أقلام وأراء

رجب أبو سرية: بقاء إسرائيل يعتمد على قيام فلسطين

رجب أبو سرية 21-11-2025: بقاء إسرائيل يعتمد على قيام فلسطين

قد يبدو هذا العنوان غريباً أو متحاملاً أو مجرد شعار يندرج ضمن منظومة الأيديولوجيا القومية، أو ما شابه ذلك، لكن مجرد التفكير بهدوء، والتأمل بعمق فيما آلت إليه أموز الشرق الأوسط منذ قرن تقريباً، يدعونا للتساؤل في حقائق بقيت قائمة رغم تغير الظروف الدولية والإقليمية، أول هذه التساؤلات هي لماذا اعتبرت دول وشعوب الشرق الأوسط وما زالت – العربية منها والإسلامية، خلال الحرب الباردة وما بعدها، وبغض النظر عن طبيعة الأنظمة التي كانت تحكم تلك الدول، والتي صارت تحكمها فيها بعد، وعلى اختلاف طبيعتها، ملكية أكانت ام جمهورية، أنظمةٌ تقليدية موالية للغرب، أو أنطمةُ تحرر وطني تحالفت مع الشرق، أو مع الغرب، مع أميركا أو ضدها، وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل، أم لا – أن فلسطين هي لب الصراع، والقضية المركزية في الشرق الأوسط ؟!

ثاني هذه التساؤلات، هو لماذا لا تزال إسرائيل وبعد ثمانية عقود على قيامها، تشن الحروب على جيرانها، ولم تكتف باحتلال كل أرض دولة فلسطين، بل إنها، أي إسرائيل، كانت في حالة حرب مباشرة مع دول الجوار فقط، بل مع نصف دول الجوار، نقصد بالتحديد كلاً من مصر وسورية فقط، ولم تكن كذلك مع لبنان والأردن، على الأقل في حرب عام 73، وأنها كانت تجد نفسها وبشكل ربما يكون طبيعياً إلى حد ما باعتبارها حليفاً للغرب، في حالة صراع او حتى حرب مع مصر وسورية حينما كانتا دولتَي تحرر حليفتين للشرق. لكن الحال لم يتغير كثيراً بعد الحرب الباردة، ولا حتى بعد توقيع أول وأهم اتفاقية سلام مع مصر، ومن ثم مع الأردن، ثم باتت الصورة أوضح في الأعوام الأخيرة، حين خاضت إسرائيل حرباً بإرادتها، ضد نصف دول الجوار، أي لبنان وسورية مع فلسطين بالطبع، ثم أضافت اليها بُعداً إقليمياً تجاوز لأول مرة دول الجوار، إلى دول ما بعد الجوار، نقصد كلاً من اليمن وإيران.

الحقيقة أن أميركا باعتبارها زعيم الغرب خلال الحرب الباردة، ثم زعيم العالم، ما بعد انهيار جدار برلين، قد بذلت جهداً كبيراً، منذ مؤتمر مدريد وحتى الآن، أي منذ أكثر من ثلاثة عقود ونصف، من أجل «تطبيع» العلاقات بين إسرائيل وجيرانها من العرب والمسلمين، ذلك أن أميركا لم تعد تفهم كيف أو لماذا ما زالت إسرائيل في «حالة حرب» مع جيرانها، بعد انتهاء الحرب الباردة، ومن ثم سقوط الأنظمة التي لم تكن صديقة لأميركا تباعاً، ورغم أن أميركا استجابت لمطالب إسرائيل بإسقاط أنظمة نظام صدام حسين، ومعمر القذافي، وبشار الأسد، فما زالت إسرائيل تخوض الحرب ضد المحيط العربي الإسلامي، بل إن سقوط الأسد شجعها على ما هو أبعد، فبدلاً من أن تتقدم نحو النظام السوري الجديد الذي بات جزءاً مما يسمى محور الاعتدال العربي، الحليف التقليدي للغرب ولأميركا بالتحديد، ويستند منذ عقود طويلة لدول الخليج والأردن، ومن ثم مصر، هاجمته واحتلت أرضاً إضافية من بلاده وتقوم بإحراجه بانتهاك سيادة بلاده كل يوم!

السبب يعود باختصار، إلى أن إسرائيل مرت بمنعطف مفارق لما سار عليه النظام العالمي، ومن ثم النظام الإقليمي من تحوّل ما بعد الحرب الباردة، فإسرائيل اليوم ذات الأغلبية اليمينية ترفض وجود دولة فلسطين، وهذا الرفض هو الذي يُبقي عليها في حالة حرب، ليس مع فلسطين وحسب، وإنما مع الشرق الأوسط كله، ومن ثم مع العالم بأسره، ويبدو أن تبادلاً للمواقع قد حدث على جانبَي مركز المعادلة السياسية في الشرق الأوسط، نقصد معادلة فلسطين / إسرائيل، فقد نشأت المعضلة مع ظهور الحرب الباردة، وبالتحديد في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين، بالاتكاء إلى وعد بلفور، الذي وصل ذروته حين أعلنت دولة الانتداب رحيلها في أيار 1948، حينها صدر قرار التقسيم عن الأمم المتحدة، الذي نصّ على قيام دولتَي فلسطين وإسرائيل مناصفةً بعد رحيل الانتداب البريطاني، والغريب أن ديفيد بن غوريون قبِل قرار التقسيم، وأعلن قيام دولة إسرائيل بناء عليه، بينما رفض العرب ذلك القرار، لأنه نص على قيام إسرائيل، كون العرب كانوا يُنكرون عليها الحق في الوجود، لذلك لم تقم دولة فلسطين.

يبدو ان حال فلسطين واسرائيل مثل حال التوأم الملتصق، بما يعني أن «قتل» أحدهما يعني موت الآخر بالضرورة، وإذا كان إنكار العرب حق إسرائيل في الوجود عام 48 سبباً لعدم قيام دولة فلسطين، فإن إنكار إسرائيل حق فلسطين في الوجود كدولة مستقلة وبناء على قرار التقسيم إياه، يعني أن وجود إسرائيل سيبقى مهدداً، ذلك أن دولة تستمر في خوض الحروب ضد جيرانها، تُعتبر جاراً غير مرغوب فيه، ولا بد أن يجبر على الرحيل، لأنه لا يمكن للشرق الأوسط بدوله وشعوبه أن يرحل، ولعل هذا السبب الذي جعل كل شعوب ودول الشرق الأوسط، تحتقن حين أظهرت إسرائيل رغبتها بتهجير مواطني قطاع غزة، والأهم أن كل دول وشعوب الشرق الأوسط كانت تتوجس في نوايا إسرائيل الحقيقية، ثم صارت متأكدة منها، من خلال ما أظهرته من فعل وحشي، وصل حد ارتكاب حرب الإبادة الجماعية، وتضمن التصريحات العلنية بالسعي لقيام إسرائيل الكبرى، المسيطرة على كل الشرق الأوسط.

ولا شك في أن دول الشرق الأوسط خاصة دول جوار فلسطين / إسرائيل، التوأم السيامي، يعتبرون قيام دولة فلسطين ضمانة مزدوجة، فذلك يعني وجود حاجز طبيعي أمام الأطماع الإسرائيلية خاصة في ظل يمين ايديولوجي، والدليل هو الممارسات على الأرض، بالتوسع في ما يسمى المناطق الأمنية، وإذا كانت إسرائيل لا تثق بأحد، لا مصر ولا الأردن ولا السعودية فلماذا يثق بها الآخرون؟ وتصر على ان تبقى متفوقة عسكرياً على الجميع فرادى ومجتمعين، فلماذا لا يشك بها الآخرون؟ كذلك يعني قيام دولة فلسطين لدول الشرق الأوسط خاصة دول الجوار، ويبدو ان الجوار قد توسع بمفهومه، الذي أفصحت عنه الحكومة الإسرائيلية خلال حرب العامين الأخيرة، ليشمل إضافة لمصر والأردن وسورية ولبنان، كلاً من العراق والسعودية وحتى اليمن، يعني أنهم ضمنوا أن إسرائيل قد استقرت اخيراً على دولة متعايشة مع المحيط، تقبل بالسلام العادل والدائم، ولأن ذلك أيضاً سيمهد لإعلان الشكل النهائي لإسرائيل بحدود جغرافية معرّفة، وبدستور محدد وواضح.

ولعل أيضاً ما يؤكد ما افترضناه هو أن إنكار حق فلسطين في الوجود، يعني بقاء إسرائيل دولة غير قابلة للتعايش مع الشرق الأوسط. فإسرائيل التي ترفض قيام دولة فلسطين، هي إسرائيل جابوتنسكي، إسرائيل اليمين الأيديولوجي الشعبوي، الذي يذكرنا بالعديد من الأنظمة التي كانت كذلك في الشرق الأوسط منذ خمسينيات القرن الماضي، وخاضت حروباً مع إسرائيل، التي كانت حينها ليبرالية على هدى الغرب، تطالب بالاعتراف بحقها في الوجود، ثم بصفقة تقوم على أساس مبادلة الأرض التي احتلتها عام 67 بالسلام. اليوم تبدلت الأدوار، فصارت إسرائيل تحتل الأرض ولا ترفض مقايضة الأرض بالسلام وحسب، بل ترفض حق فلسطين في الوجود، وتُضمر سعيها للسيطرة على الشرق الأوسط، وكأنها «اميركا الشرق الأوسط»، أي قائد الإقليم ضمن سياق النظام العالمي الأميركي.

ولعل الدليل الواضح هو رغم كل ما يكنّه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإدارته من شغف بإسرائيل، فإن بنيامين نتنياهو وحكومته يقفان عقبة في طريق محاولته جمع حلفائه الشرق أوسطيين، ليرفع من قدرته على مواجهة التحديات الكونية لزعامة اميركا العالمية، وذلك بالسعي لإكمال أهم منجَز حققه في ولايته الأولى وهو اتفاقية ابراهام، وترامب يتساءل في حقيقة الأمر، كيف لأصدقائه، وهم جميعاً كذلك، وليس نتنياهو وحسب، ان لا يجتمعوا من حوله أو بقيادته لمواجهة تحديات الصين وروسيا وحتى إيران. السبب هو رفض إسرائيل ليس بحكومتها وحسب، بل بأغلبية أحزابها وأغلبية شعبية الإقرارَ بمجرد فتح أفق يُفضي للدولة الفلسطينية، كما تطالب السعودية. ووصل الأمر بنتنياهو وحكومته لرفض التطبيع مع السعودية، بل إلى التطاول عليها حين قال: إن عليها، أي السعودية، أن تقيم دولة فلسطين على أرضها!

يبقى أن نشير إلى أن إسرائيل، وهي دولة إشكالية في طبيعتها، على أي حال، ولا تشبه معظم دول العالم في شيء، تبقى غير قادرة على التحول من تلقاء نفسها، وهي مجبرة بالطبع على التكيف مع العالم، خاصة مع الشرق الأوسط، حيث لم يعد هناك من يمكنه أن يفرض إرادته على أحد بالقوة، مهما بلغت، وحتى القوة نسبية والجميع لديه أسباب من القوة العسكرية والاقتصادية أيضاً، لذلك وكما حدث عام 1991 في مدريد، لا بد من إجبارها على قبول حل الدولتين.

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى