أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب – نتنياهو من كاذب لديماغوجي

رجب أبو سرية – 26/3/2021

كما فعل بعد لحظات من إغلاق صناديق الاقتراع في الانتخابات السابقة، فعل الشيء نفسه هذه المرة أيضاً، زعيم حزب الليكود اليميني الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حين أعلن فوراً فوزه في الانتخابات، رغم أن النتائج لم تعلن بشكل نهائي بعد، بل إنه تعهد بتشكيل حكومة يمينية مستقرة، رغم أن معسكره لم يحصل على الأغلبية، وأن قدرته على تشكيل الحكومة تبدو صعبة للغاية، وتحتاج إلى موافقة يمينا أولاً، وربما لموافقة قد تكون أحد دروب الوهم، وهي توافق اليمين مع القائمة العربية الموحدة، ثم غير ذلك انتظار وقت طويل بالرهان على بديل للعربية الموحدة، ونقصد سرقة نواب من حزب «أمل جديد»، أو غيره، وحيث إن تحالف اليمين – الحريديم مع الصهيونية الدينية و»يمينا» يحتاج إلى مقعدين إضافيين.

تبجح نتنياهو بقدرته على تشكيل الحكومة الإسرائيلية، لا يعني أنه لم يقل شيئاً صحيحاً، فهو قال إن حزبه حقق إنجازاً غير مسبوق منذ وقت طويل، وهو عدم وجود منافس، أي حزباً يقترب من عدد مقاعد الليكود كما كان الحال في السابق، إن كان مع «كاحول لافان»، أو «كاديما»، أو المعسكر الصهيوني وصولاً إلى حزب العمل فيما مضى من عقود، ذلك أن الحزب الثاني «ييش عتيد» أو «يوجد مستقبل» حصل على 18 مقعداً بعد الليكود الذي حصل على 30، وذلك رغم أن معسكر نتنياهو حصل على 52 مقابل 57 لمعارضيه، أي الذين دخلوا الانتخابات وهم يتعهدون بعدم المشاركة في حكومة برئاسته، وبين المعسكرين هناك سبعة مقاعد لـ»يمينا»، وأربعة للقائمة الإسلامية برئاسة منصور عباس.

لم يتطرق نتنياهو لكل هذا، وتبجح بتقدم حزبه على الآخرين بحيث لم يوجد منافس، أي حزب آخر أو زعيم آخر، كما كان الحال سابقاً، لكن نتنياهو المعروف منذ العام 1996 بأنه الكاذب والمنافق، ثم صار الفاسد، صار اليوم ديماغوجياً تماماً، فهو ادعى أن إسرائيل تعتبر بطلة العالم في الانتصار على «كورونا»، وأنها تعتبر نموذجاً يحتذى بهذا المجال؟!

لا يبدو أن الرجل يختلف كثيراً عن صديقه المهزوم في الانتخابات الرئاسية الأميركية دونالد ترامب، الذي كان يتبجح هكذا، رغم أن أميركا تعرضت لأسوأ النتائج الخاصة بـ»كورونا»، وهكذا إسرائيل، لا يكلف نتنياهو نفسه ولو للحظة إثبات كيف أنه يعتبر بلاده بطلة العالم في الانتصار على «كورونا»؟ وهي أي إسرائيل لم تتوصل إلى لقاح خاص بها، بل استوردت اللقاح من أميركا، كذلك فإن عدد المصابين والضحايا، رغم الإمكانيات الصحية الممتازة في إسرائيل، كانت كبيرة، وصحيح أن الفيروس انحسر، كما حدث في العديد من دول العالم، لكن إسرائيل لا تعتبر نموذجاً ولا بأي حال، كما هو حال كوريا الجنوبية مثلاً، أو عدة دول سجلت عدداً محدوداً جداً من الإصابات، وترامب كان متبجحاً أكثر من صديقه، ففيما كانت مراكز الاقتراع تعلن تقدم خصمه كان يقول إنه هو الفائز، وإلا فإن الانتخابات مزورة.

على أي حال، هناك سيناريوهان لا ثالث لهما، أحدهما أن ينجح نتنياهو في تشكيل حكومة بالأغلبية الضيقة، لكنها لن تكون مستقرة كما يدعي الرجل، فمعسكره الذي دخل معه الانتخابات وفق برنامج وتحالف واضح، يحتاج للتحالف مع آخرين، وتحديداً «يمينا» ومنصور عباس، وبذلك سيتعرض لابتزاز بينيت أولاً، ثم لانفضاض اليمين الذي لن يستوعب مشاركة العرب الإسلاميين في الحكم، حتى لو من الخارج، كما أن الحكومة يمكن أن تسقط في أي وقت، كما حدث مع «كاحول لافان»، رغم أن حكومة الطوارئ السابقة مع بيني غانتس التي تشكلت في نيسان العام الماضي، كانت تتمتع بأغلبية 73 نائباً، ثاني السيناريوهات هو الانتخابات الخامسة، وهذا يعني أن إسرائيل ما زالت تعيش كابوساً لم يشهده أي دولة في العالم من قبل، وهذا لا يبعث على الفخر والتبجح لنتنياهو، الذي سيعتبر هو المتسبب الحقيقي في جر إسرائيل لخمس انتخابات في عامين من أجل تجنب محاكمته بتهم الفساد.

في نهاية المطاف سيخرج بنيامين نتنياهو من مكتب رئيس الوزراء في شارع بلفور في القدس الغربية، لكن هل سيخرج بإرادته أم مطروداً، أم بعد سيناريو مشابه لما حدث في كابيتول واشنطن، حين دفع ترامب بالجماعات المتطرفة من أمثال «براد بويز» وشركائها في التطرف العنصري الشعوبي من جماعات وأفراد مسلحين، وفي إسرائيل وبين صفوف اليمين الذي يقوده نتنياهو الكثير من أمثال هؤلاء من «جماعة تدفيع الثمن» وغيرها من عتاة التطرف الاستيطاني، خاصة إذا ما كان بديل نتنياهو من خارج إطار اليمين، أي من الوسط واليسار أو حتى الجيش .

إسرائيل محكومة باليمين، لذا فإن التحدي المتواصل الذي يخرب على نتنياهو الفوز بصناديق الاقتراع طوال الجولات الأربع السابقة، هو من اليمين، وبالتوالي أفيغدور ليبرمان، نفتالي بينيت، جدعون ساعر، وما زال كل هؤلاء فاعلين على خشبة المسرح السياسي الإسرائيلي.

لهذا يبدو أن إسقاط نتنياهو عبر الانتخابات ما زال أمراً غير ممكن، فيما إسقاط اليمين يبدو أمراً شبه مستحيل، لا من قبل الوسط ولا جنرالات الجيش ولا اليسار بالطبع، لذا لا بد من تدخل عوامل أخرى، منها القضاء، الإعلام، النظام الإقليمي وحتى العامل الخارجي ومنه العامل الفلسطيني، أحد المتضررين جداً من استمرار بقاء اليمين المتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية في الحكم.

أما عدم قدرة اليمين رغم تفوقه على يسار متلاشٍ، على تشكيل حكومة يمينية متحالفة مع الحريديم، مستقرة، يعتبر فشلاً مرتبطاً بنتنياهو، ويسجل بحروف سود في تاريخ الرجل الذي سجل كرئيس حكومة جلس على المقعد أطول فترة ممكنة كرئيس حكومات تسيير أعمال.

ولم يبقَ في جعبة نتنياهو شيء يعد به الجمهور الإسرائيلي، كما أن عالم اليوم والغد لن يكون مجحفاً فيما يخص حقوق الشعوب، خاصة الشعب الفلسطيني، بقدر ما كان عالم الأمس حين كان نتنياهو يستند إلى رئيس يتمتع بالسطوة الدولية استناداً لتحالف سياسي شبيه بتحالف اليمين – الحريديم الإسرائيلي، وحتى من يجد فيهم ضالته للبقاء في المنصب، هم في طريقهم للغياب، لذا ولأن عصراً أنجب الكثيرين من أمثال نتنياهو قد ولى، ولهذا فإنه لا مستقبل للرجل، لا عند الغرب، ولا في الشرق الأوسط، لا على المدى البعيد، ولا حتى القريب، وهكذا فلن تنفعه بشيء ديماغوجيا الكذب والادعاء التي يواصل السير على طريقها، وقد ملت منه الجبال والجمال، وعافه الهواء وماء البحر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى