أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب القنصلية الأميركية تكبح جماح التطرف الإسرائيلي

رجب أبو سرية 15-7-2021م

خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينيكن للمنطقة، أكد على التعهد الانتخابي للرئيس جو بايدن، بإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، التي تقدم الخدمات القنصلية للمواطنين الفلسطينيين، ورغم أن صخبا سياسيا وإعلاميا إسرائيليا لم يتبع الإعلان، إلا أن إسرائيل بحثت الأمر في الغرف المغلقة مع واشنطن، ورغم أن إدارة بايدن قد تفهمت الظروف المحيطة بتشكيل حكومة نفتالي بينيت التي تلت حكومة بنيامين نتنياهو وبدافع حرصها على نجاحها، بتجاوز الفترة الأولى، فمنحتها وقتا، دون الخوض في مواقف أو إجراءات مختلف عليها ليس داخل المجتمع السياسي الإسرائيلي وحسب، بل وداخل الائتلاف الحاكم، كما ظهر جليا عند مناقشة الكنيست مؤخرا لقانون لم شمل العائلات الفلسطينية، إلا أن ذلك لا يعني بأن واشنطن قد نسيت تعهدها أو ما تنوي القيام به.
لمواجهة الجانب العملي، أو التنفيذي من الإعلان، بدأت كتلة برلمانية إسرائيلية، تنتمي لليكود في معظمها بمحاولة تجنيد الأغلبية البرلمانية لإصدار قانون يلزم الحكومة بمنع فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، كما ينص مشروع قانون آخر تقدم به النائب من الليكود ميكي زوهار يقضي بفرض السيادة في الضفة الغربية !
مشروع القرار الأول يتصدره النائب الليكودي نير بركات، وهذا يدل على أن هناك صراعاً قد بدأ على خلافة نتنياهو في زعامة الليكود، ومن بوابة الهجوم على الحكومة، ووضع المطبات في طريقها، حيث أن من شأن إحداث الصخب حول فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، داخل إسرائيل أن يؤثر سلباً على العلاقة بين حكومة بنييت وواشنطن، التي بعهدها الديمقراطي، هي أقرب للائتلاف الحكومي الحاكم منها لليكود وحلفائه من الحريديم واليمين المتطرف، ولا شك أن تصدع العلاقة بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية من شأنه أن يضعف الحكومة، وأن  يقترب بها من السقوط  لصالح الليكود المعارض.
واشنطن ردت بحزم على سعي المعارضة الإسرائيلية إحباط نيتها بفتح القنصلية، حيث أكد نائب مساعد وزير خارجيتها، مبعوثها لتل أبيب ورام الله السيد هادي عمرو لرئيس الحكومة الفلسطينية الدكتور محمد إشتية، في لقائهما يوم الثلاثاء الماضي افتتاح القنصلية قريباً، فيما زادت الأمر توضيحاً مصادر وصفت بأنها مطلعة في واشنطن حسب وكالات عديدة أكدت أن فتح القنصلية سيكون في أيلول القادم، أي بعد شهرين من الآن.
الائتلاف الإسرائيلي الحاكم عقب بالقول بأنه لن يتعامل مع الاقتراح الليكودي، ورد بالقول بأن نتنياهو لم يفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية طوال 12 سنة قضاها في الحكم، ومنها أربع سنوات في ظل إدارة دونالد ترامب، بما يعني بأن مقترح القانون الذي ينوي زوهار التقدم به، اضعف من المقترح الآخر، لكن ذلك يعني بأن الصخب سيحدث حول المقترح الخاص بإعادة فتح القنصلية، فيكون المقترح الخاص بفرض السيادة داعما له، من جهة، ومن جهة ثانية تراهن المعارضة على إحداث التصدع بين نواب اليمين من حزبي يمينا وأمل جديد، بما يمكنه أن يفتح الباب ليفقد الائتلاف أغلبيته البرلمانية .
واضح إذاً بأن الأمر له علاقة بالمناكفات السياسية حول الحكم، خاصة وأن واشنطن تتحدث عن إعادة فتح القنصلية التي كانت منذ توقيع اتفاقيات أوسلو، أي أنها لا تقدم على فعل جديد، رغم أن ذلك يعني «تقويض» خطوة ترامب بإعلانه الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وهذا شأن أميركي داخلي، لا يحق لإسرائيل حتى أن تعترض عليه رسمياً، ولو فعلت فإن الرد الأميركي عليه يكون سهلاً، وخاصة أنه ينسجم مع القانون الدولي، ومع الموقف الأوروبي والعالمي باعتبار القدس الشرقية أرضا محتلة، سبق لإسرائيل نفسها أن وقعت على اتفاقية تعتبرها بندا من الحل الدائم ضمن مفاوضات الحل النهائي مع الجانب الفلسطيني.
ما لا بد من قوله بهذه المناسبة، هو أن اليمين المعارض الإسرائيلي ما زال خارجا بمواقفه وسياساته على القانون الدولي، وعلى حل الدولتين، خاصة حين يتحدث أيضا عن فرض السيادة الإسرائيلية من جانب واحد على الضفة الغربية، كذلك لابد من التذكير مجددا بأن القدس التي تعرضت في السنوات الأخيرة إلى هجوم ميداني مشترك بين الجيش الإسرائيلي والمستوطنين المدعومين من اليمين المتطرف، تلا إعلان ترامب سيئ الصيت والسمعة، إنما هي مفتاح الحرب والسلام، فالمواجهة التي اندلعت عام 2000 أضعفت السلطة الفلسطينية وعادت بملف الصراع إلى ما قبل أوسلو، والمواجهة المتواصلة منذ عام 2017 لها علاقة بالهجوم الإسرائيلي المتراجع عن المتفق عليه فيما يخص القدس، لذا فإن وضع ملف القدس على الطاولة أولاً، والتراجع الإسرائيلي حتى عن السماح بإجراء الانتخابات الفلسطينية فيها كما حدث عامي 1996، و2006، يعني بأن اليمين الإسرائيلي قد عاد إلى الوراء، إلى ما قبل عام 1994 وهو في الحكم، ويحاول اليوم أن يبقي عجلة الحل عالقة وهو في المعارضة.
ويبقى ملف القدس إذاً ميدانياً وسياسياً، نقطة الصراع ليس فقط بين اليمين الإسرائيلي والكل الفلسطيني وحسب، وبل ومع أطراف إقليمية ودولية، وفي حين ترى كل الأطراف خارج طرفي الصراع ضرورة أن يبقى الحال كما هو في انتظار الاتفاق الثنائي، يصر المتطرفون على الجانب الإسرائيلي، على إخراج القدس من دائرة التفاوض، وبالتالي على إغلاق الطريق على الحل السياسي، وهذا موقف أقل ما يقال فيه بأنه إعلان حرب، فهو فعلا ومن خلال التجربة، منذ عام 2000 وحتى أيار الماضي، لم يقطع الطريق على التوصل للحل السياسي الوسط التاريخي وحسب، بل جدد أكثر من مرة دورة العنف والمواجهة الدامية.
مجمل القول، بأن التطرف في إسرائيل الذي واصل اعتراض طريق الحل السلمي منذ عام 1996، هو العقبة الرئيسية في طريق ذلك الحل، لذا لا بد من مواجهته من الجميع، جميع الأطراف الإقليمية والدولية، فهو لا يقل خطورة عن كل المتطرفين في المنطقة، وهو ينتج مستوطنين مسلحين يتحولون إلى جماعات إرهابية تمارس القتل والإرهاب بحق المواطنين الفلسطينيين وأملاكهم في طول وعرض الضفة الغربية، وإن لم يتم وضع الحد لهم اليوم، فإن العالم بأسره سيضطر لفعل الكثير من أجل إخراجهم من موقع فرض الاحتلال، حتى يعم السلام الذي طال انتظاره والاستقرار الذي تتطلع له شعوب ودول الشرق الأوسط بأسره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى