أقلام وأراء

راسم عبيدات يكتب – هل نحن ذاهبون نحو الفوضى الشاملة؟

بقلم  راسم عبيدات  *- 29/12/2020

كما هو حال الفوضى الخلاقة المشروع الأمريكي لنشر الفتن المذهبية والطائفية في الوطن  العربي من اجل تفتيت و”تذرير” وتفكيك واعادة تركيب جغرافيته على أسس مذهبية وطائفية، وبما يحول وطننا العربي المقسم والمجزء الى المزيد من التجزئة والتقسيم  إلى كيانات إجتماعية هشة مرتبطة اقتصادياُ مباشرة من خلال المركز المالي العالمي في واشنطن والتي لا تسيطر قياداتها وانظمتها على خيراتها وثرواتها وفي الجانب الأمني ترتبط بتحالفات ومعاهدات مع دولة الإحتلال الإسرائيلي، وبما تبقيها في حالة من التبعية والخضوع للشروط والإملاءات الأمريكية والإسرائيلية.

وعلى نفس هذا النهج والمنوال ولكي تستطيع اسرائيل احكام سيطرتها على شعبنا الفلسطيني، وإخراج القوى الحية منه من مقاومة مشاريعها ومخططاتها الرامية الى شرعنة وتأبيد إحتلالها  للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وكذلك منع تبلور شعبنا كأقلية قومية في الداخل الفلسطيني – 48- لها خصائصها الوطنية والثقافية والتعليمية، عمل الإحتلال على “قوننة” و”دسترة” وشرعنة قوانين عنصرية من شأنها أن تمنع ذلك، ولذلك كان قانون أساس القومية الصهيوني العنصري، الذي يرى بحق تقرير المصير، فقط يجري تجسيده للصهاينة دون أبناء الشعب الفلسطيني، وبأن شعبنا الفلسطيني الأصيل في أرضه ووطنه مجرد تجمعات سكانية لا يوجد بينها رابط قومي او وطني ولا يوجد له حقوق وطنية وسياسية.

الإحتلال حتى يستطيع تنفيذ مخططاته ومشاريعه ولجم أي مقاومة فلسطينية ضده،كان همه الأساس كيف يستطيع ان يخترق جدار النسيجين الوطني والمجتمعي، وبما يدخل شعبنا في اتون معارك داخلية طائفية وعشائرية وقبلية وجهوية، معارك تفكك هذين النسيجين عبر دوامة من العنف والجرائم المتتالية يغذيها إطلاق يد المافيات والعصابات وتسليحها، لكي تنشر الخوف والرعب والعنف والجريمة بين الناس،دون أي حسيب أو رقيب، بحيث تصبح ممارسة البلطجة والقتل والسرقة وفرض الأتاوات والخاوات والتعدي على حقوق الناس وكراماتها شيء طبيعي، وبما يدفع المواطن العادي لكي  ينشد الخلاص الفردي، أو ترك بلده ومكان سكنه للخروج من هذا الجحيم، او البحث عن خيار العشيرة والقبيلة لتوفير الأمن والحماية له، مبتعداً عن المبنى والقوى الوطنية والحزبية والمؤسسات المجتمعية.

ولذلك نحن نشهد في الداخل الفلسطيني- 48 – تصاعد غير مسبوق في تنامي العنف والجرائم وعمليات القتل، حيث مع بداية العام الحالي وحتى اليوم هناك 99 جريمة قتل منها ما لا يقل عن 17 إمرأة وفتاة، والمسلسل مستمر دون توقف أو حتى انخفاض لمستوى العنف والجرائم، وعلينا أن لا نجعل من الإحتلال فقط الشماعة التي نعلق عليها كل تلك الجرائم أو تنامي العنف في أوساط مجتمعنا، والتي أرى بان الإنهيار الكبير للمنظومة القيمية والأخلاقية واختطاف الدين من قبل جماعات مغرقة في التطرف والرؤيا والقراءة الأحادية له والتي تكفر الأخر ولا تعترف به حتى من نفس أبناء المذهب، فكيف بأبناء الديانة الواحدة بمذاهبها المختلفة او أتباع  الديانات الأخرى، ناهيك عن سيادة ثقافة الدروشة والجهل والتخلف وفقة البداوة  وفكر الكهوف “طورابورا” والسجون “غوانتو نامو”.

والحال ليس بأفضل منه في الضفة الغربية وحتى في قطاع غزة، فمشروع السلطة الفلسطينية لإقامة ما يسمى بالدولة الفلسطينية وصل الى الحائط، والسلطة بوصف رئيسها بعد 25 عاماً من المفاوضات العبثية وصلت الى “سلطة بدون سلطة”، ولم تتجاوز صلاحيات حكم بلدي موسع، حقوق اقتصادية واجتماعية وخدماتية مقيدة ودون أي شكل من أشكال السيادة على الأرض، او الحقوق السياسية، والتي بدا واضحا من جملة الأحداث التي نشهدها في الضفة الغربية من احتراب عشائري وقبلي وعنف وجرائم قتل وإطلاق نار بين جماعات متناحرة، أو  ما جرى من اشتباكات بين أجهزة امن السلطة وجماعات فلسطينية أخرى في العديد من المخيمات كالتي شهدناها بإطلاق النار على مبنى بلدية يطا او على مقرات السلطة في قباطية وغيرها.. وما حصل من انتهاك سافر لحرمة مقام النبي موسى  من قبل شلة أو مجموعة شبابية اقامت فيه حفلة فنية صاخبة، متجاوزة ومنتهكة حرمة وقدسية المكان الدينية، ودون التفكير بعواقب الأمور، وما قد ينتج عن ذلك من فتنة كبرى وتداعيات خطيرة، مع أن الجهة المسؤولة عن المقام، هي من تتحمل المسؤولية بشكل مباشر عن ما جرى.. وكذلك ما حصل في الداخل الفلسطيني – 48- من حرق لشجرة عيد الميلاد المجيد في سخنين، بلد يوم الأرض الخالد، آذار 1976 وجريمتي القتل في اللد امس وامس الأول، والإصابتان الخطرتان بالرصاص الحي في تل السبع، كل هذا العنف وتلك الجرائم تؤشر على أننا سائرون نحو الكارثة والفوضى الشاملة في عموم فلسطين، وفي الضفة الغربية التي تحظى بحكم ذاتي موسع، والتي تفقد فيها السلطة السيطرة والسيادة وعدم القدرة على التحرك أو فرض القانون والإستعانة بالعشائر، أو تسليمها دفة الأمور من أجل وقف حالات الإحتراب العشائري والقبلي، هذا يجعلنا نقف أمام سلطة المليشيات المحلية مشروع البروفسور الصهيوني مردخاي كيدار الاقاليم السبعة للحكم الذاتي من الخليل حتى جنين من بعد تفكك السلطة وإنهيارها والصراعات بين اجنحتها المختلفة.

واضح بان هناك مشروع فتنوي يطل برأسه متشابك ومترابط مع مشروع سياسي لتصفية القضية الفلسطينية، فما يجري من فجور تطبيعي عربي رسمي والمشاركة في تصفية القضية الفلسطينية عبر بوابة ما يسمى بـ”صفقة القرن” الأمريكية، يؤكد لنا بان ما يجري من بث ونشر لثقافة الهزيمة، والعمل على اختراق جدار النسيجين الوطني والمجتمعي الفلسطيني، واغراقه في الهموم والمشاكل الإجتماعية ودوامة العنف والجرائم والإحتراب القبلي والعشائري، جزء من هذا المخطط والمشروع.

هذا يتطلب منا أن نبتعد عن ردات الفعل والعواطف الجياشه وتضخيم الأمور والمشاركة في بث الإشاعات والأخبار الكاذبة، او القيام بخطوات غير مدروسة ومحسوبة، … وكذلك مطلوب اليقظة والحذر وتوخي الدقة والبعد عن التجييش والشحن العاطفي والطائفي و”الزعبرة” و”الغثبرة”.. فالساحة لا تحتمل لا مزيادات ولا بطولات فيسبوكية.

* كاتب ومحلل فلسطيني يقيم في مدينة القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى