أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب – المصالحة متحققة فمتى يتم إنهاء الانقسام؟!

رجب أبو سرية – 6/10/2020

لا يمكن النظر إلى توقيع كل من الإمارات والبحرين اتفاقيتي سلام مع إسرائيل على أنه حدث عابر، أو قليل الأهمية، فالدولتان لم تكونا في يوم من الأيام في حالة حرب مع إسرائيل، ولم تشاركا بشكل واضح أو ملحوظ في الحروب العربية السابقة معها، كذلك لم تحتل لهما أرض من قبل إسرائيل، لتضطرا الى توقيع تلك الاتفاقيات حتى تستعيدا أرضهما، بل كان الامتناع عن إقامة العلاقة مع الدولة العبرية، أولاً انسجاماً مع الموقف العربي الرسمي الجماعي، وثانياً تضامناً مع الشعب الفلسطيني، وأداة ضغط على إسرائيل لتنسحب من الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة، كما نصت المبادرة العربية، والتي هي بالأساس مقترح سعودي خليجي أقر في مؤتمر القمة العربية في بيروت العام 2002.

ما دفع الدولتين العربيتين الخليجيتين لذلك، عدة عوامل او أسباب، منها حسب ما تعتقدان مواجهة عدو مشترك هو إيران، ومنها الضغط الأميركي، كذلك حالة الانهيار العربي الرسمي، ومنها أيضا ما يمكن اعتباره من نتائج الانقسام الداخلي الفلسطيني، الذي استثمرته إسرائيل بشكل نموذجي طوال ثلاثة عشر عاما على اكمل وجه، حيث انه ليس فقط الجهد الكفاحي الداخلي قد توزع بين طرفي الانقسام، بل ان التضامن العربي بشقيه الرسمي والشعبي قد توزع بينهما، لدرجة ان بعض الدول العربية كانت منحازة لهذا الطرف وبعضها لذاك، بهذه الدرجة أو تلك.

يمكن من زاوية ما، القول بأن هذه الخسارة السياسية التي لحقت بالقضية الفلسطينية، كان الانقسام احد العوامل التي ساهمت في الوصول اليها، والانقسام البغيض ما زال يربض على صدر القضية الوطنية رغم مرور السنين ورغم كل جولات الحوار من أجل إنهائه ووضع حد له، وما زال السؤال رغم هذا المنحدر الخطير جدا، الذي وصل له الحال الفلسطيني، قائماً، وهو متى يتم وضع حد نهائي وفوري للانقسام الداخلي.

لقد دفع الهجوم العنيف للعدو متمثلاً بإعلان صفقة العصر وخطة الضم، ومن قبلهما نقل السفارة الأميركية الى القدس المحتلة، الأطراف الفلسطينية للتعاضد، في مؤتمر الأمناء العامين، لكن الخطوة وحدها ليست كافية، بل ان ما يتبعها هو المهم، ونقصد بذلك توحيد الفعل الميداني بالمواجهة والمقاومة، وهذا أمر لم يحدث حتى اللحظة، وإذا كانت الناس تقول، ان تأتي متأخراً خير من ان لا تأتي، فإننا نقول، بان تأتي متأخراً قد يعني بانك قد جئت بعد فوات الأوان !

بعد مؤتمر الأمناء العامين، كان اللقاء في إسطنبول، ومن ثم اجتمعت «مركزية فتح» وقيادة «حماس»، لتقرأ ما تم التوافق عليه من أن مدخل إنهاء الانقسام هو إجراء الانتخابات المتدرجة والمتتابعة، وها هو وفد «فتح» يذهب الى دمشق، لمتابعة تفاصيل هذا الأمر حتى يبدأ التنفيذ بإصدار المرسومالرئاسي.

اغلب الظن بان الأمور ستجري بهذا الاتجاه، ولكن إجراء الانتخابات فضلا عن انه يحتاج شهورا، فإنه بحاجة الى موافقة إسرائيل، خاصة فيما يخص إجراء الانتخابات في القدس، والتعويل هنا على الضغط الأوروبي قد لا يحقق النتيجة المرجوة، والضغط على الجانب الفلسطيني لا يقتصر على الاحتفاظ الإسرائيلي بأموال المقاصة، ولا على عدم تنفيذ تفاهمات التهدئة، والعالم كله ما زال مشغولاً بـ «كورونا» وليس هناك على الطاولة السياسية سوى صفقة ترامب، اي ليس متوقعا إطلاق عملية سياسية، توافق عليها فلسطين.

فماذا نحن فاعلون؟ هذا سؤال جدي وملح، يكشف في الحقيقة عورة القيادة الميدانية للشعب الفلسطيني، التي لا يبدو ان تشكيلها بقرار قيادي جماعي يحل المشكلة، بعد ان شاخت القيادات كلها، وترفعت عن الفعل الميداني، الذي لا يبدو انه يناسب لا الوزراء ولا الأمناء العامين او قيادات الصف الأول وحتى الثاني من الفصائل.

يمكن القول بثقة إن المصالحة الداخلية مع هذا التوافق بين الفصائل متحققة فعلاً، لكن الانقسام ما زال موجوداً وقائماً، ليس فقط بين غزة والضفة، ولكن داخل غزة وداخل الضفة، ما دامت الفصائل ليست مجتمعة بعد في جبهة متحدة لمقاومة ومواجهة الاحتلال.

الأخبار تشير الى ان وفد «فتح» في دمشق سيناقش ما قبل إجراء الانتخابات، حيث وافقت «فتح» على تشكيل هيئة لقيادة المواجهة الشعبية الميدانية، لكنها تقول إن تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات، فيما تقول فصائل اخرى إنه يجب تشكيل حكومة وحدة وطنية تشرف على إجراء الانتخابات، خاصة بعد ان تم تشكيل حكومة فتحاوية صرفة منذ عام ونصف.

الوقت يمضي، وفقط عناية الله تمنع ما هو أسوأ من ان يلحق بالقضية الفلسطينية، نقصد بذلك ما يواجهه دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو من مشاكل داخلية، تحول دون استمرارهما في الحكم، او على الأقل دون بقائهما ولكن بدرجة أقل من الفاعلية، إن كان بسبب «كورونا» او بسبب المعارضة او المشاكل القضائية.

كان دائما معروفا لدى الفلسطينيين، بانه لا يحك جلدك مثل ظفرك، او القابلة لن تكون احن عليك من الوالدة، ومهما بلغ التضامن والتعاطف العربي او الأممي معهم ، بل وحتى المعارضة داخل إسرائيل، فان كل ذلك لا يتحقق دون الفاعلية الكفاحية الفلسطينية، وهي لا تقتصر على الأداء السياسي او الدبلوماسي، بل ان الكفاح الميداني هو مربط الفرس، وحتى تنطلق تلك الفاعلية بكامل اللياقة، لا بد من تحقيق أمرين هما: الوحدة الميدانية كما حدث في الانتفاضة الأولى، وكما حدث طوال عقود الثورة المسلحة، كذلك إطلاق الطاقة الشابة، ونزع أردية البيرقراطية عن قيادة المواجهة، لذا فانه لا بد من ظهور ضغط داخلي، يفرض إنهاء الانقسام فوراً، ولا يجعله مرهوناً بـأي عامل آخر، وثانياً الدفع بقيادات شابة للميدان، حتى تكون بديلاً احتياطياً على اقل تقدير لقيادات شاخت أو انها تبقرطت، او أن أوصالها قد ارتخت بعد ان هجرت التمرين الرياضي على فعل الكفاح الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى