رفيق خوري: خطر الخلل في معادلة السلاح

رفيق خوري 29-8-2025: خطر الخلل في معادلة السلاح
زوار بيروت والوسطاء والموفدون يحملون رسالة مكررة بكل اللغات باستثناء الفارسية: مفتاح كل شيء هو سحب السلاح من “حزب الله”. ورسالة المسؤولين الجوابية هي أن اللعبة تتحرك على خطين، لا على خط واحد: خط حصرية السلاح في يد الدولة والإمساك بقرار الحرب والسلم، وخط التقيد الإسرائيلي باتفاق وقف الأعمال العدائية والانسحاب من التلال المحتلة في الجنوب بما يضمن “حصرية” السيادة اللبنانية على كامل التراب الوطني. وأي خلل في المعادلة يضع لبنان في خطر مصيري على طريق الانحلال. وخطر الخلل قائم حتى إشعار آخر. فمن جهة يرفض “حزب الله” سحب السلاح لأسباب ذاتية وإيرانية، ومن جهة أخرى تصر إسرائيل على استمرار الاعتداءات وتغيير طابع الجنوب وربطه بالتغيير في الجنوب السوري بدعم من الرئيس دونالد ترامب.
لكن اللعبة أكبر من قدرة أي طرف على التلاعب بها. فما حدث في غزة ولبنان وسوريا وإيران ليس من النوع الذي يمكن التصرف حياله كأنه أمر عارض أو كأنه لم يحدث. والاتفاق على تطبيق القرار 1701 ليس استراحة محارب في انتظار استكمال القوة والعودة إلى الحرب. وهي حرب دائمة هدف إسرائيل فيها إنهاء قضية فلسطين وإحداث أوسع تغيير جيوسياسي واستراتيجي في المنطقة، وهدف إيران هو دفع أذرعها إلى القتال في حد ذاته من دون قدرة على تحقيق خطوات عملية على الأرض، لأن مجرد قتال إسرائيل هو ورقة مهمة في ملف المشروع الإقليمي الإيراني الذي يصطدم بالأكثرية العربية والإسلامية والموقف الأميركي والإسرائيلي طبعًا.
ذلك أن متغيرات إقليمية ودولية في العقدين الماضيين مع خلل في توازن القوى في الداخل سمحت بتعاظم قوة “حزب الله” وسلاحه ودوره الداخلي والإقليمي. وما كانت هناك قوة قادرة على الوقوف في وجه المتغيرات. ومتغيرات جديدة في إطار التحولات الهائلة التي حدثت في المنطقة مؤخرًا برزت فيها قوى محلية وإقليمية ودولية لديها مصلحة وقدرة، لا فقط على سحب السلاح من “حزب الله” بل أيضًا على إنهاء “محور المقاومة” في كل المنطقة وصولًا إلى تهديد المركز في طهران. ولا قوة تستطيع الوقوف في وجه المتغيرات الجديدة بصرف النظر عن التهويل.
وليست مطالبة “الثنائي الشيعي” لرئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام بالتراجع عن القرار التاريخي الذي أقره مجلس الوزراء بالأكثرية سوى دعوة المسؤولين إلى “الانتحار السياسي” والحكم على لبنان بالحبس المؤبد مع الفقر والعزلة والسلاح. فما يطلبه “حزب الله” من الدولة، وهذه مسؤولياتها بالطبع، هو استخدام العلاقات والدبلوماسية العربية والدولية لتحرير الجنوب من الاحتلال الذي أعادته إسرائيل في “حرب الإسناد”، ولكن ليس للتخلي عن السلاح بل للحفاظ عليه تحت عنوان البحث في استراتيجية دفاعية، مع أنه سلاح مقاومة مع وقف التنفيذ. وما يركز عليه في الحديث عن “أهل المقاومة وبيئة المقاومة” هو إبراز للطابع الشيعي للسلاح على حساب ما كان له من طابع وطني أيام المقاومة التي حررت الجنوب. فلا مقاومة إن لم يكن اللبنانيون جميعًا أهلها وبيئتها.
وما دام لبنان في حاجة إلى أميركا والسعودية للمساعدة في حل القضايا العالقة مع سوريا، كما في حاجة إلى أميركا وفرنسا للمساعدة في تسوية النقاط العالقة مع إسرائيل والتمديد لقوات “اليونيفيل”، فكيف يمكن أن يكون خط العلاقات مع واشنطن والرياض وباريس مهددًا بخط المشروع الإيراني وسياسة التهجم على العواصم الثلاث؟
و”من العجز طلب ما فات مما لا يمكن استدراكه وترك ما أمكن مما تُحمد عواقبه” كما قال الإمام علي.