أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب – هدايا «بابا بايدن»

رجب أبو سرية

مع اقتراب حلول عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية، ينتظر الكثير من الأطفال هدايا بابا نويل، التي تأتيهم بالفرح، وربما كانت الصدفة هي التي جعلت من إجراء التبديل في ساكن البيت الأبيض يقع مع مطلع العام، لكن بعد ان يكون قد تبين محتوى ذلك التبديل، عقب إعلان نتيجة الانتخابات قبل انتهاء العام الذي يسبق تسلم الرئيس الجديد مقاليد الحكم، وان كان ربما من حددوا نظام الانتخابات قبل أكثر من مائتي عام، قد تعمدوا ذلك التوقيت، للبدء مع عام جديد يحل كل اربع سنوات، برئيس جديد يحمل معه سياسات او هدايا خاصة لناخبيه، بما يجعل من نظام الانتخابات الديموقراطية ما يشبه العيد الذي يحل على الناس كل عام .
التغيير الذي حدث هذه المرة عقب الانتخابات التي جرت قبل شهر، لا يمكن النظر إليه، على انه كان حدثاً عابراً، أو قليل الأثر والتأثير، ليس على مواطني الولايات المتحدة وحسب، ولكن على مجمل العالم، ومنه بالطبع الشرق الأوسط، نظراً لما تتمتع به الولايات المتحدة من مكانة دولية، لذا ما أن تأكد فوز جو بايدن بالسباق الانتخابي، حتى بدأ الكثيرون في إعادة حساباتهم وترتيب أوراقهم بما يتناسب مع حدث التغيير في السياسة الخارجية الأميركية، وحتى بدأ الحديث عن طبيعة محتوى تلك السياسة التي من المؤكد ان تختلف في كثير او قليل عن سياسة سلفه الذي سيغادر البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني القادم.
ربما كان ملفا الخليج وفلسطين من اهم ملفات الشرق الأوسط التي سيطالها التغيير في السياسة الخارجية الاميركية، فما الذي يمكن توقعه من هدايا بابا بايدن إن صح التعبير لمن عانوا من سياسات سلفه دونالد ترامب ؟ الإجابة على هذا السؤال بدأت تتضح شيئاً فشيئاً، ليس إرتباطاً بما كانت حملة المرشح بايدن تعلن عنه، بل بما بدأ يعلن عنه طاقمه الرئاسي، بمن فيه وزير خارجيته انتوني بلينكن، وبما سبق حفل التنصيب من إجراءات مهمة للغاية، على صعيدي الملفين المذكورين .
لا بد هنا من الإشارة الى بدء الدولتين الخليجيتين، في طي صفحة الانقسام والخلاف الخليجي، ونقصد بهما كلا من قطر والسعودية، وهذا يعني بأن الدولتين ستغلقان ملف الخلاف الذي اضعف الموقف العربي عموما، وعمق من الجروح داخل اكثر من ملف عربي، جعل من ملفات سورية واليمن وليبيا احمالاً أثقلت كاهل الموقف العربي، وما يعني أيضاً بأن السعودية ربما تكون على وشك تبديل تحالفها ضمن مجلس التعاون الخليجي من الإمارات لقطر، بما يعني التخفيف كثيراً من خطوة التطبيع التي أقدمت عليها الإمارات مع إسرائيل .
كذلك فإن التحرك الفلسطيني، خاصة مع كل من مصر والأردن باتجاه الإعداد لمؤتمر سلام دولي او حتى إقليمي، كان فعلا بالاتجاه الصحيح الضاغط من اجل محاصرة الهجوم الإسرائيلي/ الأميركي الذي حدث في عهد ترامب، وكل ذلك، يأتي قبل ان يبدأ التحرك الأميركي الجديد .
مؤتمران افتراضيان انعقدا خلال الأيام الأخيرة، اظهر محتواهما، بعض ملامح عالم الشرق الأوسط ما بعد ترامب، الأول كان في المنامة، حيث أرادت إسرائيل المنتشية بإعلان التطبيع قبل ثلاثة أشهر، ان تؤكد او ان تقوم بتثبيت ذلك المنجز، كما حاولت ان تضع العراقيل في طريق المتغير القادم في ملف إيران باغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة، والثاني كان مؤتمر الأغلبية الديموقراطية من اجل إسرائيل، المنظمة التابعة للحزب الديموقراطي الأميركي، حيث كان المهم فيه ما اعلنه وزير الخارجية الجديد أنتوني بلنكين، الذي ذكّر بخبرة الرئيس بايدن فيما يخص الملف الفلسطيني/ الإسرائيلي ومتابعته منذ عهد جولدا مائير، أي انه ليس غراً ولا جاهلاً بتفاصيل هذا الملف كما كان حال سلفه، الذي وقع ضحيه ألاعيب بنيامين نتنياهو، وقلة خبرته السياسية، لدرجة ان يتبع سياسة بهلوانية، في ملف حساس للغاية.
المهم ان بلنكين اعلن صراحة بأن رئيسه يؤمن بحل الدولتين، وانه سيعيد فتح القنصلية الأميركية في القدس الخاصة بالجانب الفلسطيني، بما يعني بان اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل سيقتصر على القدس الغربية، وهذا حل مناسب، بالنظر الى ان بايدن لن يكون بمقدوره التراجع عن تمرير ترامب لقرار الكونغرس القديم بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب الى القدس، كذلك رفضه أي خطوات أحادية، بما يعني طيه صفقة العصر أو حتى إعلان الضم الذي كان نتنياهو يمني النفس به فإن لم يكن في مطلع تموز الماضي، ففي يوم ما قادم.
اما مؤتمر المنامة، فقد شهد كلمة الشخصية السعودية المرموقة، الأمير تركي الفيصل، والذي وان كان لا يتمتع حاليا بمنصب رسمي، إلا انه إضافة الى كونه اميراً، ونجلَ واحدٍ من أهم ملوك السعودية، وما زال فاعلاً في الأسرة الحاكمة، وقد كان رئيس الاستخبارات وسفير بلاده في كل من واشنطن ولندن، وجاءت الكلمة قنبلة سياسية، كانت بمثابة صفعة للإسرائيليين دفعت وزير خارجية إسرائيل غابي أشكنازي للرد فوراً، وبعد ان وصف الأمير تركي الفيصل إسرائيل بالدولة الاستعمارية، وبعد ان استعرض جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، اعرب عن شكه بنجاعة التطبيع، بل واكد على ان مبادرة السلام العربية هي التي ستتمكن من مواجهة إيران.
خلاصة القول، إن الشرق الأوسط سيتعامل مع «جائحة ترامب» السياسية، كما تعامل مع جائحة كورونا، أي سيقوم باحتوائها اولا، ثم بمعاجلة آثارها تالياً، الى ان تكون كما لو لم تكن، ومعروف بان كل ما حققه نتنياهو خلال السنوات الأخيرة كان بالإعتماد على ترامب، الذي لعب به كما لو كان دمية بيده، لذا فان خروج ترامب من البيت الأبيض سيأخذ معه هداياه لنتنياهو، وهذا يعني أولا وقف المتابعة الإسرائيلية على طريق التطبيع حيث كان نتنياهو يتبجح كل يوم بوجود الكثير من الدول العربية والإسلامية على قائمة الانتظار بما في ذلك السعودية، وثانيا «فرملة» الإجراءات التنفيذية بين إسرائيل ودول التطبيع الثلاث، وهنا علينا ان نتذكر بان الاتفاقيات، كذلك فتح السفارات ليسا نهاية المطاف، فقد سبق لكل من قطر وتونس والمغرب أن افتتحت مكاتب تمثيل إسرائيلية في عواصمها بعد أعلان أوسلو، ولم تتحول تلك المكاتب لسفارات، بل ذهبت أدراج الرياح، وهكذا فان الأمور ستعود الى درجة قريبة جدا مما كان عليه الحال عام 2016، وكأن ولاية ترامب وجائحته السياسية لم تكونا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى