أقلام وأراء

راسم عبيدات يكتب – المقدسيون .. اشتباك مستمر واستراتيجيات غائبة

بقلم  راسم عبيدات – 23/3/2021

المقدسيون في حالة اشتباك مستمر مع الاحتلال الذي يستهدفهم في كل مناحي حياتهم يومياً، احداث ووقائع جديدة يومياً في القدس، ضمن مخطط استراتيجي إسرائيلي شامل لتهويد وأسرلة المدينة. لم تعد المسألة مقتصرة على المشاريع الاستيطانية، بل القضية تصل الى حد تغيير المشهد الكلي من مشهد عربي- إسلامي الى مشهد يهودي توراتي تلمودي.

السيطرة على فوق الأرض عبر الاستيطان والاستيلاء على المنازل وتحت الأرض من خلال الأنفاق والحفريات أسفل سلوان وأسفل وحول المسجد الأقصى وإقامة مدينة اسرائيلية تحت مدينة القدس والسيطرة على الفضاء من خلال مشاريع ” التلفريك” – القطار الطائر، والآن بدأت مرحلة جديدة، مرحلة الطرد والتهجير والتطهير العرقي لأحياء فلسطينية كاملة وإقامة أحزمة استيطانية، تفتت وتعزل القرى والبلدات المقدسية عن بعضها البعض وتحولها الى جزر متناثرة في محيط اسرائيلي واسع. …ترحيل وطرد أحياء البستان وبطن الهوى وواد الربابة وواد ياصول في سلوان وحي الشيخ جراح ” كرم الجاعوني” وكبانية أم هارون وتدمير أكثر من 200 ورشة صناعية وتجارية في واد الجوز والحبل على الجرار.

وفي مسار آخر تجري عمليات هدم ممنهجة للمنازل والمنشآت المقدسية وبوتيرة أعلى وأعداد اكبر، ولكي يخفي المحتل جرائمه ويخفف من انتقادات المجتمع الدولي له، أصبح يعتمد إجبار المقدسيين على هدم منازلهم بأيديهم تحت طائلة تحميلهم تكاليف بولدوزراته وجرافاته وقواته التي تأتي لتنفيذ عمليات الهدم، ومن يرفض الامتثال يدفع تكاليف هدم بيته أنها أحكام وقوانين “قراقوش”. وعلى جبهة الثقافة والوعي، نشهد هجمة شرسة لأسرلة المنهاج الفلسطيني في مدينة القدس بشكل كلي، عبر رصد ميزانيات ضخمة لهذه العملية، وبناء مدارس جديدة تدرس المنهاج الإسرائيلي من الصف الأول وحتى المرحلة الثانوية، وكذلك الضغط على المدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني لفتح شعب صفية تدرس المنهاج الإسرائيلي وتهديدها بسحب تراخيصها ووقف الميزانيات عنها، ولهذا الغرض تجند دولة الاحتلال جيشا من الخبراء ورجال الأمن السابقين للسير في هذه الخطة من خلال الإشراف على تعيين العاملين في مكاتب التربية والتعليم الإسرائيلية من الموظفين العرب ومدراء المدارس والمدرسين الذين يعملون على تطبيق وتنفيذ الخطة الحكومية وخطة وزارة المعارف الإسرائيلية وبلدية الاحتلال، إحلال التعليم والمنهاج الإسرائيلي بدل المنهاج الفلسطيني بشكل كلي في مدينة القدس، وبما يعمل على “كي” و”تطويع” و” صهر” و” تجريف” وعي الطلبة الفلسطينيين ودفعهم الى العيش في حالة من الصراع والتناقض الداخلي، حول مشروعية نضالهم وحقوقهم، وأبعد من ذلك تشكيكهم بروايتهم وصحة تاريخهم.

إنها الحرب على الوجود والثقافة والهوية والكينونة والرواية.

في القدس كل يوم تصحو على جريمة جديدة، هدم منازل، توزيع اخطارات بالهدم ،اعتقالات، إبعادات، إقتحامات للأقصى ومحاولات جادة لفرض وقائع جديدة تستهدف تغيير الطابع الديني والقانوني والتاريخي للمسجد الأقصى.منع المرجعيات الرسمية الفلسطينية من العمل في مدينة القدس، وأي شكل من أشكال السيادة والوجود، حرب على المؤسسات المقدسية بالإغلاق ومنعها من القيام بأي أنشطة في مدينة القدس، حتى لو كانت في الإطار الإغاثي او الخاصة بالأطفال، واعتقال للقائمين عليها.

المقدسيون يقولون بصوت واحد نحن موحدين بكل مكوناتنا ومركباتنا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية، وكل مخططات ومشاريع حكومة الاحتلال الرامية لسلب أرضنا والسيطرة على بيوتنا وإستباحة مقدساتنا، ونحن سنواصل البقاء والدفاع عن وجودنا، ولكن قدراتنا على الصمود والمقاومة ليست بالخارقة، فنحن احوج ما نحتاج إليه، موقف فلسطيني موحد، يرسم استراتيجية موحدة بالتعاون من مكونات القدس ومركباتها الشعبية، فالمرجعيات الرسمية باتت محاصرة ومقيدة وممنوعة من العمل في مدينة القدس،استراتيجية تتعاطى مع هموم واحتياجات الناس اليومية إقتصادية واجتماعية، فالهم المقدسي كبير وكبير جداً، والمقدسي من كثرة الهموم وما يتعرض له من قمع وتنكيل يومي من قبل الاحتلال وأجهزته المدنية والأمنية يحتاج لكي يحارب على أكثر من جبهة وصعيد، ولا يتلقى من المستوى الرسمي ومن العرب والمسلمين اللاهثين خلف التطبيع مع دولة الاحتلال، سوى بيانات الشجب والإستنكار الخجولة، حتى تولدت قناعة للإنسان المقدسي، بأن جزءا من هؤلاء العرب، هم عون للاحتلال عليهم وعلى مدينتهم، فبدل المليارات التي تستثمر في قطاعات الاحتلال الاقتصادية الاستراتيجية، ماذا لو أن هذه الأموال ضخت من أجل حماية القدس من التهويد؟ ومن أجل إنقاذ احياء الشيخ جراح وبطن الهوى والبستان واد الربابة وواد ياصول وغيرها من الأحياء المقدسية المهددة بالطرد والترحيل والتطهير العرقي.

القدس تحتاج الى أكثر من الشعار والبيان والشجب والإستنكار، القدس قوية بصمود وثبات ورباط اهلها عليها، امنعوا تهويدها،امنعوا قلب واقعها الديمغرافي لصالح المستوطنين، امنعوا تحويل المشهد الكلي فيها من مدينة عربية إسلامية الى مدينة يهودية تلمودية توراتية، فالتهويد وصل حد إقامة المشاريع الاستيطانية فوق أسطح منازل المقدسيين الوقفية وفوق أسطح أسواق المدنية التاريخية من اجل تهويد تلك الأسواق والمنازل، ولكي تتحول تلك الأسواق من أسواق تعج بحركة الناس، تصبح أسواقا يهودية يُحظر على المقدسيين وشعبنا الوصول والدخول اليها كما هو الحال في الحرم الإبراهيمي الشريف والبلدة القديمة في الخليل.

يتسارع تنفيذ مخططات التهويد في القدس بشكل غير مسبوق وبالتحديد بعد قرار الإدارة الأمريكية المتطرفة السابقة بقيادة ترامب بنقل سفارة بلادها من تل أبيب الى القدس والاعتراف بها عاصمة لدولة الإحتلال ، مشاريع التهويد والأسرلة على مدار الساعة والواقع يتغير وتفرض وقائع جديدة تغير من الوضع التاريخي والقانوني في المدينة، حتى بتنا أمام دول عربية تفتح سفارات لها في دولة الاحتلال وأخرى إسلامية مثل كوسوفو تنقل سفارتها من تل أبيب الى القدس.

حماية الوجود المقدسي يحتاج الى دعم مالي ومعنوي وسياسي وحقوقي وقانوني يسند صمود المقدسيين ويمكنهم من استمرار خوض اشتباكهم الشعبي والجماهيري مع الاحتلال حول السيادة على المدينة التي باتت تتهود وللأسف بمشاركة عربية- إسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى