#شوؤن عربية

رحاب الزيادي: سياق محفز: متى ينتهي الشغور الرئاسي في لبنان؟

رحاب الزيادي *  26-3-2023: سياق محفز: متى ينتهي الشغور الرئاسي في لبنان؟

رحاب الزيادي
رحاب الزيادي

منذ انتهاء مدة الرئيس ميشال عون، في31 أكتوبر 2022، دخل لبنان مرحلة من الشغور الرئاسي لما يقرب من خمسة أشهر، وأخفق مجلس النواب لأكثر من مرة في انتخاب رئيس الجمهورية، وكان آخرها في 19 يناير 2023، لكن طرأت بعض المتغيرات الإقليمية والداخلية في لبنان التي قد تكون محفزاً يُسهم في حلحلة الأزمة بدءًا بانتخاب الرئيس، واختيار رئيس للحكومة، ووضع برنامج للإصلاح. فمن ناحية، هناك توافق بين الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) على المرشح “سليمان فرنجية”، ومن ناحية ثانية هناك جهود إقليمية ودولية برعاية فرنسية وسعودية لحلحلة الملف اللبناني في محاولة لدفع الأطراف الداخلية على اختيار رئيس الجمهورية، علاوة على الاتفاق الإيراني-السعودي في 10 مارس 2023، وماله من انعكاسات على التوافق الإقليمي حول اختيار رئيس الجمهورية اللبناني. ضمن هذا السياق، تناقش الورقة كيفية انتخاب الرئيس، والسياق المحفز لإنهاء الشغور الرئاسي.

كيفية انتخاب الرئيس اللبناني

شهد لبنان في تاريخه شغورًا رئاسيًا ثلاث مرات؛ المرة الأولى مع انتهاء ولاية الرئيس “أمين الجميل” في 22 سبتمبر 1988، وهو شغور انتهى بانتخاب الرئيس “رينيه معوض” عام 1989 (أي استمر لمدة عام و44 يومًا). والمرة الثانية مع انتهاء فترة الرئيس “إميل لحود” في 23 نوفمبر 2007، وانتهى الشغور الذي دام نحو 6 أشهر في 25 مايو 2008 مع انتخاب العماد “ميشال سليمان”، نتيجة اتفاق عُقد في الدوحة. لكن المرة الثالثة تعد الفراغ الأطول في لبنان مع انتهاء ولاية “ميشال سليمان” في 25 مايو 2014 (والذي استمر لمدة عامين وخمسة أشهر) حتى 31 أكتوبر 2016 بانتخاب الرئيس “ميشال عون”، وكان ذلك في مقابل تسوية مع قوى الرابع عشر من آذار التي كانت حاصلة على أغلبية مقاعد البرلمان آنذاك، إذ نجح حزب الله في إيصال ميشال عون للرئاسة في مقابل وصول رئيس تيار المستقبل “سعد الحريري” إلى رئاسة الوزراء، وحصل حزب القوات اللبنانية على حصة وازنة في حكومة الحريري.

ينص الدستور اللبناني في المادة 49 على أن “رئيس الجمهورية ينتخب بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي، وتدوم رئاسته ست سنوات ولا تجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية ما لم يكن حائزًا على الشروط التي تؤهله للنيابة وغير المانعة لأهلية الترشيح”.

لكن تركيبة البرلمان الحالي في لبنان ساهمت في عدم امتلاك أي من القوى السياسية الأغلبية المطلقة أو الوازنة، لذلك لم تستطع أي كتلة إيصال مرشحها إلى الرئاسة دون التوافق مع باقي الكتل سواء حزب الله وحلفائه أو القوى المعارضة أو المستقلين “التغيرين”، بالإضافة إلى عدم التوافق فيما بينها على مرشح تسوية للخروج من الأزمة، إذ يضع حزب القوات اللبنانية شرطًا لاختيار مرشح الرئاسة على أن يكون سياديًا، بما يعني أنه ليس من فريق حزب الله، ويرفض حزب الله أي مرشح غير داعم للمقاومة، كما أن هناك رفضًا من قبل التيار الوطني الحر للمرشح “سليمان فرنجية” لأنه ينافس “جبران باسيل” ويواجه الرفض ذاته من قبل حزب القوات اللبنانية برئاسة سمير جعجع، إذ يعتبر الحزب أن فرنجية امتداد للتسوية السابقة في ظل علاقته القريبة بالمحور الإيراني-السوري. وترشح الأحزاب المعارضة النائب “ميشال معوض” لكن حزب الله لا يرغب في دعم ترشيحه باعتبار أنه لن يدعم المقاومة.

ويرجع فشل انتخاب الرئيس في الجلسات الماضية إلى فكرة الثلث المعطل ومقاطعة الجلسات بما يسهم في تعطيل عملية الانتخاب؛ إذ إن هناك إصرارًا من جانب القوى السياسية على استخدام فكرة الثلث المعطل بما يعرقل جلسة انتخاب الرئيس، والتي لم تفلح للمرة الحادية عشرة في انتخابه وكان آخرها في 19 يناير 2023 لعدم توافر النصاب القانوني في الجلسة الثانية، وخرج رئيس البرلمان “نبيه بري” دون تحديد موعد جلسة أخرى لانتخاب الرئيس. واقترع في الدورة الأولى من آخر جلسة حوالي 111 نائبًا من أصل 128 نائبًا بحصول ميشال معوض على 34 صوتًا بينما صوت 37 نائبًا بورقة بيضاء.

ويمكن للمرشح أن ينجح في الدورة الأولى إذا حصل على (86 صوتًا)، لكن إذا أخفقت الدورة الأولى في الخروج بفائز، يتم إجراء دورات تصويت أخرى في الجلسة نفسها بأغلبية مطلقة (65 صوتًا)، لكن اعتادت القوى في لبنان على خلق ما يسمى الثلث المعطل من خلال مقاطعة حوالي 43 نائبًا للجلسات الانتخابية مما يعرقل عملية اختيار الرئيس. ومن بين الأسماء المطروحة لرئاسة الجمهورية “سليمان فرنجية” رئيس تيار المردة، ومرشح المعارضة “ميشال معوض” الذي حظي خلال جلسات انتخاب الرئيس على مدار الأشهر الماضية بأكبر عدد من الأصوات وهو نجل رئيس الجمهورية الراحل” رينيه معوض” والمحسوب على تحالف 14 آذار، ومن الأسماء الأخرى قائد الجيش اللبناني “جوزيف عون”.

سياق محفز

طرأت خلال الأيام الماضية بعض التطورات الداخلية والإقليمية بما قد يسهم في حلحلة ملف انتخاب الرئيس في لبنان نذكرها على النحو الآتي:

• مساعٍ خارجية لحل الأزمة اللبنانية: عقدت على مدار الفترة الماضية سلسلة من اللقاءات لحلحلة الأزمة اللبنانية في إطار التنسيق السعودي–الفرنسي، والتوصية بضرورة انتخاب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ووضع برنامج إصلاحي، وعبرت السعودية عن رؤيتها باختيار رئيس قادر على الإصلاح لإخراج لبنان من أزماته وذلك خلال الاجتماع الخماسي في باريس في 6 فبراير 2023 بمشاركة كل من (الولايات المتحدة، فرنسا، السعودية، مصر، قطر). وخلال لقاء آخر عقد في 21 سبتمبر 2022 أصدر كل من باريس وواشنطن والرياض بيانًا مشتركًا دعوا فيه إلى ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية. وتتمثل الرؤية الفرنسية في قبول “سليمان فرنجية” كمرشح للرئاسة مقابل “نواف سلام” لرئاسة الوزراء، لا سيما وأنه يحظى بعلاقات جيدة عربية ودولية.

وتعد هذه اللقاءات استكمالًا لجهود أخرى بُذلت على هامش مؤتمر بغداد النسخة الثانية التي عقدت في الأردن في 20 ديسمبر 2022، حيث شهد لقاء بين رئيس الحكومة “نجيب ميقاتي” وولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” والرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” للتنسيق والتشاور بشأن الأزمة اللبنانية، كما جمع لقاء بين رئيس مجلس النواب اللبناني “نبيه بري” والأمين العام لجامعة الدول العربية “أحمد أبو الغيط” على هامش المنتدى العربي للتنمية المستدامة لعام 2023، وعبرت كلمات أبو الغيط “بأنه سيكون هناك رئيس للجمهورية اللبنانية، وهي مسألة وقت”.

كما عقد لقاء آخر بين رئيس مجلس النواب اللبناني “نبيه بري” مع السفير السعودي في لبنان “وليد بخاري” في 13 مارس 2023، وآخر بين المستشار في الديوان الملكي السعودي “نزار العلولا” ومستشار الرئيس الفرنسي لشئون الشرق الأوسط “باتريك دوريل” في 18 مارس 2023 عقب الاتفاق الإيراني-السعودي، وبعد زيارة قام بها وزير الخارجية السعودي “فيصل بن فرحان إلى باريس، ولقائه وزيرة الخارجية الفرنسية “كاترين كولونا” للتنسيق بشأن الملف اللبناني في 10 مارس 2023. علاوة على أن هناك حديثًا عن احتمالية عقد مؤتمر حوار لبناني في مصر أو العراق أو عمان بما يساهم في حلحلة الأزمة، للتوصل لاتفاق شبيه باتفاق الطائف 1989 أو اتفاق الدوحة 2008.

• حظوظ المرشحين: هناك توافق بين حزب الله وحركة أمل على دعم ترشيح “سليمان فرنجية” لرئاسة الجمهورية، وهو حفيد رئيس الجمهورية الراحل “سليمان فرنجية”، ويتمتع فرنجية بعلاقات وثيقة مع النظام السوري، كما أنه حليف لحزب الله وكان موقف الحزب في البداية متأرجحًا ما بين دعم ترشح “سليمان فرنجية” رئيس تيار المردة كمرشح عن تحالف الثامن من آذار، وما بين حليفه رئيس التيار الوطني الحر “جبران باسيل”، لكن ترشح فرنجية لم يلقَ قبولًا من كل القوى السياسية في لبنان؛ إذ تعترض الأغلبية المسيحية ومن بينها حزب القوات اللبنانية برئاسة “سمير جعجع” فهو لا يريد حليفًا لحزب الله، ويوصي بانتخاب رئيس يدافع عن مصالح لبنان ويرفض تكرار تجربة الرئيس السابق “ميشال عون” في ظل تحالفات فرنجية الإقليمية مع إيران ودمشق. لكن في ضوء تطورات المشهد الإقليمي ومحاولات استعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، قد يعزز ذلك السياق من حظوظ “سليمان فرنجية” كمرشح تسوية.

من ناحية أخرى، يحظى قائد الجيش اللبناني “جوزيف عون” بدعم خارجي من قبل باريس وواشنطن والسعودية نتيجة إنجازاته خلال قيادة المؤسسة العسكرية، وبتوافق الأطراف الداخلية ومنها حزب الله عدا جبران باسيل (إذ رفض جوزيف عون خلال فترة رئاسة ميشال عون تدخل الجيش لقمع احتجاجات أكتوبر 2019). بينما يتأرجح موقف الأحزاب المعارضة ما بين خيار “ميشال معوض”، كما أبدت انفتاحًا على خيار قائد الجيش “جوزيف عون” لكن تبقى مسألة تعديل الدستور أمام الأخير حتى يتسنى له الترشح لرئاسة الجمهورية، إذ يحظر الدستور في المادة (49): “لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العام، مدة قيامهم بوظيفتهم وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم وانقطاعهم فعليًا عن وظيفتهم أو تاريخ إحالتهم على التقاعد”.

• انعكاسات الاتفاق الإيراني-السعودي: من المرجح في حال المضي قدمًا في مسار تطبيع العلاقات بين السعودية وإيران أن ينعكس ذلك إيجابيًا على الملف اللبناني بشكل عام، وعلى ملف اختيار الرئيس بشكل خاص، وأن يتم التوصل إلى تسوية لاختيار رئيس الجمهورية برعاية خارجية في ضوء الاتفاق بينهما على الحد من التدخلات الإيرانية في شؤون الدول، كما أن حزب الله رحب بهذا الاتفاق قائلا في تعليقه: “سيفتح آفاقًا في كل المنطقة ولبنان”، بما قد يؤول إلى انفراجة في أزمة انتخاب الرئيس، خاصة أن لبنان يمثل بؤرة مشتركة للمصالح الإقليمية والدولية.

في الأخير، يمكن القول إنه هناك سياقًا محفزًا للتوصل إلى مرشح تسوية بين الأطراف الداخلية والخارجية، لكن ذلك يتوقف على التنازلات التي تقدمها هذه الأطراف بما قد يحل الأزمة أو يظل الوضع كما هو في حال إرجاء حزب الله وحلفائه تسوية الملف، ولا سيما في ضوء الأوضاع الداخلية المضطربة في إيران والضغط الخارجي عليها من خلال العقوبات، مما قد يدفعها إلى الاحتفاظ بورقة انتخاب الرئيس في لبنان لاستخدامها في التفاوض مع الأطراف الإقليمية والدولية.

*رحاب الزيادي : المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى