أقلام وأراء

رفيق خوري: قراءات مختلفة في مبادرة لبنانية

رفيق خوري 26-11-2025: قراءات مختلفة في مبادرة لبنانية

بيروت تنتظر ردوداً على المبادرة التي أطلقها رئيس الجمهورية جوزاف عون في خطاب الاستقلال من جنوب الليطاني، الاستعداد للتفاوض على “أي اتفاق يرسي صيغة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف الاعتداءات نهائياً”. ولا أحد يعرف متى تأتي الردود وكيف، ولا إن كانت ستأتي أصلاً، لا من إسرائيل المطلوب “انسحابها من النقاط المحتلة على الحدود الجنوبية ليتسلمها الجيش اللبناني المستعد لذلك”، ولا من “رعاية أمنية” مطلوبة من الأمم المتحدة أو من رعاية “دولية مشتركة” أو من أميركا التي تؤدي عادة دورها التقليدي في تسهيل المفاوضات وتجسير الخلافات. وإذا كانت المشكلة هي ارتباط الانسحاب الإسرائيلي بتنفيذ لبنان قرار مجلس الوزراء القاضي بسحب السلاح من “حزب الله”، فإن الوجه الآخر للمشكلة هو سياسات فك الارتباط بين الأمرين، وأي تأخير أو تقديم يشكل فارقاً.

ذلك أن الرئيس عون وضع خطاً فاصلاً بين ما يتعلق بلبنان من “بيروت إلى الحدود الدولية” وبين ما يرتبط بأية “خطوة أبعد من الحدود”. في الموضوع اللبناني الخاص، لبنان حاضر للشراكة في السلام “بكلية وفاعلية إن عبر توسعة نطاق اتفاقات سابقة أو عبر أخرى جديدة بلا أي عقد”، وفي الموضوع الأبعد، فإن “السير بالتنسيق والتلازم مع الموقف العربي الجامع”، وهذه إشارة إلى أن لبنان يلتزم مبادرة السلام العربية التي خرجت عام 2002 من قمة بيروت: الانسحاب الكامل مقابل السلام الشامل وقيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو (حزيران) وعاصمتها القدس الشرقية.

والسؤال في ضوء النقاط الخمس في المبادرة هو حول قراءة الأكثرية العربية والدولية لها. والبعض يميل إلى التركيز على القراءة الأميركية ما دامت القراءة الإسرائيلية معروفة سلفاً. والظاهر أن هناك ثلاثة عوامل تؤدي الدور الرئيس في القراءات، أولها الخلاف حول ترتيب الأولويات في المبادرة، بين من يريد أن يكون نزع سلاح “حزب اللہ” أولاً، ومن يوافق الرئيس عون في التركيز على الانسحاب الإسرائيلي و”رعاية الدول الشقيقة والصديقة هذا المسار عبر آلية دولية لدعم الجيش اللبناني والمساعدة في إعادة إعمار ما هدمته الحرب بما يضمن ويسرع تحقيق الهدف الوطني النهائي والثابت بحصر كل سلاح خارج الدولة وعلى كامل أراضيها”.

وثانيها بين الإطار المحدود المرسوم في المبادرة حيث لا يستطيع لبنان في ظروفه الحالية سوى ترتيب اتفاق أمني مثل “اتفاق الهدنة” لعام 1949 أو أوسع قليلاً، وبين الإطار الواسع لسلام الشرق الأوسط على طريقة الرئيس دونالد ترمب وإلحاحه على توسيع “اتفاقات أبراهام”. وثالثها هشاشة الوضع السياسي اللبناني بسبب الخلاف الحاد بين الأكثرية الشعبية والرسمية وبين “الثنائي الشيعي” حتى على تصحيح أخطاء في قانون الانتخاب.

والواقع أن إسرائيل ليست على عجلة من أمرها بالنسبة إلى اتفاق أمني أو اتفاق سلام مع لبنان، فهي تريد أن تبقى متمتعة بحرية الحركة العسكرية والأمنية كما فعلت أخيراً في غارة على الضاحية الجنوبية اغتالت فيها مسؤولاً عسكرياً بارزاً هو هيثم طبطبائي، وهي تلوح بالحاجة إلى “إكمال المهمة” عبر “أيام قتالية” تضعف ما بقي من قوة “المقاومة الإسلامية” في لبنان والعراق واليمن بعد غزة، وآخر ما يريده “حزب الله” هو إغلاق الملف الجهادي ضد إسرائيل ومن أجل المشروع الإقليمي الإيراني، فلا أحد يتحدث عن استعارة القوة و”ترميم” الذات بعد الهزيمة في “حرب الإسناد” إن كانت له مصلحة في تسوية لا بد من أن تنهي دوره الذي أسسته ومولته وسلحته إيران.

ولا جدوى من الجدل حول المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، فالدنيا تغيرت، لا انسحاب إسرائيل من الجنوب عام 2000 من دون قيد أو شرط يمكن أن يتكرر، ولا الاتفاق غير المباشر بواسطة الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين حول ترسيم الحدود البحرية بين “لبنان ودولة إسرائيل “يمكن أن يصبح مقياساً لاتفاق على تثبيت الحدود البرية، وإذا كان التفاوض مع العدو نوعاً من الهاجس أو الكابوس بالنسبة إلى “حزب الله” وجماعة الممانعة، فإن لبنان مارس حتى اليوم كل أنواع التفاوض مع إسرائيل.

من التفاوض غير المباشر في جزيرة رودس بوساطة الأمم المتحدة للتوصل إلى “اتفاق الهدنة” عام 1949 إلى التفاوض المباشر بين لبنان وإسرائيل برعاية أميركية بعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 لإنتاج “اتفاق 17 أيار” الذي فرضه وزير الخارجية الأميركي جورج شولتز على مفاوضين وصفهم بأنهم “تلموديون وتجار سجاد” فولد ميتاً في إسرائيل ورأته دمشق ميتاً وجرى إسقاطه في بيروت، فضلاً عن المفاوضات المباشرة في واشنطن في التسعينيات بعد مؤتمر مدريد. وكان رئيس الوفد اللبناني السفير سهيل شماس الذي كانت التعليمات المعطاة له هي تضييع الوقت وما سماه استخدام “دبلوماسية الحمام” بسبب مرض السكري، لأنه كان ممنوعاً أي اتفاق بين لبنان وإسرائيل قبل التوصل إلى اتفاق بين سوريا وإسرائيل تحت عنوان “تلازم المسارين”.

واللعبة أكبر من لبنان وبالطبع من “حزب الله” والممانعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى