أقلام وأراء

راسم عبيدات يكتب – إرادة الصمود والمقاومة أقل كلفة من الخنوع والإستسلام

بقلم  راسم عبيدات  *- 20/2/2021

من الواضح بان المنطقة والإقليم أمام متغيرات كبرى، وبأن معادلات وتحالفات جديدة تتشكل في المنطقة، وكذلك على الصعيد العالمي، حيث الإدارة الأمريكية لم تعد شرطي العالم الذي يعاقب من يشاء ويثيب من يشاء، فعالم متعدد الأقطاب بات يتشكل في العالم، أقطابه الصين وروسيا الى جانب امريكيا، وعلى الصعيد الإقليمي تترسخ ايران كقوة إقليمية مقررة في شان المنطقة والإقليم، وكذلك هي تركيا بات لها نفوذ ودور لا يستهان به في المنطقة والإقليم، في حين يتم إمداد دولة الإحتلال من قبل أمريكا ودول الغرب الإستعماري بكل مقدرات القوة العسكرية المتطورة والدعم مالياً واقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً وسياسياً وامنياً، لكي تبقى قوة مقررة ومتسيدة في المنطقة، ولكن ما يجري من تغيرات وتحولات على الأرض، يثبت بأن دولة الإحتلال لم تعد في مرحلة الهجوم، رغم كل التهديدات والإستفزازات والمناورات والتحصينات والقبب الحديدية وصواريخ “الباتريوت” و”الثاد” والخروقات المستمرة بحق السيادة اللبنانية جواً وبراً وبحرأ، بل هي تعيش في مرحلة الدفاع وأصبحت تحيط بها غابة من الصواريخ، إن التهويل والتهديد والترهيب والوعيد الإسرائيلي، لن يجدي ولن ينفع، فهو للإستهلاك الداخلي، ولإستيعاب المشاكل والأزمة السياسية الحادة التي يعاني منها نتنياهو وزمرته من اليمين المتطرف.

ونحن نلمس ذلك من خلال ما سعت إليه الإدارة الأمريكية السابقة الى إقامة احلاف أمنية وعسكرية إستراتيجية ما بين دولة الإحتلال ودول النظام الرسمي العربي، عبر الفجور والهرولة التطبيعية لنظام رسمي عربي مهترىء، يعتقد بأن مثل تلك التحالفات ستوفر لأنظمته الحماية من عدو افتراضي صورته لهم أمريكا، ألا وهو ايران، من أجل الإستمرار في إحتلال بلدانهم عبر نشر المزيد من القواعد العسكرية فيها، وكذلك الإستمرار في إستحلابهم مالياً، وتشغيل مصانع السلاح الأمريكية والأوروبية الغربية، وبما يسهم في تنمية اقتصاد بلدانهم ورفاهية شعوبهم وكذلك في ظل استشعار مخاطر تلك التحولات التي تجري، والتي باتت تشكل خطر وجودي على دولة الإحتلال، حيث المثلث الثلاثي الأضلاع للوجود الأمريكي من المنطقة، السيطرة على النفط ونشر ما يسمى بالديمقراطيات، لم يعد قائماً فهناك طاقة بديلة وأمريكا لديها احتياط نفطي عالي، اما قضية نشر الديمقراطية الأمريكية، ففي الإنتخابات الأمريكية الأخيرة، ظهرت أكذوبة تلك المقولة وذهبت أدراج الرياح ولم يعد أحد يلتفت اليها، ولم يبق من اضلاع المثلث سوى دولة الإحتلال، واهمية وجودها وبقاءها كقاعدة استعمارية في المنطقة، تمنع أي حالة نهوض قومي عربي، أو توحد عربي، وكذلك منع نمو واصطفاف مشروع عربي وإقليمي مقاوم في المنطقة.

ولذلك في الأيام الأخيرة لإدارة ترامب جرى نقل إسرائيل من مجال القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي في المجال العسكري، إلى القيادة العسكرية المركزية الأمريكية، والتي تشمل دول الشرق الأوسط الأخرى، بعد تطبيع العلاقات المتزايد بين إسرائيل والعالم العربي. وستسمح هذه الخطوة بتعزيز تعاون أكبر ضد إيران، العدو الإقليمي الرئيسي لإسرائيل والولايات المتحدة وبعض الدول العربية.

الإدارة الأمريكية الحالية باتت على قناعة تامة بأن سياسة العقوبات القصوى التي مارستها الإدارة الأمريكية السابقة بحق طهران، بعد إنسحابها من الإتفاق النووي مع طهران عام 2017 من جانب واحد، هذا الإتفاق الذي عرف باسم خمسة +1، ولتقوم بعدها بفرض سلسلة متواصلة من العقوبات الإقتصادية والتجارية والمالية والدبلوماسية والسياسية على طهران، والتي عرفت بما يسمى سياسة العقوبات القصوى، والتي أراد من خلالها المتطرف ترامب منع ايران من تصدير نفطها بالمطلق، بما سماه بسياسة “التصفير النفطي”، ولكن تلك السياسة لم تؤت ثمارها، لا بخلق تمرد داخلي على القيادة الإيرانية، ولا بزعزعة امن واستقرار النظام فيها، ولا منعها من تصدير نفطها، ولتكشف تلك العقوبات بأن الدول الأوروبية التي هي جزء من الإتفاق بريطانيا وفرنسا والمانيا، والتي تعهدت بإيجاد آليات مالية واقتصادية، تسمح لطهران بتصدير ونفطها وادارة معاملاتها المالية “نظام انستيكس”، ان هذا ليس أكثر من مناورة اوروبية غربية، وبأن تلك الدول خاضعة في قرارها للقرار الأمريكي، ولم تعمل على تنفيذ أي شيء مما التزمت به، مما حدى بإيران للقول بأن تلك الدول ليست أكثر من تابع لأمريكا، وعلى ضوء ذلك قررت القيادة الإيرانية تغيير قواعد اللعبة، حيث أعلنت عن زيادة تخصيب اليوارنيوم لنسبة تصل الى 20%، وبأنها بصدد الغاء البرتوكول الإضافي الخاص بالسماح لوكالة الطاقة الذرية بالتفتيش على المنشئات النووية الإيرانية.

الإدارة الأمريكية الحالية باتت مقتنعة بأن سياسة العقوبات القصوى التي إتبعتها الإدارة الأمريكية السابقة، والتي وصلت حد عدم الإفراج عن الأموال الإيرانية من أجل شراء معدات وادوية من أجل مجابهة انتشار جائحة “كورونا”، ستقرب الى حد كبير من إمتلاك ايران للسلاح النووي، ولذلك القيادة الإيرانية قالت بأن فتوى الإمام خامينائي بتحريم انتاج السلاح النووي، قد تتغير في أي لحظة.

ومن هنا بدأت توابع أمريكا وشركائها وحلفائها في العقوبات فرنسا وبريطانيا والمانيا بالتحرك، وتوجيه الإتهامات لإيران الملتزمة بالإتفاق، وتحذيرها من مخاطر الغاء البرتوكول الإضافي، وجرى اتصال هاتفي ما بين رئيسة وزراء المانيا ميركل والرئيس الإيراني حسن روحاني، تعهدت فيها ميركل بالبحث في خطوات عملية لرفع العقوبات عن طهران، التي قالت بشكل واضح لا عودة للإتفاق النووي قبل رفع العقوبات، وبناء على ذلك التقى وزراء خارجية فرنسا وبريطانيا والمانيا عبر تقنية الزوم وزير الخارجية الأمريكي لتدارس الموقف، وليعلن بعد ذلك الرئيس الأمريكي عن سحب الطلب الأمريكي الذي قدمته الإدارة الأمريكية السابقة الى الأمم المتحدة بعودة فرض العقوبات الدولية كاملة على ايران، وكذلك تخفيف القيود على تحركات الدبلوماسيين الإيرانيين، والإستعداد لعقد لقاء مع ايران ضمن مجموعة الـ 5 +1 لبحث الملف النووي الإيراني.

هذا الخضوع والخنوع الأمريكي للشروط والمطالب الإيرانية ما كان له أن يتحقق لولا وجود قيادة ايرانية حكيمة وصلبة ومتماسكة، معتمدة على قاعدة وإرادة شعبية متينة.

وبالعودة الى التهديدات الإسرائيلية للبنان والمقاومة اللبنانية، وبأن اسرائيل ستعيد لبنان الى العصر الحجري، فالرد على تلك التهديدات الإسرائيلية جاء بعد خطاب السيد حسن نصرالله قبل أربعة أيام “كفى لعبا بالنار”، نحن لا نريد مواجهة او حربا لكن ان فرضتموها فسوف نخوضها، وان قصفتم مدنا سنقصف مدنا وان قصفتم قرى سنقصف المستوطنات، وان قصفتم المدنيين فشعبكم كله جيش احتياطي، وقد تواجهون وقائع لم تألفوها منذ العام 1948، ومن ثم بعد تواصل تلك التهديدات نشر الإعلام الحربي للحزب مشاهد باللغة العبرية تظهر مواقع عسكرية اسرائيلية في  المدن اسرائيلية.

كل هذه الوقائع والحقائق تقول بأن كلفة الصمود والمقاومة أقل بكثير من كلفة الخنوع والإستسلام، وكل الفجور التطبيعي العربي الرسمي مع دولة الإحتلال، لن يشكل درع حماية لأمننا القومي ولا لإستقرار بلداننا، ولن يجعل منا امة قوية، بل كل ذلك سيزيد من نهب دولة الإحتلال وأمريكا وقوى الغرب الإستعماري لخيراتنا وثرواتنا، وسيعيدنا الى الإحتلال المباشر، وستصبح بلداننا مسرحاً للعمليات في أي حروب قادمة، وكذلك ستكون شواطئها وممراتها البحرية محتلة.. وستغرق شعوبها في المزيد من الذل والخنوع والفقر والجوع.

* كاتب ومحلل فلسطيني يقيم في مدينة القدس .  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى