أقلام وأراء

رجب أبو سرية: قمة طهران: قطب دولي مناهض لأميركا

رجب أبو سرية 2022-07-22

ما كاد الرئيس الأميركي يغادر الشرق الأوسط، بعد زيارته الأولى للمنطقة، عائدا إلى بلاده، حتى كان الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب الطيب أردوغان، يعقدان قمة مع نظيرهما الإيراني إبراهيم رئيسي في العاصمة الإيرانية، بما يوحي بأن قمة طهران بين القادة الثلاثة، إنما جاءت للرد على زيارة الرئيس بايدن لكل من إسرائيل والسعودية، في سعيه من أجل دمج إسرائيل في الشرق الأوسط، وإقامة «ناتو شرق أوسطي» موجه ضد إيران، وكذلك من أجل دفع إسرائيل للتدخل إلى جانب الغرب في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وفي محاولة أيضا لتوفير الظروف لإنجاح عقوباته التي فرضها على روسيا، وذلك من خلال توفير البديل عن الغاز الروسي، وضخ النفط السعودي في الأسواق العالمية. 

وبالنظر إلى أن ما نتج عن زيارة جو بايدن لإسرائيل، كان عبارة عن ورق، يعرف الإسرائيليون قبل غيرهم أنه لا يشبعهم ولا يغنيهم عن جوع، وأن كل المؤشرات تقول إن أميركا تغادر المنطقة، بل تنسحب من العديد من مناطق العالم التي كانت قد توغلت فيها بحجة الدفاع عن مصالحها، وكانت في حقيقة الأمر تقيم استعمارا جديدا، أساسه القواعد العسكرية، وإقامة الأنظمة العميلة، وأن على إسرائيل أن تعتمد على نفسها، وحتى يطمئنها طار الرئيس الأميركي من إسرائيل إلى جدة بالسعودية، مبشرا الدولة العبرية بتطبيع مع السعودية، وبدمجها مع دول المنطقة، حتى تطمئن «الدولة اللقيطة» على أن هناك رحما جديدا سوف يحتضنها بعد أن يلفظها الرحم الأميركي. 

لذا فإن نجاح زيارة بايدن لإسرائيل، بإقناعها بأن تكف عن مناكفته والتخريب على سياسته الخارجية سواء تلك المتعلقة بالملف الإيراني أو حتى الأوكراني، كانت متوقفة على نتيجة زيارته لجدة، وحيث إنه وجد ما لم يسر خاطره في قمة الأمن والتنمية التي جمعت دول مجلس التعاون الست، إضافة إلى كل من العراق ومصر والأردن، فإنه يمكن القول إن زيارة بايدن كانت بلا جدوى، فهي لم تحدث اختراقا جديا أو مهما على طريق التطبيع بين إسرائيل والسعودية، وبالتالي لم تفتح الطريق واسعا أو حتى واضحا لإقامة الحلف العسكري أو الأمني، وصولا إلى إقامة كيان إقليمي يحتضن إسرائيل.

هذه النتيجة وفرت كثيراً على قمة طهران، فلو أن القمة بين قادة روسيا وتركيا وإيران عقدت في ظل إعلان تحالف عربي – إسرائيلي – أميركي، لكان ذلك قد مثل ضغطا على قمة طهران، حيث إن إيران كانت ستعتبر ذلك التحالف بمثابة إعلان حرب عليها، وبالتالي ستبحث بدورها عن حلفاء ترد معهم على «الناتو الشرق أوسطي»، لكن وحيث إن الأمور ذهبت بهذا الاتجاه، فإن قمة طهران تابعت أعمالها بهدوء، حيث بحث القادة الثلاثة، رغم ما بينهم من خلافات واختلافات في أكثر من ملف، جدول أعمالهم بروية، وظهروا أمام الإعلام هادئين، ولم يرفعوا من عقيرتهم، لكنهم بالطبع تجرؤوا على الولايات المتحدة، كل من موقعه، حتى وصل بهم الأمر للتبشير بنظام عالمي يتجاوز النظام أحادي القطب الذي تربعت أميركا على عرشه، منذ انهيار جدار برلين وانتهاء الحرب الباردة مطلع تسعينيات القرن العشرين الماضي.  

والسؤال الجوهري هنا يدور حول ما الذي جمع كلا من إيران وروسيا وتركيا للاجتماع في طهران، والظهور بمظهر الدول المتحالفة، أو القطب الإقليمي/الدولي، والسؤال في حقيقته وبالاقتراب أكثر من كنهه وجوهره، هو لماذا انضمت تركيا للثنائي الروسي/الإيراني؟ فإذا كان من الطبيعي أن تسارع روسيا وإيران للتحالف معا، نظرا إلى كونهما ملاحقتين بالعقوبات الاقتصادية، وتواجهان حالة حادة من العداء الأميركي ضدهما، وبالتالي من الطبيعي أن تفكرا بالتحالف معا، لتواجها عدوهما المشترك، فإن الأمر مع تركيا العضو غير الأوروبي بحلف الناتو، مختلف، وبالتأكيد مشاركة تركيا لروسيا وإيران تتجاوز علاقة الصداقة الخاصة التي تربط بين الرئيسين بوتين وأردوغان، ولعل الإجابة عن هذا السؤال تبدو جلية وواضحة فيما أعلن عنه من نتائج للقمة، طالبت أميركا بالانسحاب من سورية، والتأكيد على مسار «آستانة»، فيما يخص الملف السوري، الذي نوقش بالطبع مقابل مشاركة تركيا في القمة، وهذا يعني أن تركيا ما زالت تحلم بالوصول إلى منابع النفط شمال سورية، من خلال ملاحقة الأكراد المحميين بالوجود العسكري الأميركي، والذين تصفهم بالجماعات الإرهابية، ومحاولة إعادة مليون سوري موالٍ لها، ممن لجؤوا إليها خلال السنوات الأخيرة في تلك المنطقة.  

قبل مناقشة أو استعراض نتائج قمة طهران، يمكن القول إن مجرد عقد القمة، كان رسالة واضحة وقوية، لكل من أميركا وإسرائيل، جوهرها أن ترتيب العالم والشرق الأوسط، ليس رهن إشارتهما، ولا نتيجة لما يدور بينهما من حوارات أو تفاهمات أو اتفاقيات، ولن يطول الوقت، حتى ينتقل حديث إيران وحلفائها، ومنهم روسيا بالطبع، من الكلام عن حق إيران بالطاقة النووية السلمية، إلى حقها بامتلاك القوة النووية، لردع القوة النووية الإسرائيلية، وحين تمتلك تلك القوة، يمكنها المساومة بوقف سباق التسلح مع إسرائيل، أي مقايضة ما لديها من قوة نووية بما لدى إسرائيل من قوة مماثلة.

ثم يمكن القول، إن التنسيق والتعاون في كل المجالات بين الدول الثلاث، وخاصة بين إيران وروسيا، لن يتوقف عند حدود تصدير الطائرات الإيرانية المسيرة لروسيا، ولا عند حدود التبادل التجاري، فروسيا لن تقف مكتوفة الأيدي لو شنت إسرائيل وأميركا حربا على إيران، كما أن إيران لن تقف كمحايد تجاه العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا، وذلك بدافع الإبقاء على احتمال التوصل لاتفاق مع أميركا بالعودة لاتفاق 2015 قائما، بل إن إيران بعد قمة طهران، صارت في موقع تفاوضي أقوى، في الدوحة أو فيينا.  

وربما كان أهم ما نتج عن مجرد عقد قمة طهران، هو ما لم ينتج عنها بشكل مباشر، أي أنها قد دقت ناقوس التحدي لأميركا، بما يمكن أن يشجع دولا أخرى على الانخراط في التحالف الثلاثي، بل إن عقدها قد أغلق الباب إلى حد ما أمام هرولة الدول العربية نحو «الناتو الإسرائيلي»، كما أنه قد عزز من الموقف الصيني المناهض لأميركا أيضا، وما سينتج من تداعيات لاحقا، حيث إن الحرب السياسية/الاقتصادية لم تتوقف بعد، وبما قد يذهب بأحلام الإسرائيليين إلى الهباء، هذا لو أن الإمارات مثلا قد عادت لتبادل السفراء مع إيران، ولو أن الأمور أكثر من ذلك ذهبت باتجاه عقد لقاء عربي/إيراني لحل ملف اليمن ولبنان، وإعادة سورية للجامعة العربية، فيما إسرائيل تواجه خروج أميركا من المنطقة بواقعية أكثر، بتبدد وهم المراهنة على التطبيع مع العرب، ومواجهة مشاكلها الداخلية، التي تزداد تعقيداً بالكفاح الفلسطيني الدؤوب من أجل دحر احتلالها لأرض دولة فلسطين، فيما أوروبا تقترب من شتاء قارس، لن يطول الوقت حتى تنفض يدها من عقوبات أميركا على روسيا، لإنقاذ اقتصادها الذي يمكن أن ينهار بسبب تلك العقوبات، فيما أميركا تنكفئ داخل حدودها وراء المحيط الأطلسي. 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى