أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب – «فتح» التي لا تهزها ريح الانتخابات

بقلم رجب أبو سرية – 2/4/ 2021

مرت الأيام العشرة الأولى التي بدأت في العشرين من آذار الماضي، مع فتح باب الترشح لانتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني الثالث، دون أي صخب يذكر، لكن اليوم الأخير شهد حدثاً دراماتيكياً منح العملية الانتخابية قوة دفع واهتمام بالغ، وأضفى عليها قدراً كبيراً من الإثارة والتشويق، في انتظار أن تمضي الأمور على خير، كما هو معد أو مرتب لها، لتصل إلى يوم الثاني والعشرين من أيار القادم حتى يجري حسم الأمور في صناديق الاقتراع.

كما كنا قد قلنا في مقال سابق، فإن أهم قائمتين مرتبطتين بحركتي فتح وحماس، قد تأخر إعدادهما، وذلك في تبرير غير مقنع منهما لاختيار أحد السيناريوهات بين قائمة مشتركة، أو قوائم توافقية، في حين كان «المتطلعون» للتغيير والدخول إلى رحاب السلطة من مستقلين لا ينتظرون الوقت، بل إن الأيام الأولى لافتتاح باب التسجيل قد شهدت تسجيل العديد من القوائم، وبالمحصلة أعلنت لجنة الانتخابات المركزية تسجيل 36 قائمة، أغلبيتها الساحقة قوائم «مستقلة» حيث لم يتعد عدد القوائم الوطنية / الفصائلية الرقم من خانة واحدة، أي أقل من عشر قوائم، بما يعني بأن نحو 30 من القوائم المسجلة لن تتعدى نسبة الحسم، حيث مع إعلان السجلات النهائية للجنة الانتخابات قد تكون قيمة المقعد الواحد ما بين 20_30 ألف صوت انتخابي.

وذلك لأن الانتخابات تجري على أساس التمثيل النسبي الكامل، ولو كانت هناك دوائر محلية، لربما فازت بعض قوائم «المستقلين»، لكن نظام الانتخابات يرجح التوقع بأن تلك القوائم المحلية لن تنجح في الوصول لقبة البرلمان، في حين أن القوائم الحزبية دون قوائم فتح وحماس، قد تنجح بالفوز بمقاعد فردية، وهكذا يمكن توقع الصورة التي سيكون عليها المجلس التشريعي، لجهة أن تفوز قوائم فتح وحماس بما يتجاوز المائة من أصل 132 نائباً.

لذا إذا ما حصرنا قراءتنا في القوائم الوطنية التي ستحصد الغالبية الساحقة من مساحة المجلس، تعني أن التغيير سيكون داخل النظام السياسي، ولن يحدث انقلاب جذري أو حاسم يغير من طبيعته، وهنا لابد من ترتيب الصورة على أساس المثلث السياسي التقليدي، وهو : فتح، حماس، واليسار، وفيما يخص فتح هناك ثلاث قوائم تتنافس على الصوت الوطني، فيما تنفرد حماس بتمثيل الصوت «الإسلامي» رغم أن الكثير من القوائم «المستقلة» ستسرق بعض أصواتها، خاصة من رجال الأعمال، ومن الأصوات المحتجة على أداء السلطة المركزية، فيما أصوات غزة المحتجة على حكم حماس، تذهب لأكثر من خيار فتحاوي أولاً ولقوائم يسارية ومستقلة ليبرالية ثانياً.

هذه المرة الأمور مختلفة تماماً عما كان عليه الحال عام 2006، بسبب نظام الانتخابات أولاً، وثانياً لأن حماس التي ظهرت بصورة البديل عن سلطة فتح، وحتى عن أوسلو في ذلك العام، قد ظهرت كسلطة، وهناك احتجاج واسع خاصة في غزة على أدائها، إن كان في حكم غزة، أو تجاه المشروع الوطني وحتى إزاء ديمقراطية النظام السياسي، لذا فإنه يمكن القول بكل ثقة بأن حماس تدرك، بل هي على ثقة بأنها لن تحصل إلا على ما يقارب من نصف ما حصلت عليه في تلك الانتخابات، وهي أجبرت بعد 15 سنة من تعطيل الانتخابات على إجرائها أخيراً، ومن ثم تنتظر أن تعوض أولاً بالمشاركة في حكومة قادمة، أو بالجلوس كمعارضة برلمانية، والأهم بدخول منظمة التحرير عبر المجلس الوطني، وقبلها بالتنافس على رئاسة السلطة.

أما فتح، ورغم تقدم «الفتحاويين» بأكثر من قائمة، إلا أنه يمكن القول، بأنه لا خوف على فتح، وهي أي الحركة العملاقة في التاريخ والواقع السياسي الفلسطيني، ستحصل بمجموع قوائمها على أكثر بكثير مما حصلت عليه في عام 2006، قد يصل إلى ضعف نوابها السابقين في التشريعي الثاني، وتعدد قوائم الفتحاويين، بسبب التمثيل النسبي الكامل، لن يشتت أصوات مؤيديهم، بل بالعكس، سيزيدهم حماساً، بانخراط كل الفتحاويين في الوطن الفلسطيني، كل من أجل تعزيز قوة قائمته، وحيث أن قوائم فتح ستجتاز نسبة الحسم، فلن يكون هناك ضياع لصوت فتحاوي واحد، خارج جيبها الوطني.

أما عن موقف القائد الفتحاوي الأسير في سجون الاحتلال منذ نحو عشرين عاماً، الأخ مروان البرغوثي، فإنه يمكن القول، بأنه كان موقفاً متوازناً إلى درجة ما، فهو ربما اتخذ موقفاً تجاه صراع داخلي خفي على زعامة الحركة ما بعد الرئيس أبو مازن، لكنه لم يخرج عن حركة فتح، فهو أعلن بأنه سيترشح للرئاسة، لأن الحقيقة تقول، بأن هناك مستقبلاً للحركة لا بد من ضمانه، بعد الرئيس الجامع الحالي، وهو دون دخول في التفاصيل، لم ينجح في التوافق مع زملائه في «المركزية» على ترتيب القائمة الواحدة، وهذا أمر طبيعي وعادي، وهو لم يترأس لا قائمة اللجنة المركزية ولا قائمة الحرية التي يرأسها عضو «مركزية فتح» المفصول مؤخراً ناصر القدوة، لكن وجود زوجته فدوى البرغوثي، يعني بأنها محسوبة على القائد الأسير.

عموماً، هذا لا يعني نهاية المطاف مطلقاً، بل يعني بأن جمهور فتح سيلتف حول القائمتين، وأن ذلك يعني بأن الجمهور الفتحاوي، أو الوطني بمعظمه، أو بثلاثة أرباعه سيجد في القائمتين ما يلبي حاجته الانتخابية، وأن من يفضلون برنامج المقاومة، سيجدون ضالتهم، كذلك من يرضون عن أداء السلطة وبرنامج التفاوض سيجدون في قائمة المركزية ما يلبي خيارهم الانتخابي، والمهم بعد ذلك أن تتوافق ألوان واتجاهات فتح تحت قبة البرلمان، بل ورغم أنه يمكن القول، بأن مشاركة قائمة «الحرية» ودعم البرغوثي من بعيد لها، تخفف من مركزية فتح في السلطة وفي مركز القرار السياسي، إلا أنها تعيد للحركة حيوية تحتاجها، وتعيد لها ظاهرة التعدد وتخرج بها من حالة التنظيم لحالة الحركة السياسية، حيث يجد فيها الفلسطيني الوطني، الإسلامي والديمقراطي ملاذه، وبعد الانتخابات وترتيب التشريعي ومن ثم الحكومة، يمكن عقد مؤتمر حركي يؤكد على ظاهرة الائتلاف السياسي، بدلا عن حالة التنظيم الحزبي.

ملخص القول، هو أن وجود قائمتين رئيسيتين موجهتين لجمهور فتح والجمهور الوطني الفلسطيني، يتيح خياراً أوسع لهذا الجمهور، الذي ارتبط بالحركة كفكرة وكإطار، أكثر مما ارتبط بها كتنظيم أو حزب، ويوسع من نفوذ القاعدة الحركية، بعد أن ظهر لفترة بأن المركز يستأثر بالقرار، وبذلك تتوفر فرصة لفتح لتجديد نفسها، ومن ثم لإقناع الجمهور الوطني أكثر بجدارتها المستمرة بقيادة الشعب الفلسطيني، وعلى ذلك يمكننا أن نرجح بأن مجموع ما ستظفر به القائمتان سيزيد عما كان يمكن لقائمة واحدة_المركزية بالذات، الحصول عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى