أقلام وأراء

رجب أبو سرية: خطة ترامب على محك المرحلة التالية

رجب أبو سرية 28-11-2025: خطة ترامب على محك المرحلة التالية

مر عام كامل على اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، ذلك الاتفاق الذي اعتبره رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، إنجازاً حققه بعد ان «أثخنت» القوتان الاستخباراتية والجوية الإسرائيلية والأميركية حزب المقاومة اللبناني بالاغتيالات، وبعد فصل من الحرب البرية، التي أبلى فيها الحزب بالرغم من سقوط قيادته العسكرية والسياسية الأولى، قبل الحرب البرية، بلاء حسناً، أجبر إسرائيل خلالها على الزج بأميركا بعد شهرين من الحرب البرية دون جدوى، الى اتفاق وقف إطلاق النار، الذي أكد في حقيقة الأمر على القرار الأممي رقم 1701 الذي تلا حرب العام 2006 بين الطرفين، ورغم ذلك قدم نتنياهو لحلفائه المتطرفين في الحكومة الاتفاق على انه إنجاز من حيث انه وضع حداً لما وصف بوحدة الساحات، اي انه وضع حداً لشعار المقاومة الإقليمية التي واجهت إسرائيل في حرب على عدة جبهات، أجبرت بها إسرائيل على حرب طويلة الأمد، لم تحقق فيها النصر الخاطف المعتاد، تلك الحرب لم تلحق بإسرائيل الهزيمة، لكنها ألحقت بها أضراراً على العديد من المستويات والأبعاد.

المهم في الأمر، أن اتفاق وقف إطلاق النار بين الطرفين، نص على انتشار الجيش اللبناني على الحدود، وبالتحديد جنوبي نهر الليطاني، وأبعد ما قاله الاتفاق هو عدم ظهور سلاح حزب الله جنوبي الليطاني، بحيث تكون مهمة تنفيذ الاتفاق، مهمة الدولة اللبنانية ممثلة بجيشها، وبما يضمن وقف إطلاق النار من الطرفين بالطبع، وبما يسمح بعودة المهجرين على الجانبين لبلداتهم ومدنهم وقراهم، ومباشرة فتح التوصل لذلك الاتفاق الطريق اللبناني الداخلي لتسوية استحقاقات الحكم، حيث تم انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية بعد سنوات من التعطيل، ثم التوافق على التشكيل الحكومي برئاسة نواف سلام، وهذا اعتبر بمثابة دليل على تراجع نفوذ حزب الله في لبنان، وذلك بعد تعطيل ايضا في تشكيل الحكومة، استمر فترة طويلة، من خلال حكومة تسيير الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، ومنذ ذلك الوقت، لم يطلق حزب الله رصاصة واحدة على الجانب الإسرائيلي، فيما لم تتوقف إسرائيل عن التوغل في الارض اللبنانية، ولا عن الاغتيالات، ولا عن ممارسة كل أشكال الخروقات للاتفاق، بما في ذلك الاحتفاظ بما احتلته من ارض لبنانية خلال المواجهة التي استمرت منذ تشرين الأول 2023 وحتى تشرين الثاني 2024، وأخيراً باستهداف بيروت عبر اغتيال علي طباطبائي.

والغريب في الأمر، هو ان إسرائيل ومعها أميركا باتتا تطالبان بنزع سلاح حزب الله بالكامل، بعد ان كانتا، بل وبعد ان وقعتا اتفاق وقف إطلاق النار، الذي ينص على ان تنكفئ ظاهرة حزب الله العسكرية شمال نهر الليطاني، بما يؤكد تماماً ما نشأت عليه إسرائيل منذ ثمانين عاماً، من عدم احترام لا لاتفاقيات السلام، ولا لاتفاقيات وقف إطلاق النار، ولا لاتفاقيات الهدنة، بينها وبين جيرانها من الدول والمنظمات العربية، والأدلة لا تعد ولا تحصى، ويكفي ان نذكر فقط بما ارتكبته من جرائم حرب بعد اتفاقيات الهدنة، مع الأردن عبر مجزرة كفر قاسم، أو مذبحة بحر البقر في مصر، وأكثر الأدلة سفوراً بالطبع، عدم التزامها، بل وعدم احترامها للاتفاق التاريخي، الذي يعتبر بمقياس السلام في الشرق الأوسط هو الأهم، نفصد اتفاق أوسلو المبرم عام 1993 في حديقة البيت الأبيض الأميركي، ومن الواضح بان الهدف الأساسي او الرئيسي الذي تسعى إليه إسرائيل من توقيع الاتفاقيات السياسية أو الأمنية، هو تحقيق هدف مباشر، ومن ثم تجاوز الاتفاق لتحقيق هدف أبعد.

ولسنا مضطرين لإثبات ما نقوله عبر تفنيد الأدلة العديدة على ذلك، لكن يكفي ان نورد بعض الأمثلة، فمثلا إسرائيل ذهبت لاتفاق اوسلو، لتحقيق هدف التخلص من الانتفاضة التي نغصت عليها حياتها، وكذلك بهدف اغلاق مسار مدريد الذي قادته أميركا، لتتحكم هي بالمسار التفاوضي المتعلق بشأنها الخاص، وما ان حققت هذا الأمر، حتى أوقفت مسار أوسلو، بغض النظر عن الطريقة التي استندت الى «تداول الحكم»، وهي تنظر بالمناسبة لأهم اتفاقيتين من وجهة نظرها عقدتهما حتى الآن، نقصد اتفاقية كامب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن، من نفس الزاوية، اي إخراج أهم دولتين مجاورتين من دائرة الصراع المباشر معها، للانفراد بالطرف الفلسطيني، وهي تدرك وغيرها أيضاً بات يدرك، بأنها في اللحظة التي تتخلص فيها من مقاومة الشعب الفلسطيني، لن تمتنع عن التطاول على الأرض المصرية والأردنية، في وقت يكون بمقدورها ان تفعل هذا، وعلى اي حال قادة أحزابها ووزراء حكومتها يعلنون هذا باستمرار، ولعل آخر أدلة عدم التزام إسرائيل، هو ما فعلته أولاً تجاه صفقة التبادل مع حماس في كانون الثاني الماضي، ثم ما سمي بخطة ترامب الشهر الماضي.

ونحن نطرح هذا المثال، لأنه مرتبط بالدرجة الأولى بإدارة الرئيس دونالد ترامب، حيث جرى التوصل لصفقة كانون الثاني 2025، بضغط منه بعد ان فاز بانتخابات الرئاسة العام الماضي، وبمشاركة مبعوثه ستيف ويتكوف، ورغم ذلك توقفت إسرائيل بعد تنفيذ البند الأول من تلك الصفقة، ورفضت الانتقال لما بعد تبادل المحتجزين بالأسرى الذين نصت عليهم الصفقة، ولم يفعل ترامب الذي دخل البيت الأبيض وهو يرغي ويزبد شيئاً، اما بعد توقيع ما سمي بخطة ترامب لوقف الحرب، ذات البنود العشرين، فإن الأمر مختلف تماماً، لأن توقف إسرائيل عن متابعة تنفيذ الخطة، يعني بأن ترامب ليس رجل سلام كما يحلو له القول والادعاء، رغم ان هناك ادلة عديدة تنفي عنه هذه الصفة، كان اولها مشاركته في قصف ايران في حزيران الماضي، والآن حشده لجيوشه على سواحل فنزويلا، مهدداً بشن الحرب على الدولة اللاتينية بسبب شقها عصا الطاعة الأميركية، لكن ترامب يسعى لوقف الحروب التي تستنزف المال الأميركي، لأنه في حالة حرب تجارية_اقتصادية مع الصين، واستنزاف الاقتصاد الأميركي في حروب الشرق الأوسط وروسيا_أوكرانيا، ثم احتمال التورط في حروب عدة مع دول أميركا الجنوبية، فنزويلا، كولومبيا، المكسيك، وغيرها، يعني بأن أميركا خاسرة الحرب الاقتصادية مع الصين لا محالة.

والشرق الأوسط هو المفتاح السحري بالنسبة لترامب وأميركا، اللذين يحاولان تجنب الحروب المحتملة او إطفاء نيران الحروب المشتعلة، لمنع تسرب المال من جيوبهما، وهذا يعني بأنه يمكنهما شن الحرب الخاطفة، التي تحقق النتيجة، كما فعل مع ايران، او وفق منطق سلام القوة، كما يقول ترامب بكل صراحة ووضوح، والمفتاح السحري في الشرق الأوسط هو الاستثمارات الخليجية، التي يمكنها ان تضخ في عروق الاقتصاد الأميركي الكسول، لمساعدته على الوقوف في وجه النمو الاقتصادي الصيني، حيث إن الصين تتجنب الحرب بذكاء حتى لا تستنزف اقتصادياً، وهي لديها مشكلة تايوان، وبإمكانها ان تشن الحرب عليها لضمها في أية لحظة، لكنها لا تفعل ذلك، في انتظار اللحظة المناسبة التي ينطوي عليها المستقبل الذي يفرد لها جناحيه كدولة ان لم تكن الأعظم، فالعظمى، والتي ان لم تكن زعيمة العالم منفردة فستكون زعيمة له بالشراكة مع آخرين.

وفيما يخص تنفيذ خطة ترامب، وبعد مرور نحو شهرين، وبعد الانتهاء من تنفيذ المرحلة الأولى من الخطة، الخاص بالإفراج عن المحتجزين مقابل الأسرى، حيث لم يبق سوى جثتين فقط، رغم العراقيل التي وضعتها إسرائيل لإعاقة قدرة حماس على انتشال الجثث بعد أن اطلقت الأحياء فوراً، واصلت إسرائيل خرق الاتفاق من خلال ممارسة القتل والتدمير بشكل يومي، بل وتوسيع حدود اعادة احتلالها لنصف ارض القطاع، بينما الانتقال للمرحلة التالية، يواجه عثرات لها علاقة بتشبث إسرائيل ليس فقط بقراءة خاصة لاتفاقية ترامب، ولكن أيضا باشتراطات لا حصر لها، وهي تقف عقبة أمام تشكيل قوة حفظ السلام، باشتراطها ان تكون هي من يحدد الدول المشاركة، هذا فضلاً عن عدم التزامها حتى بما جاء في المرحلة الأولى من الخطة، بعدم وقفها لإطلاق النار وقتل مئات المواطنين، وتدمير مئات المنازل، وعدم إدخال شاحنات الإغاثة وعدم فتح معبر رفح.

ورغم أن ترامب دفع مجلس الأمن لتغطية ما يخص المرحلة الثانية من خطته إلا أن إسرائيل بسعيها الى ان يقتصر تنفيذ الخطة على الطرفين الأميركي والإسرائيلي فقط، تجعل من متابعة تنفيذ الخطة أمراً مستحيلاً، وهي تقوم الآن بتسخين حالة الحرب في الضفة الفلسطينية، والتحضير للحرب على لبنان، وكل هذا يعني تماما، وقف تنفيذ خطة ترامب عند حدود ما تم تنفيذه في مرحلتها الأولى، وبما يعني بأن كل ما أطلقه ترامب من شعارات بات على المحك، وانه اي ترامب إن لم يستطع إجبار نتنياهو على السير في طريق وقف الحرب، فسيكون هو قد ساعده على متابعتها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى