ترجمات أجنبية

ذي أتلانتك – جورج باكر – القصة الداخلية لأخطاء مسبار مولر

ذي أتلانتك – جورج باكر  –  21/9/2020

أندرو وايزمان كان أحد كبار نواب المحقق روبرت مولر في تحقيقه الخاص بانتخابات عام 2016، وهو على وَشْك نشر أول رواية لشخصٍ مطلعٍ على الأمور تحت عنوان: «Where Law Ends: Inside the Mueller Investigation (حيثما ينتهي القانون: معلومات سرية من تحقيقات مولر)». وعنوان الكتاب مأخوذ من اقتباس للفيلسوف السياسي البريطاني جون لوك منقوش على واجهة مبنى وزارة العدل في واشنطن العاصمة: «حيثما ينتهي القانون، يبدأ الطغيان».

ويقدم وايزمان لائحة اتهام دامغة ضد رئيس «خارج عن القانون» وشركائه المعروفين – المدعي العام وليام بار (الذي يُصوَّر على أنه كاذب ساخر) والنواب الجمهوريين في الكونجرس والخَدَم المجرمين وقناة «فوكس نيوز». ويقول مؤلف الكتاب: إن مَثَل دونالد ترامب «كمثل حيوانٍ يخمش العالم بمخالبه دون أدنى فكرة عن الصواب والخطأ».

ويحتفظ وايزمان بأشد كلماته إيلامًا لمكتب المستشار الخاص لوزارة العدل برئاسة روبرت مولر نفسه. ويصوِّر الكتاب مجموعة من المهنيين الموهوبين المتفانين في عملهم الذين تحدق بهم الانقسامات الداخلية ويقودهم رجل سمحت له نزاهته أن يتحداهم لكي لا يحققوا هدفهم من التحقيق ويفلت هو من المساءلة.

أخبرني وايزمان في مقابلة معه مؤخرًا: «لا شك في أنني كنت محبطًا في ذلك الوقت. كان هناك أعمال كثيرة يمكن أن نقوم بها، ولكننا لم نفعل». وأشار إلى أن تقرير المحقق الخاص لم يتوصَّل قط إلى الاستنتاجات القانونية الواضحة المتوقعة من وثيقة داخلية لوزارة العدل. وفي الوقت نفسه كان تقريره يفتقر إلى القوة التفسيرية لتقرير الشهر الماضي الذي أصدرته لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ من الحزبين حول انتخابات عام 2016.

أهمية تحقيق مولر

كان تحقيق مولر أكبر مراجعة محتملة بشأن إساءة استخدام ترامب للسلطة. وكانت الصحافة تثير غضب الرئيس، لكن ما يقرب من نصف البلاد يفضل ألا يُصدِّق الأخبار. إن الكونجرس سيحمي ترامب طالما أن حزبه يسيطر على أحد مجلسيه. والمدَّعون المحليون والمدَّعون المدنيون مقيدون بشدة في سعيهم نحو تحقيق العدالة ضد رئيس قابع في المنصب.

والرأي العام منقسم وعاجز حتى الانتخابات القادمة. وكان مكتب المستشار الخاص – الذي يسبر غور مسألة التدخل الروسي في انتخابات عام 2016 والمؤامرة المحتملة من حملة ترامب ومحاولات الرئيس اللاحقة لعرقلة التحقيق – يمثل الجهة الوحيدة التي تتمتع بالحق في مساءلة ترامب.

لم يكن بوسع مولر تقديم الرئيس إلى المحاكمة، ناهيك عن إرساله إلى السجن، لكنه كان يمكن أن يفضح مخالفات ترامب بالكامل ويقدِّمها إلى ممثل ادِّعاء مستقبلي، باستخدام قوة الاستدعاء واجبة النفاذ أمام هيئة محلفين كبرى. لقد اعتمدت جميع المؤسسات ونظم الحكم الدستورية الخاصة بمبدأ الفصل بين السلطات على مولر وفريقه. ومع استمرار عملهم خلال عامي 2017 و2018، مع سلسلة من لوائح الاتهام وصفقات الإقرار بالذنب، توقع عديد من الأمريكيين أن يؤدي التحقيق إلى إسقاط ترامب.

سطور مطموسة

وفجأة في مارس (أذار) 2019 أكمل مكتب المحقق الخاص عمله. وسلَّم التقرير وبه عديد من السطور المطموسة إلى المدَّعي العام. وقبل نشره للجمهور أعلن بار أن الرئيس بريء، في مزيج وقح من الحذف والتحريف والأكاذيب الصريحة – لأن التقرير قدَّم أدلة واسعة على التعاون بين حملة ترامب والروس، وعلى جهود الرئيس لعرقلة العدالة. وكان الدرس الذي استخلصه ترامب من تحقيق مولر أنه يستطيع فعل أي شيء يريده.

يقول وايزمان في مقدمة كتابه: «هل قدمنا ​​كل ما لدينا – هل استخدمنا جميع الأدوات المتاحة لكشف الحقيقة، دون أن يردعنا هجوم الصلاحيات الفريدة للرئيس لتقويض جهودنا؟ أعرف الإجابة الصعبة على هذا السؤال البسيط: كان بوسعنا فعل المزيد». وفي موضع آخر من الكتاب، يعترف: «كما هو الحال بالنسبة للكونجرس، نحن مذنبون لعدم الضغط بأقصى ما نستطيع للحصول على أدلة». ويضيف: «جزء من السبب الذي جعل الرئيس وداعميه قادرين على التلاعب بالتقرير هو أننا تركنا ساحة اللعب مفتوحة أمامهم».

وايزمان ممثل ادِّعاء فيدرالي سابق من نيويورك، ويشتهر بالجرأة وانتهاج الدقة. وقد فاز بقضايا ضد رؤساء المافيا والمديرين التنفيذيين في شركة إنرون، وعمل بصفته محققًا عامًّا لمولر في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وأصبح رئيس قسم الاحتيال الجنائي بوزارة العدل في عهد الرئيس أوباما. وعندما عُيِّن مولر محققًا خاصًا في مايو (أيار) 2017، اختار وايزمان لقيادة «الفريق M» – المجموعة المسؤولة عن القضية ضد بول مانافورت، رئيس حملة ترامب الفاسد السابق. وكان الجزء الخاص بهم هو الجزء الأكثر وضوحًا في التحقيق حيث قدَّموا لائحة اتهام مبكرة وأدين مانافورت بتهمة الاحتيال الضريبي وتهم أخرى.

ضابط مخابرات روسي

اقترب «الفريق M» أيضًا من تحديد خيوط مؤامرة بين حملة ترامب والحكومة الروسية. وفي 2 أغسطس (آب) 2016، تناول مانافورت العشاء في مدينة نيويورك مع كونستانتين كليمنيك، وهو رجل أعمال أوكراني المولد مرتبط بعلاقات مع المخابرات الروسية والأقلية الحاكمة. وكان مانافورت، الذي يعمل لصالح بعض أفراد الأقلية الحاكمة، يُطْلِع كليمنيك على إستراتيجية الحملة، بما في ذلك بيانات الاقتراع الحسَّاسة.

وأثناء تناول العشاء، وصف مانافورت إستراتيجية ترامب في أربع ولايات حاسمة. وقدَّم كليمنيك بدوره «خطة سلام» روسية ليوافق عليها ترامب، وكانت الخطة ترقى إلى مستوى ضم شرق أوكرانيا. وقد حدد تقرير مجلس الشيوخ في الشهر الماضي هوية كليمنيك بأنه ضابط مخابرات روسي وكشف التقرير عن علاقته المحتملة بعمليات التدخل في انتخابات 2016.

وفي ظل عدم وجود صفقة قابلة للاكتشاف بين حملة ترامب والأصول الروسية، جرى بسهولة التقليل من شأن عدد جهات الاتصال وحالات التلبس واستعداد ترامب ومستشاريه للكذب بشأن ذلك. يقول وايزمان في كتابه: «إن الأمل في الكشف عن شيء أعظم شوَّه إدراكنا لما كُشِف بالفعل».

وشعر وايزمان وزملاؤه بالإحباط عن طريق الصدفة؛ حيث وصل ريك جيتس، مساعد ترامب السابق، متأخرًا لتناول العشاء مع كليمنيك ولم يتمكن بعد ذلك من إخبار المحققين بكل ما ناقشوه. لقد أعاقهم قرار مولر بعدم فحص تعاملات ترامب المالية مع روسيا، والتي ربما تكون قد أدَّت إلى نشوء مصدر نفوذ روسي على ترامب، لكن الرئيس أعلن أنها خط أحمر لا يمكن تجاوزه. كما أصابهم الإحباط بسبب الحنث باليمين؛ لأن مانافورت لم يتوقف عن الكذب على «الفريق M».

مكتب المحقق تحت التهديد

إن مكتب المحقق الخاص عمل تحت تهديد مستمر بأن ترامب سيقيل مولر، ملثما أقالَ ريتشارد نيكسون أرشيبالد كوكس، أول مدعٍ خاص في ووترجيت، في مجزرة ليلة السبت. وحاول ترامب عدة مرات التخلص من مولر، لكن أتباعه منعوه لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى كارثة قانونية وسياسية. ومع ذلك فإن التهديد لم يختفِ أبدًا، وفي النهاية خدم مصالح الرئيس جيدًا. يقول وايزمان في كتابه: «إن شبح توقفنا أدَّى إلى نوع من عدم الاستقرار في عملية صنع القرار لدينا».

ويصف الكتاب عديدًا من الأمثلة التي رفض فيها مولر اتباع مسار جريء خوفًا من رد فعل البيت الأبيض. على سبيل المثال: امتنع المحقق الخاص عن استدعاء دونالد ترامب جونيور للإدلاء بشهادته حول اجتماعه السيئ السمعة في يونيو (حزيران) 2016 في برج ترامب مع محامٍ روسي يسيء إلى هيلاري كلينتون.

ويُلقي وايزمان باللوم في هذا الجبن المستمر على أحد كبار نواب مولر الآخرين، وهو محامٍ يُدعى آرون زيبلي حيث يقول: «مرارًا وتكرارًا خلال 22 شهرًا من العمل، كنا نصل إلى مرحلة حرجة في تحقيقنا لكي يقول لنا آرون إننا لا نستطيع اتخاذ إجراء معين لأنه قد يؤدي إلى تفاقم حالة الرئيس بما يتجاوز نقطة انهيار غير محددة».

الافتقار إلى الشجاعة

وصف لي وايزمان هذا الافتقار إلى الشجاعة من جانب زيبلي والنفور من مواجهة القبح القادم من ترامب. وأشرتُ إلى أن كل هذه كانت قرارات مولر في نهاية المطاف، ووافق وايزمان على ما قلته.

إن الصورة التي يرسمها وايزمان لمولر تُعد صورة رجل معجب به ومُحِب له. إن مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق مخلص وساحر للغاية في بعض الأحيان. ويبذل وايزمان جهودًا كبيرة لفهم تفكير مولر في اثنين من قراراته المركزية: عدم استدعاء ترامب، وعدم الإشارة بوضوح في التقرير إلى الدليل الموجود في المجلد الثاني؛ أي إعاقة ترامب لسير العدالة.

وبالنسبة لأمر الاستدعاء، أخبرني وايزمان أن السبب الوارد في التقرير – أن المعركة القانونية كانت ستؤخر التحقيق دون داعٍ – لم يكن صريحًا، حيث إن أمر الاستدعاء الذي صدر في بداية التحقيق كان يمكن أن تحسمه المحكمة العليا قبل أشهر من تاريخ انتهاء التقرير.

ويكشف وايزمان أن السبب الحقيقي لعدم استجواب الرئيس هو نفور مولر من الدخول في مواجهة انفجارية مع البيت الأبيض. وفيما يتعلق بعرقلة سير العدالة رفض مولر اتخاذ قرار بسبب سياسة وزارة العدل الراسخة بأنه لا يمكن توجيه لائحة اتهام ضد رئيس في المنصب.

ذهول من تفكير مولر

يعترف وايزمان قائلًا: «لقد أصابني الذهول من تفكير مولر». إن المحقق الخاص مُطالَب بتقديم توصية قانونية بشأن الوقائع وتقديمها في وثيقة داخلية خاصة بالوزارة إلى النائب العام. ويمكن أن يقرر بار إبقاء التقرير خاصًا. أو، إذا نُشِر، يمكن لترامب استخدام منصته التي لا مثيل لها للدفاع عن نفسه أمام البلاد. أو يمكنه اختيار أن توجه إليه اتهامات ويحاكم من أجل تبرئة اسمه.

وناقش وايزمان هذه الحجج مع المحامي الذي كلفه مولر بصياغة هذا المقطع المخادع من التقرير. يقول وايزمان لزميله: «أعتقد أيضًا أنها تبدو شفافية مخادعة. عندما لا يكون هناك دليل كافٍ على جريمة، نقول ذلك في المجلد الأول. ولكن عندما يكون هناك دليل كافٍ مع عرقلة، فإننا لا نقول ذلك. من الذي سينخدع بذلك؟ إنه واضح جدًا».

كان مولر وبار صديقين قديمين. وكتب وايزمان أنه قبل عدة أسابيع من تقديم التقرير، أبلغ مولر بار بنيته حذف أي توصية قانونية. ولم يعترض بار. ودون أن يبلغ مولر، انتهز الفرصة لتشويه التقرير بما يفضي إلى تبرئة الرئيس، وبذلك تختفي حقائق دامغة. يقول وايزمان: إن «بار خان الصديق والوطن معًا».

أما مولر فلم يكن قادرًا على الإبحار في العالم الذي أعاد ترامب تشكيله. لقد تصرف بنزاهة صارمة وسمح لفريقه بالتعرض للترهيب على يد أشخاص ليس لديهم أي وازع أخلاقي على الإطلاق. وأدَّى نفوره العميق من الدعاية إلى التزامه الصمت عندما كان الجمهور في حاجة ماسة إلى الوضوح بشأن تقرير المحقق الخاص والغامض الذي يصعب فهمه في بعض الأحيان. كما أدَّى إحساسه بالعدالة إلى تقديم حقائق الجريمة الرئاسية إلى إدارة كانت في حالة حرب مع الحقائق، ووثق أن صديقه بار سيتصرف على نحو صحيح، دون أن يدرك أن بار قد انحرف.

فرصة تاريخية ضائعة

وفي مقابلتنا، سألتُ وايزمان حول ما إذا كان مولر قد خذل الشعب الأمريكي فقال: «نعم بالتأكيد»، ثم أضاف: «لن أقول أنه مولر فحسب، بل أقول «المكتب» بالكامل. وهناك كثير من الأشياء التي قمنا بها على نحو جيد، وكثير من الأشياء التي كان بوسعنا القيام بها على نحو أفضل، ولكننا لم نفعل لنكون دبلوماسيين حيال الأمر».

– هل كان فرصة تاريخية ضائعة؟

وكان رد وايزمان مقتضبًا. «هذا صحيح». ومع النهاية التي وصل إليها مكتب المستشار الخاص، ذهب الرادع الحقيقي الوحيد لسلطة ترامب غير المقيدة، إلى أن تحين الانتخابات القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى