رجب أبو سرية: بايدن هنا من أجل إسرائيل

رجب أبو سرية 2022-07-15
رغم أن زيارته لإسرائيل هي العاشرة، إلا أن هذه الزيارة التي بدأها أول من أمس، وتستمر حتى يوم غد، هي الوحيدة بالطبع وهو بصفته رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، وقد سبق لجوزيف بايدن أن زار إسرائيل أول مرة عام 1973، قبل حرب أكتوبر بأيام، وكان سيناتوراً عن ولاية ديلاوير، وآخر مرة زارها وهو نائب للرئيس باراك أوباما، اي أن حب إسرائيل يسير في دم الرجل، الذي يفاخر بكونه صهيونياً مسيحياً، وقد عاد وكرر أول أمس مقولته الشهيرة: حتى تكون صهيونياً ليس شرطاً أن تكون يهودياً.
وأن يزور الرئيس الأميركي إسرائيل، فقد بات تقليداً رئاسياً منذ عام 1974، حين زارها الرئيس ريتشارد نيكسون، ولم يكن الرؤساء الأميركيون من قبل يزورون إسرائيل، وهي بالنسبة لهم كانت بلداً صغيراً، من مخلفات الاستعمار القديم، لكن يبدو أنهم مع مرور الوقت، وجدوا فيها بيدقاً متقدماً في الحرب الباردة، يمنعون به توسع نفوذ الاتحاد السوفياتي السابق، خاصة في الشرق الأوسط، فضلاً عن كونها باتت مفتاحاً عبر اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة نفسها، للوصول الى البيت الأبيض.
رغم ذلك، فإن بايدن لم يبدِ الرغبة الكبيرة أو الحماس لزيارة إسرائيل، ولا حتى الاهتمام بالشرق الأوسط، بكل ملفاته، وهو الذي حاول منذ وصوله البيت الأبيض أن يغلق الملف الذي كان فتحه على عكس سياسة الديمقراطيين، الرئيس الأسبق دونالد ترامب قبل رحيله، نقصد الملف الإيراني، والدليل على ذلك أنه قد مرت فترة عام ونصف العام، على دخول بايدن البيت الأبيض، وجاءت هذه الزيارة كزيارة أولى له للمنطقة، وهي تقتصر على إسرائيل، وفي سياقها فلسطين، والسعودية، والغريب أنها لم تشمل دولاً أخرى، خاصة مصر، التي تعتبر الدولة المحورية في العالم العربي، والمركزية في الشرق الأوسط وأفريقيا.
وقد جاءت الزيارة بدعوة من إسرائيل، وبإلحاح من مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، وربما بهدف محاولة دعم الديمقراطيين في الانتخابات النصفية، حيث تشير التقديرات الى أنهم مقبلون على خسارة قد تكون فادحة لأغلبيتهم في الكونغرس، وذلك بسبب سياسات بايدن التي لم تقنع الأميركيين بأنه كان خياراً أفضل من دونالد ترامب.
وتردُّد بايدن لم يكن فقط بسبب ميله لتجنب مشاكل المنطقة والتركيز على مواصلة الضغط على روسيا، ولكن لأنه يدرك سلفاً بأنه لن يحقق شيئاً مهماً لا له ولا للولايات المتحدة، من هذه الزيارة، فحتى ما قيل بأن الزيارة محاولة لإعادة ملء الفراغ الذي تركته أميركا نفسها بانسحابها من ملفات الشرق الأوسط تباعاً، بما في ذلك الملف الفلسطيني، حتى تمنع الصين وروسيا من ملء ذلك الفراغ، الذي لا تملأه بالطبع حليفات أميركا من الدول الأوروبية، لا يبدو بأنه يمثل هدفاً أميركياً، فجل ما تسعى له واشنطن حالياً هو المحافظة على حلفائها التقليديين، خاصة الأوروبيين، في صراع كوني يبدو بأنه في طريقه لتجاوز نظام أحادية القطب الحالي، وإسرائيل نفسها لم تُظهر الانحياز التام للموقف الأميركي في حربها ضد روسيا، ورغم ذلك ما زالت واشنطن تسعى لكسب ود إسرائيل!
أما إسرائيل الرابح الأهم من زيارة بايدن، فهي توجه رسالة أولاً، من خلال الزيارة والتي تكاد تقتصر عليها كما أشرنا، مفادها أن إسرائيل ما زالت تنال الدعم والإسناد الأميركي، حتى لو انسحبت أميركا من الشرق الأوسط، وأنها لن تكون مكشوفة الظهر، وإسرائيل ثانياً، ما زالت أكثر المتضررين من انسحاب أميركا من المنطقة، ذلك انها حتى لو توددت لروسيا والصين، فهي ما زالت دولة على طريق الاستعمار، فلن تجد الدعم من دول كانت شيوعية، او ان بعضها ما زال كذلك، ورغم انها، اي إسرائيل، باتت قوية عسكرياً واقتصادياً، وما زالت متفوقة على كل دول الشرق الأوسط عسكرياً، فإنها لن تستغني عن الإسناد الخارجي، لأنها ما زالت دولة غير طبيعية، أي دولة احتلال وعنصرية داخلية. ثالثاً: حققت إسرائيل نصف الهدف المتمثل بقطع الطريق على تطبيع العلاقات بين أميركا وإيران، ومدخله بالطبع الاتفاق النووي، ليس لأن التوصل لاتفاق العودة لاتفاق 2015، ما زال يتعثر وحسب، ولكن لأن إسرائيل نجحت في جلب بايدن إليها والإعلان معها عن «بيان القدس» الذي يتلخص في اتفاق الدولتين، أي أميركا وإسرائيل على منع إيران من الحصول على السلاح النووي.
ورغم أن بايدن أصر خلال كلمته لحظة وصوله لمطار بن غوريون في تل أبيب، على التأكيد، على عكس الرغبة الإسرائيلية، على ان انسحاب ترامب من الاتفاق مع إيران كان خطأ جسيماً، وإصراره على العودة للاتفاق، إلا انه قال بأن اللجوء للخيار العسكري لمنع ايران من إنتاج القنبلة النووية يبقى الخيار الأخير، اي انه يبقى خياراً، ليس لإسرائيل فقط، بل ولأميركا أيضاً.
والجائزة الكبرى بالطبع التي تتطلع لها إسرائيل هي الدفع ببايدن على طريق ترامب، الذي سارع الى افتتاح جولاته الخارجية عقب دخوله البيت الأبيض عام 2016 بزيارة السعودية، سعياً وراء أموالها، هي ان يفتح طريق التطبيع، أو على الأقل، قناة الاتصال بشكل علني بين السعودية وإسرائيل، وكل المؤشرات تقول، بأن هذا هو أهم هدف لزيارة بايدن، سواء تغلف هذا الأمر بإنشاء تحالف امني او اقتصادي إقليمي أو كلاهما، أو اكتفى بإعلان فتح الأجواء السعودية أمام الطيران الإسرائيلي، وكل هذا على حساب تراجع السعودية نفسها عن مبادرتها العربية للسلام، التي أُقرت في بيروت 2002.
أما سعي بايدن لإقناع السعودية بزيادة إنتاجها النفطي حتى يسهل عليه ذلك محاصرة روسيا بإنتاجها النفطي، فإنه يبدو هدفاً ثانوياً، وعلى ذلك يمكن القول بأن زيارة بايدن تبدو باهتة جدا، وهي قوبلت بالترحاب من إسرائيل فقط، وبدا الرجل كما لو انه جاء على مضض، دون حماس أو رغبة حقيقية.
أما على الجانب الفلسطيني، فإن جعبة بايدن خالية الوفاض من الحل السياسي، بل حتى أنها خالية من الوعود على هذا الجانب، وقد بدت كلماته حول حل الدولتين كما لو كانت «موسيقى» حسب تعبير يوسي بيلين، الوزير الإسرائيلي السابق، أي أنها بلا معنى، او مضمون، وكل ما قدمه هو الدعم المالي لمستشفيات القدس الشرقية، لكنه بالطبع لا يقوى على الانصياع لأعضاء الكونغرس فيما يُغضب إسرائيل، بالمطالبة بمعاقبة قتلة الصحافية الفلسطينية/الأميركية شيرين أبو عاقلة. فيما لقاؤه الرئيس محمود عباس لا يتجاوز هدف المجاملة السياسية، وهو الذي لم يقم بحذف منظمة التحرير من قائمة الإرهاب، وهو حتى أنه لم يتجاوز الموقف الإسرائيلي نفسه، حيث يلتقي المسؤولون الإسرائيليون بمن فيهم بيني غانتس الرئيس عباس تباعاً.
 
 


