أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب تبدد أوهام التأسيس الإسرائيلية

رجب أبو سرية – 25/5/2021

بضعة أيام كانت كفيلة بالعودة بصورة الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي سنين طويلة إلى الوراء، حتى يمكن القول، بأن كل ما اعتقد قادة الصهيونية الإسرائيلية بأنهم قد حققوه، خلال تلك العقود، وعبر كل الحروب التي خاضوها خلالها، ما هي إلا وهم، فإسرائيل نفسها _مع انحسار عهود الاستعمار_  وكمشروع استعماري خاسر، ستجد نفسها تلقائياً خارج نطاق العصر والزمن، فما هي إلا جولة من صراع حول الحوض المقدس، حتى ظهر لنا وكأن معركة باب العامود، أو الشيخ جراح، ليست سوى إعادة لصورة التقطت عام 1929، أي قبل أقل قليلاً من مئة عام، ونقصد بذلك هبة البراق.

فما أن تقترب الحرب، أو ما أن يقترب الاحتكاك من القدس، وبالتحديد من الحوض المقدس، حتى تتضح الصورة على حقيقتها، والتي تقول إن إسرائيل العنصرية، الدولة المحتلة، التي يصفها بكل سهولة ويسر بعض الإسرائيليين بأنها دولة تمييز عنصري، ويصفها قادة عالميون منهم الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان بأنها دولة إرهابية وحشية، لا يمكن أن  تعيش هكذا على هذه الطبيعة.

لن نسترسل هنا، لنعيد التذكير بأن الصهاينة من قادة إسرائيل كافحوا طوال العقود الماضية، من أجل تشتيت وتفتيت وحدة الشعب الفلسطيني، وأنهم عبر عدة حروب فرضوا عليه عدم التواصل والاتصال، بل إنهم قسموا الشعب الفلسطيني لمجموعات، حسب الموقع والمكانة وفق أرقام محددة، فقالوا فلسطينيو 48، وفلسطينيو 67، كذلك ميزوا بين فلسطينيي الداخل وفلسطينيي “المناطق” وبالطبع فلسطينيي الشتات، وحتى  أنهم حاولوا أن يشتتوا الفلسطينيين من مواطني دولتهم بالقول عرب وبدو ودروز ومسيحيون، لكن الكفاح يقوم  بفعل مضاد، ولأن فلسطين لم تستسلم يوماً، فإن المضي بالصراع قدماً يصهر الذهب حتى يزداد لمعاناً ووهجاً، وبعد حروب فلسطينية _ إسرائيلية مستمرة منذ ما بعد عام 73_ آخر حروب إسرائيل مع العرب_ حاولت إسرائيل أن تستفرد أولاً بالمقاومة في الخارج، ثم في غزة، لكن ها هي بوابات القدس تزيل الحواجز بين كل الفلسطينيين.

هبت فلسطين عن بكرة أبيها للدفاع عن القدس، وليس أمراً بلا معنى أن نشاهد صداماً في اللد لم يحدث منذ العام 1966، فيما كانت العنصرية الإسرائيلية التي كانت على شاكلة الشرطي الأميركي الذي جثا بركبته على عنق لويد جورج، تقتحم منازل الفلسطينيين العرب من مواطني “دولة إسرائيل” في اللد ويافا وأم الفحم وحيفا وبئر السبع، لتظهر إسرائيل على حقيقتها كدولة عنصرية بامتياز، فيما كان الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي يظهر على صورته الأولى، كصراع بين فلسطين وإسرائيل، بين نقيضين، أحدهما استعماري، عنصري، طائفي والآخر تحرري، مدني.

في حقيقة الأمر، فإن عقدين من الزمان، مضيا منذ عام 2000، حيث بدأت المواجهة بعد انغلاق أبواب الحل النهائي وفق أوسلو، واليمين الإسرائيلي يتطور ويتحول بإسرائيل إلى دولة رافضة للآخر، إلى دولة عنصرية تعتمد القوة العسكرية لفرض الحقائق غير الطبيعية، حقائق الوهم والقهر، ومنها أن تسمح لمجموعات التطرف للاحتفال بذكرى احتلال القدس!

لا يمكن أن يستوي الاحتلال مع منطق الحياة، وكل ظواهر الاستعمار حتى تلك التي عاشت أكثر من مئة عام، اندحرت في نهاية المطاف، وكل ما تظهر عليه إسرائيل حالياً يشي بشذوذها عن المنطقة وحتى عن العالم، وبعيداً عن حسابات السياسة التي تقول بأنها زجت بجنودها ومستوطنيها إلى المواجهة في المنطقة الحرام، للضغط على فيينا لإفشال ومنع عودة واشنطن للاتفاق مع إيران، كذلك لإجهاض قدرة يائير لابيد على تشكيل حكومة بديلة عن حكومة بنيامين نتنياهو، بعيداً عن كل هذه الحسابات، نقول، إن الحكومة الإسرائيلية تزج بالمتطرفين من المتدينين، وتقوم بتسليح المستوطنين، بما يذكر بما كانت عليه “الهاغاناه”، “أرجون” و”شتيرن” عشية حرب العام 48، لإشعال حرب داخل الضفة الغربية بين المستوطنين والفلسطينيين، حتى يتم تقسيم أرض دولة فلسطين بين الطرفين، بعد أن تم تقسيم فلسطين التاريخية بين العرب واليهود عام 1949.

بعد آخر من الصورة لا بد من لحظه، وهو أنه بعد أن قطعت إسرائيل شوطاً بعيداً على طريق طي صفحة حل الدولتين، يعود الحل على أساس التقسيم مجددا، أي يعود الصراع إلى مربعه الأول الذي كان عليه أيام الانتداب البريطاني، وكل ما ظن بن غوريون وليفي اشكول وارئيل شارون بأنهم قد حققوه، لم يعد سوى وهم.

أن تنفتح كل ملفات الصراع أو كل الجبهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين دفعة واحدة، يعني بأنه ما لم يتم التوصل إلى حل يجعل من إسرائيل دولة طبيعية، أي دولة بلا احتلال وبلا تمييز عنصري، باختصار دولة مدنية وبالمطلق ليست دولة يهودية، فإن حل الدولتين سيتحول إلى حل الدولة الواحدة، أو ينتقل من حل الدولتين على أساس 67، إلى حل الدولتين على أساس 49.

إسرائيل العاجزة بعد 73 عاماً عن تحقيق المساواة المدنية بين العرب الفلسطينيين واليهود، خاصة فيما يسمى بمدن التعايش مثل حيفا واللد ويافا، وإسرائيل العاجزة عن إنهاء الاحتلال بعد 54 سنة، من عمرها، هي دولة غير طبيعية، فلا يمكن فرض التكيف على كل المحيط حتى يتوافق مع طبيعتها، ويمكن فقط للفلسطينيين أن يطالبوا بالمساواة بين صاحب الأرض والوطن والمحتل والغاصب، بين كل المواطنين القاطنين بين النهر والبحر، لتجد إسرائيل العنصرية نفسها في مأزق يشبه ما كانت عليه دولة جنوب أفريقيا العنصرية.

مواطنو القدس ومواطنو إسرائيل في المثلث والجليل والنقب، ثم مواطنو الضفة وغزة، أقل ما يمكن أن يطالبوا به العالم، هو أن يتم التعامل معهم كبشر متساوي الحقوق في وطنهم حتى تتهاوى قوة إسرائيل العنصرية، وحتى  تنهار دولة الأوهام الغيبية، المقيمة في رؤوس بشر يعتقدون بإمكانية فرض مملكة الوهم على واقع منعزلين عنه وعن بقية العالم، أخيرا نقول إن الصورة في عواصم ومدن العالم خلال الأيام الأخيرة كانت فاضحة، تظهر بشكل جلي بأن شعوب الأرض باتت تضيق ذرعاً بإسرائيل، فان تخرج المظاهرات الكاسحة في المدن الأميركية والبريطانية على وجه التحديد، يعني بأن عصراً جديداً قد ظهر على المسرح السياسي، يندد بإسرائيل التي لن تقوى على مواجهته طويلاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى