات على أن يقود وقف النار إلى إنهاء الحرب والاحتفاظ بسلاحها إن لم يكن بحكم غزة، بالتالي تسجيل انتصارها وهزيمة إسرائيل، سلّمت بالتخلي عن السلاح وحكم غزة من حيث تعلن إسرائيل أنها انتصرت وهزمت “حماس”.
ومن الطبيعي أن تبقى “حماس” قوة سياسية و”حركة تحرر وطني”، لكن مشروعها العسكري لتحرير فلسطين انطلاقاً من حكم غزة المفصولة عن الضفة الغربية وصل إلى الفشل والنهاية. وليس أمراً قليل الدلالات أن “إعلان نيويورك” الذي صدر في مؤتمر “حل الدولتين” برئاسة سعودية- فرنسية وحضور عربي ودولي كثيف تضمن نصاً يدين عملية السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 بقيادة “حماس”.
ولا جدوى من البحث في خطة ترمب عما هو أميركي وما هو إسرائيلي، فما من مشروع أميركي ليست إسرائيل في صلبه، وما من مشروع إسرائيلي لا تعمل فيه أصابع أميركا. ولا بد بالطبع من أن تتبلور صورة “اليوم التالي” في غزة، وسط النقاش حول “قوة استقرار دولية” و”مجلس سلام” برئاسة ترمب وعضوية توني بلير والمطالبة بقوة فلسطينية وعربية وإسلامية والدعوة إلى اعتبار مستقبل غزة مسألة وطنية.
لكن السؤال هو، ماذا عن “اليوم التالي” بعد “اليوم التالي” في غزة؟ فالغلطة أساساً كانت فصل غزة عن الضفة وحكم “حماس” عن السلطة الوطنية الفلسطينية، بحيث انتهت الأمور إلى فشل مزدوج، فشل تحرير فلسطين انطلاقاً من القطاع الذي تمسك إسرائيل بمفتاح الحياة اليومية فيه، وفشل “اتفاق أوسلو” في الوصول بالتسوية إلى إقامة دولة فلسطينية على الأرض لا على الورق. وفي الحالين لعب بنيامين نتنياهو الورقة على الوجهين، صرف النظر عن تقوية “حماس” لنفسها بالسلاح والمال لمواجهة “فتح” والسلطة، واعتبار الأمر “بوليصة ضمان” ضد قيام دولة فلسطينية، كما قال لوزرائه. وشن حرب إبادة للقضاء على “حماس” بعد “الطوفان” والعمل على إضعاف السلطة في رام الله فوق ما هي ضعيفة ومضروبة بالفساد والترهل.
والكل يعرف أن ليس هناك حل في غزة وحدها، وأي حديث عن “أفق سياسي” مفتوح لتقرير المصير أمام الشعب الفلسطيني يبقى مجرد حديث من دون سلام في الشرق الأوسط كله. والمعنى البسيط لتعبير “السلام من موقع القوة” الذي استعاره ترمب وكثرٌ قبله من الإمبراطور الروماني هادريان، هو سلام يحتاج إلى حرب لتحقيقه. فالتسوية الفلسطينية التي هي حلقة مهمة للاستقرار والسلام في المنطقة تواجه رفضاً من نتنياهو وحكومته الأكثر يمينية وتشدداً في تاريخ إسرائيل. ولا شيء يوحي بأن ترمب يراها ضرورية في إطار اهتماماته بتوسيع “اتفاقات أبراهام”. وكل شيء يشير إلى أن ما يسميه ترمب “السلام الشامل”، وما يسميه نتنياهو “إكمال المهمة”، في حاجة إلى إخراج النفوذ الإيراني من غزة ولبنان والعراق بعد سوريا، بالتالي إلى ضرب الأذرع الإيرانية المسلحة، ثم ضرب طهران أو بالعكس.
وأقل ما تعمل له إسرائيل حالياً هو إلغاء أي خطر عليها، تدمير غزة وإخراج “حماس” منها وإقامة مناطق عازلة في جنوب لبنان وجنوب سوريا والحفاظ على السلام مع مصر والأردن وإضعاف الجيوش العربية وضرب أسلحتها الإستراتيجية قبل استعمالها. وما يراه المؤرخ إيلان بابيه في كتابه الجديد “موجز تاريخ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني” هو أن “حل الدولتين لم يعد قابلاً للتطبيق مع وجود 700 ألف مستوطن في الضفة الغربية، وهو مجرد حل على جزء من فلسطين لجزء من الشعب الفلسطيني”.
الجنرال موشي دايان سأل في عنوان كتاب له “هل نحمل السيف إلى الأبد؟”، والجواب من نتنياهو ومجانينه هو لا حياة لإسرائيل إلا بالسيف. وهذا نجاح موقت ولكنه سقوط في النهاية.