أقلام وأراء

رفيق خوري – مأزق الانقلابيين والثوار: أي مخرج سريع للسودان؟

رفيق خوري ١٢-٢-٢٠٢٢م

الوضع في السودان يزداد تعقيداً بمقدار ما يزداد وضوحاً. والقوى الكبرى تبحث عن مصالحها الأمنية والاستراتيجية، وإن رفعت شعار التمسك بالقيم والحرص على الديمقراطية. روسيا والصين ضد “الثورات الملونة” وكل ثورة بحجة أنها “ألعاب أميركية”. وأميركا التي ساندت الثورة الشعبية السلمية ضد نظام عمر البشير، عادت إلى مراعاة العسكر وتخفيف الضغوط بعد الانقلاب العسكري على الثورة والمكون المدني في السلطة الانتقالية. صحيح أن قائد الجيش والانقلاب الفريق عبد الفتاح البرهان يتحدث عن تصحيح الشراكة مع المدنيين، ويعلن أنه مستعد لتسليم السلطة إلى حكومة تخرج من الانتخابات أو حكومة يأتي بها التوافق السياسي. لكن الصحيح أيضاً أن الجيش يفعل كل شيء لتأخير الانتخابات ومنع التوافق السياسي. ولا شيء يوحي بأن الجيش يفكر في التخلي عن السلطة، وإن كان عاجزاً عن تأليف حكومة وإدارة المال والاقتصاد. فهو يمارس القمع العنيف لمواجهة التظاهرات المليونية اليومية في كل مدن السودان، مطالبة بالديمقراطية وتولي المدنيين للسلطة. وهو عمل ولا يزال على إضعاف التنظيمات الثورية وشقها، وإغراء بعض الأطراف والقيادات بالانضمام إلى سلطة الجيش. وليس أمراً عادياً أن تسقط وتفشل المبادرات واحدة بعد أخرى. مبادرة الاتحاد الأفريقي غابت. والمبادرة الأميركية احتوتها مناورات البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي). ومبادرة هيئة التنمية الأفريقية “الإيقاد” تكرار للتجارب ودعوات كل الأطراف إلى حل الخلافات سلمياً. مبادرة الأمم المتحدة ليست مبادرة محددة، بل مجرد استعداد لتفهم مطالب كل طرف ودفع الأطراف إلى التفاهم. والاتحاد الأفريقي يلعبها مزدوجة في مواجهة موجة جديدة من الانقلابات العسكرية في القارة السوداء: يعاقب الانقلابيين في مالي وغينيا وبوركينا فاسو قبل محاولة انقلابية فاشلة في غينيا بيساو، ويتراخى مع الانقلاب الذي سطا على الثورة في السودان. يتحدث بعد قمته الـ 35 في أديس أبابا عن “تراجع خطير في الديمقراطية” بسبب الانقلابات. ويصمت عن مخاطر الانقلاب السوداني الذي جرى على مراحل. وقادة الجيش يحاولون “إعادة نظام البشير” بلا بشير، بحسب “قوى الحرية والتغيير”. 

والمشكلة أيضاً مزدوجة: الجيش يبدو في موقف واحد من خلال الضباط الكبار الأعضاء في مجلس السيادة. والثوار موحدون في الهدف متفرقون كفصائل. “قوى الحرية والتغيير” على اختلاف مع “تجمع المهنيين السودانيين”. و”لجان المقاومة” تعمل منفردة. ومطلب القوى الثلاث واحد: إسقاط سلطة الجيش وتسلم المدنيين السلطة. بعضها يحاور ممثل الأمم المتحدة المتبرع بمبادرة تصالحية. وبعضها الآخر مثل “تجمع المهنيين السودانيين” يرفض مبادرة الأمم المتحدة ويراها غير جدية. والكل يعرف أن بداية الطريق إلى تسلم المدنيين للسلطة هي أن تتوحد “قوى الثورة”. والكل يسمع في الداخل والخارج من يقول إن إسقاط السلطة العسكرية في الشارع مهمة بالغة الكلفة وصعبة، ولا بد من صيغة ما تعيد الشراكة العسكرية-المدنية في المرحلة الانتقالية.

والواقع أن قادة الانقلاب العسكري كانوا من أركان عمر البشير، بعضهم عمل في تنظيم “الإخوان المسلمين”، وبعضهم الآخر مثل “حميدتي” قائد قوات التدخل السريع، كان يقود ميليشيا “الجنجويد” التي ارتكبت الفظائع في دارفور، وصارت نواة التدخل السريع. والخطوة الأولى التي قاموا بها بعد فك الشراكة مع المدنيين هي طرد الإداريين الكبار الذين جاءت بهم حكومة عبدالله حمدوك، وتعيين مسؤولين سابقين في نظام البشير مكانهم. وهي أيضاً حل اللجنة التي كانت مهمتها تفكيك شبكات “التمكين” للإخوان المسلمين في السلطة والمجتمع.

ولا بد من ضغوط سياسية واقتصادية قوية وفعلية على الانقلابيين للعودة عن الانقلاب. فالأوضاع المالية والاقتصادية مأزومة. والضباط عاجزون عن تحريك النشاط الاقتصادي وعن إسكات الثوار. وقوى الثورة مصرة على التظاهر يومياً على الرغم من القمع والسجن وقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي، الذي أودى حتى اليوم بنحو 100 متظاهر.                    

وليس أخطر من التحديات الداخلية والخارجية أمام الخرطوم سوى تجاهل ما خربته في السودان وعلاقاته، سلسلة الانقلابات من أيام الفريق عبود إلى النميري والبشير والبرهان.

 

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى