رجب أبو سرية: خطة ترامب بين تدويل الاحتلال وإنهائه!
رجب أبو سرية 16-12-2025: خطة ترامب بين تدويل الاحتلال وإنهائه!
ينوي الرئيس الأميركي دونالد ترامب إجراء لقاء مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، آخر الشهر الجاري، وذلك للاتفاق على الذهاب قدماً في خطته الخاصة بإنهاء الحرب على قطاع غزة، وتحقيق ما يسميه الأميركيون «الاستقرار» في الشرق الأوسط، ويتمثل ذلك بالانتقال في خطة ترامب التي بدأ تنفيذها بوقف إطلاق النار، منذ أكثر من شهرين، وذلك لأن ذلك الانتقال لم يكن كما توقع معظم المراقبين والمتابعين صعباً وحسب، بل ما زال يراوح مكانه، بما يهدد الخطة بالتوقف، وبالتالي المشروع الأميركي كله في الشرق الأوسط بعدم التحقق، بل ربما يتحول الهدف لما هو نقيضه تماماً، وذلك يعود في أحد أسبابه إلى عدم تطابق الموقفين الأميركي والإسرائيلي بالكامل، فيما يخص تفاصيل تنفيذ تلك الخطة، وبما يختلف تماماً عما كان عليه الحال إبان شن الحرب خلال العامين الماضيين.
والقول بعدم توافق الموقفين لا يعني بأي حال من الأحوال، أنهما متناقضان، أو متضادان، ولكن يعود ذلك بتقديرنا لأكثر من سبب، منها ما له علاقة بمرجعية اتخاذ القرار على كلا الجانبين، فالجانب الأميركي مع ترامب، بات براغماتياً إلى حد بعيد، كما أنه يتخذ قراراته وفق حسابات دولية وإقليمية عديدة، بينما اتخاذ القرار الإسرائيلي بات أيديولوجيا كثيراً، خاصة في ظل تحالف اليمين مع اليمين المتطرف، كما أن حساباته الأهم هي حسابات داخلية، لذلك فإن ترامب اضطر حتى الآن إلى إجراء سلسلة لقاءات مع نتنياهو خلال عامه الأول في البيت الأبيض، كما لم يفعل مع أي مسؤول أجنبي، وإذا ما أضفنا إلى لقاءات الرجلين الشخصية المباشرة، اتصالاتهما الهاتفية، كذلك إرسال الموفدين الأميركيين لتبين لنا، بأن التنسيق السياسي بينهما بات أصعب من التنسيق الميداني، وأن ذلك يحدث رغم التقارب السياسي بينهما، لكونهما يمثلان اليمين المحافظ في الدولتين، بمعنى أن الأمر ربما كان سيكون أصعب، لو أن الديموقراطيين كانوا في البيت البيض، أو لو كانت الحكومة الإسرائيلية يسارية مثلاً.
على أي حال، فإن الخلاف رغم هذا لا يبدو عميقاً بينهما، فهما يشتركان في تحديد الهدف، وهو تحقيق «الاستقرار»، ذلك أن تل أبيب ترى في تحقيق الهدوء والأمن خاصة في الأرض الفلسطينية المحتلة، فرصتها لمواصلة عملية الأسرلة والتهويد، وبالتالي الضم، دون ضجيج ودون معارضة، ودون أن تتعرض إلى أي إجراءات عقابية أوروبية، أو ما إلى ذلك، فيما ترى واشنطن في «استقرار» الشرق الأوسط، بعد أن تأكدت أن غزة هي من أشعلته، فرصتها لمواصلة برنامج الاستثمار الاقتصادي، بما يوفر لها القدرة على منافسة النمو الاقتصادي الصيني، وقد باتت ترى في «إعمار غزة» بالتحديد أحد بنود ذلك البرنامج الاستثماري، حتى يمكنها أن تواصل العمل على تنفيذ طريق التجارة العالمي من الهند وصولاً للموانئ الإسرائيلية على شرق المتوسط، وقد باتت بوابة كل هذا أو عقدته الفاصلة هي ما تسمى المرحلة التالية من خطة ترامب.
والمرحلة الثانية كما هو معروف، بعد تنفيذ المرحلة الأولى، بعد نزع الحجة الإسرائيلية، الخاصة بتسليم جثث القتلى، تتمثل في انسحاب الجيش الإسرائيلي تدريجياً من المنطقة الصفراء، كذلك البدء بالإعمار، بعد أن يكون إدخال المساعدات واستلام الأمم المتحدة لها قد تم بشكل كامل، كما تتضمن المرحلة الثانية تشكيل إدارة محلية مدنية للقطاع، مع البدء بنزع سلاح الفصائل المسلحة، لضمان عدم تكرار المواجهة العسكرية بين إسرائيل وقطاع غزة مجدداً.
في هذه التفاصيل هناك فجوة بين الموقفين الأميركي والإسرائيلي، حيث إن إسرائيل ليست معنية بوقف الحرب، كما هو حال الأميركيين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، إسرائيل تفضل التوقف وعدم الانتقال للمرحلة الثانية، حتى تبقى محتلة لنصف قطاع غزة، الخالي من السكان، لذلك فإنها تضع شروطاً تعجيزية، خاصة فيما يتعلق بطبيعة قوات الاستقرار ودورها ووظيفتها، أو مهمتها، كذلك فيما يخص مجلس الإدارة التنفيذي، وهي لم تكتفِ برفض تسليم غزة للسلطة الفلسطينية وحسب، بل اشترطت أن لا يكون هناك أي دور لقطر في الإعمار، وأن لا يشارك الجنود الأتراك في قوة الاستقرار.
والحقيقة أن أميركا لديها موقف مختلف عن إسرائيل فيما يخص الدورين القطري والتركي، في الإعمار وفي قوة الاستقرار على التوالي، ذلك أن أميركا تعتبر قطر، كما هو حال السعودية أحد حلفائها الإقليميين المهمين جداً في الشرق الأوسط، وترامب نفسه قال، إن لأميركا حلفاء مهمين جداً في الشرق الأوسط، وإنه ليست إسرائيل فقط حليفته في المنطقة، وقطر بدورها رفضت التوقيع على «شيك أبيض» فيما يخص الإعمار، بل دفعت الموقف الأميركي لقبول فكرة أن تشارك إسرائيل نفسها، في تلك المهمة، لذلك يبدو أنه قد تم الاتفاق فعلاً على أن تقوم إسرائيل بإزالة الأنقاض التي تسببت بها، والتي تتجاوز تكلفتها المليار دولار، وهي عبارة عن أكثر من 68 مليون طن، أما تركيا فهي في الوقت الذي تبدي فيه استعدادها لإرسال جنودها للمشاركة في قوة الاستقرار الدولية، تقول إن مهمة هذه القوة هي الحفاظ على وقف إطلاق النار، ويبدو أن إسرائيل فاشلة حتى اللحظة في «فرض» رغبتها بإخراج قطر وتركيا من مشهد «اليوم التالي» للحرب.
الأميركيون متفقون على ما يبدو مع الإسرائيليين على الهدف، الخاص بأن يكون مجلس السلام دولياً وبرئاسة ترامب نفسه، فيما يكون مجلس الإدارة التنفيذي محلياً، وليسوا معنيين بأن يكون هذا مؤقتاً تماماً، أي يفضى إلى تسليم غزة للسلطة الفلسطينية بعد عامين، كما أنهم متفقون مع إسرائيل على أن تقوم قوة الاستقرار بنزع سلاح غزة، وهنا يبدو «مربط الفرس» الفارق جداً بين الأميركيين والإسرائيليين من جهة، ورعاة خطة ترامب، بالتحديد الدول العربية الإسلامية الثماني، خاصة منها كل من قطر، مصر وتركيا، أي الدول الثلاث التي رعت الاتفاق مع أميركا.
فالطرف العربي الإسلامي، يهدف أولاً إلى تثبيت وقف إطلاق النار، ثم الانتقال فعلياً للمرحلة الثانية، بما يؤكد دخول المساعدات تماماً، وبدء الإعمار، وتنفيذ كل ما جاء في الخطة حرفياً، كما أن مصر خاصة، ترى أنه مقابل تسليم مجلس السلام لأميركا، فإن واشنطن يجب أن تمنحها مهمة تشكيل مجلس إدارة غزة التنفيذي، والذي يجب أن يكون كما جاء في الخطة، فلسطينياً محلياً على علاقة بالسلطة، والأهم مؤقتاً لمدة عامين، كما أنه يجب على تلك الإدارة أن تعتمد على شرطة فلسطينية، قامت مصر فعلاً بإعدادها مع السلطة، حتى باتت جاهزة لتولي مهامها فور أن يسمح لها بذلك.
يبقى الأهم – بتقديرنا – هو المهمة المنوطة بقوة الاستقرار والتي هي ليست قوة دولية، أي ليست تابعة للأمم المتحدة، كما هو حال «اليونيفيل» في لبنان، أي الفصل بين القوات ومراقبة الحدود كما معروف دولياً، لذلك هناك فجوة تدخل منها الاختلافات بين الفرقاء، وإذا كانت إسرائيل تصر على أن مهمة هذه القوة هي الاصطدام مع حماس والفصائل المسلحة في غزة، كما تحاول أن تفعل مع الحكومة اللبنانية وجيشها في لبنان، أي أن تؤدي قوة الاستقرار الدولية المهمة الاحتلالية بالنيابة عن إسرائيل، ولخص نتنياهو وإيال زامير ذلك بالقول، إنه إذا لم تقم قوة الاستقرار بهذه المهمة سيقوم بها الجيش الإسرائيلي، وهذا يعني التهديد بالعودة للحرب، ولو حدث ذلك لكان يمكن القول إن مهمة احتلال غزة صارت ذات طابع دولي، وبين أن تكون مهمة قوة الاستقرار هي إنهاء الاحتلال، بإخراج إسرائيل من المنطقة الصفراء، إضافة لمنعها من العودة للحرب، بمراقبة صارمة لخروقاتها لوقف إطلاق النار.
هذا هو الصراع الحقيقي، أما «الخلاف» الأميركي الإسرائيلي فيعود إلى أن أحداً من دول العالم، لم يتشجع للمشاركة في قوة الاستقرار للقيام بمهمة الاحتلال الإسرائيلية، أو على الأقل في ظل الرؤية الضبابية، لذلك ولأن تركيا بالتحديد تمثل ثاني قوة عسكرية في الناتو، وتبدي استعدادها للمشاركة في قوة الاستقرار في غزة، بما يدفع الأميركيين للموافقة على تلك المشاركة، أي بما يتضمن النزول عند ما يقول به الأتراك من أن مهمتهم هي الفصل بين المتحاربين، هكذا تمضي الأمور في ظل عملية شد ورخي، يدل على أن الصراع الإقليمي الذي ما زال قائماً بين إسرائيل من جهة وبين معظم دول الشرق الأوسط من جهة أخرى، ولن ينتهي إلا بزوال الاحتلال الإسرائيلي، ليس من غزة فقط، بل من كل فلسطين، وهذا يبدأ بتثبيت مهمة الفصل بين القوات، وبتحول أميركا نفسها لجهة تدير الصراع الإقليمي بما يحافظ على مصالحها المتحققة بالتوافق مع مصالح جميع دول الشرق الأوسط، وليس مع إسرائيل وحسب.
مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook



