منوعات
رجاء الشوامرة: الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م

الأستاذة والأديبة رجاء يوسف عبد الشوامرة 12-12-2025
حين تكلّمت البلاد بأوجاعها
تحلّ علينا ذكرى من أثقل ما حمله التاريخ الفلسطيني في ذاكرته؛ ذكرى تجاوزت كونها حدثًا دمويًا لتصبح جرحًا مفتوحًا عبر ثمانٍ وثلاثين سنة. ذكرى وثّقتها الأقلام ونما حبرها بين أسطر التاريخ، وعُرفت باسم انتفاضة الحجارة، يوم لم يكن في يد الفلسطينيين سلاحٌ سوى حجارة صغيرة حملها الأطفال في مواجهة جيش كامل العدة.
في تلك المرحلة، لم يكن الشعر مجرد كلمات؛ بل كان صوتًا ينهض من رماد الوقت، وتاريخًا يكتب نفسه من بين وجوه الأوراق. وقد خلّد الشاعر أبو العمرين ذلك المشهد في قصيدته التي أسرت ذاكرة الشعب، فقال:
القدس أرض الأنبياء
والقدس حلم الشعراء
والقدس خبز وقمر
في القدس قد نطق الحجر
لا مؤتمر لا مؤتمر… أنا لا أريد سوى عمر
اضربْ، فقد تحجّرت القلوب وما لها إلّا الحجر
اضربْ، فمن كفيك ينهمر المطر
في (خان يونس)، في (بلاطة)، في البوادي والحضر
ولّى زمان الخوف، أثمر في مساجدنا الشرر
في فتية (الأنفال) و(الشورى) و(لقمان) وحفّاظ الزمر
من (صخرة المعراج) تنطلق الأوامر والعبر
في المسجد الأقصى وفي (العمري) قد نطق الحجر
شاهت وجوه بني النضير، تدافعوا نحو الحفر
شاهت وجوه الانتهازيين، عباد البشر…
قصائدٌ كهذه حملت روح الانتفاضة، وكانت نبضًا عربيًا واسعًا يشارك فلسطين أحزانها وصمودها، ويشترك معها في التحديق في وجه الظلم.
ثمانٍ وثلاثون سنة مرّت، وما زلنا نذكر عمّال جباليا الذين قُتلوا، والشرارة الأولى التي أشعلت غضب الشعب. لم نكن سوى فلسطينيين يبحثون عن وطن، لا يحملون سوى حلم العودة وحق الحياة.
لم تغادرنا الفكرة، ولم نفق يومًا من كابوس الموت الذي كان يتحيّن الفلسطينيين على طرقات وطنهم الجريح. ما زلنا نستعيد الذكرى من دماءٍ تناثرت في كل بيت، ومن صرخات الثكالى والأيامى. لم يكن الأمر ذكرى فحسب، بل ذاكرةٌ لا تُمحى، ونكبةٌ لا تتوقف عن إعادة نفسها بأشكال جديدة.


