ترجمات أجنبية

“ذا هيل” – القوات الأميركية أنجزت مهمتها في العراق ويجب سحبها

موقع “ذا هيل”  –  دانيال ر. ديبتريس* –  15/4/2021

قبل بضعة أيام، التقى وزير الخارجية الأميركي، أنطوني بلينكين، مع نظيره وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في اجتماع عبر تقنية الفيديو، في أول حوار استراتيجي يجري بين الولايات المتحدة والعراق منذ تنصيب إدارة بايدن.

وتناول الحديث مجموعة من المواضيع، من تعميق العلاقات التجارية بين البلدين إلى مساعدة بغداد على تنويع مصادر الطاقة بدلاً من الاعتماد الكامل على الطاقة الإيرانية. وبينما لم يتم إبرام أي اتفاقيات، نجح الوفدان؛ الأميركي والعراقي، في التوصل إلى تفاهم مشترك بشأن وجود القوات القتالية الأميركية -وهو وجود يُقال إن واشنطن وبغداد عازمتان على تقليصه.

وجاء في البيان المشترك للولايات المتحدة والعراق أنه “بناءً على القدرة المتزايدة لقوات الأمن العراقية، أكد الطرفان أن مهمة القوات الأميركية وقوات التحالف قد تحولت الآن إلى واحدة تركز على التدريب والمهام الاستشارية، وهو ما يسمح بعملية إعادة نشر لأي قوات أميركية مقاتلة متبقية من العراق، مع تحديد التوقيت في المحادثات الفنية المقبلة”.

ولكن، إذا كانت إدارة بايدن تبحث عن وقت مناسب لسحب القوات الأميركية المتبقية البالغ عددها 2.500 جندي من العراق، فإنها لن تحتاج إلى أن تنظر بعيدًا. فالوقت هو الآن. وكلما طال انتظار الرئيس بايدن لإصدار أمر بإعادة نشر القوات، زادت صعوبة القيام بذلك وزادت احتمالية توسيع مهمة الولايات المتحدة هناك لتشمل مناطق خارج نطاق مكافحة الإرهاب.

عندما بدأت إدارة أوباما حملتها الجوية ضد “داعش” في خريف العام 2014، كان الغرض من ذلك التدخل واضحًا: منع الجماعة الإرهابية من الاستيلاء على أراضٍ إضافية، وإنقاذ المدنيين العراقيين المحاصرين على جبل سنجار من موت شبه مؤكد، وتوفير الوقت الكافي لقوات الأمن العراقية للتعافي من سلسلة الهزائم المحرجة التي تعرضت لها في شمال وغرب البلاد. وقال الرئيس أوباما في كلمة وجهها إلى الأمة في الليلة الافتتاحية للحملة الجوية: “بصفتي القائد العام، لن أسمح بأن تنجرّ الولايات المتحدة إلى خوض حرب أخرى في العراق”.

والآن، بعد مرور أكثر من ستة أعوام على تلك الحملة -وأكثر من ثلاثة أعوام منذ أن أعلنت الحكومة العراقية انتهاء الحرب ضد “داعش”- تحقق هدف الأمن القومي للولايات المتحدة المحدد في ذلك اليوم بتميز واضح. فمن خلال مزيج فعال للغاية من قوة النيران الجوية الأميركية والتنسيق التكتيكي مع القوات البرية العراقية وقوات البشمركة الكردية والعمليات الأميركية الخاصة، أصبحت فلول “داعش” الآن في وضع يستطيع الجيش العراقي إدارته. وبينما يواصل ما يقرب من 10.000 مقاتل من “داعش” الاختفاء والاحتماء، أصبحت الجماعة الإرهابية نفسها في وضع يائس مقارنة بما كانت عليه في ذروة قوتها. اليوم، لم يعد “داعش” خلافة إقليمية تسيطر على أراضٍ ولم يعد يختلف كثيراً عن أي فصيل عراقي آخر يفعل ما في وسعه لمحاربة الحكومة المركزية. ولعل الفارق الوحيد بين “داعش” وباقي الميليشيات العراقية هو أنه يقاتل على جبهات متعددة ضد أعداء متعددين -والذين لديهم كلهم مصلحة في القضاء عليه.

بطبيعة الحال، ما يزال بإمكان “داعش” شن هجمات ضد الجيش العراقي والسكان المدنيين. وسوف يواصل التنظيم شن هذه الهجمات على الأهداف التي تتيحها الفرصة، سواء كانت قوافل عسكرية عراقية تسافر في مناطق نائية أو سوقاً مكتظة في العاصمة العراقية.

لكن حقيقة أن “داعش” ما يزال يعمل في العراق لا تعني أن القوات الأميركية تحتاج إلى أن تكون هناك. في واقع الأمر، وكما قال التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والمفتش العام الأعلى في وزارة الدفاع لمهمة مكافحة “داعش”، تُظهر قوات الأمن العراقية كفاءة ومهارة أكبر في العثور على معسكرات “داعش” ونقاط تواجده وذخيرته واجتثاثها وتدميرها. ولم يعد الجيش العراقي في 2021 نفس تلك القوة المثيرة للشفقة والفاسدة ومحبطة المعنويات التي فرت من الموصل والمدن الأخرى في شمال العراق في العام 2014. وبحسب تقدير الجيش الأميركي نفسه، فإن العراقيين قد “دمجوا” أصولهم الاستخباراتية والمراقبة والاستطلاع وأشركوها معاً في المداهمات والغارات التي ينفذونها ضد “داعش”، وفي كثير من الحالات، تنفذ عمليات من دون الاعتماد على مساعدة التحالف. ويشكل جهاز مكافحة الإرهاب العراقي، الذي يعد جزءاً فقط من الجهد الشامل، واحداً من أكثر الفرق تفانيًا وقدرة من بين الفاعلين الخاصين في الشرق الأوسط اليوم.

لا يعني هذا أن العراق سيرى السلام والازدهار في أي وقت قريب. ما يزال البلد مجزأ للغاية عبر الخطوط الطائفية والمناطقية. وأصبحت الميليشيات الشيعية العراقية نفسها التي اعتمدت عليها بغداد في وقت مبكر من الحرب لدعم حملتها ضد “داعش” أكثر ثراءً وقوة مما تريده الحكومة العراقية. وقد سار بعض رجال هذه الميليشيات نفسها في العاصمة العراقية مؤخرًا، مهددين بقطع أذني رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي. ويعاني الاقتصاد العراقي من عجز ومن تخلف متكرر عن سداد فواتير الكهرباء. وقد تراجع الاقتصاد العراقي بنسبة 10 في المائة العام الماضي.

ومع ذلك، لا يمكن للجيش الأميركي أن يحل أياً من هذه المشاكل الداخلية -ولا ينبغي للعراقيين أن يتوقعوا أن من الجيش الأميركي أن يحلها.

ما يزال العراق موطنا للآلاف من مقاتلي “داعش” الذين ما يزالون في الميدان. لكن هجمات الكر والفر غير المتكافئة والكمائن العرضية التي ينصبها التنظيم للدوريات العراقية في الصحراء ليست تهديدات مباشرة للأمن القومي للولايات المتحدة.

تستطيع إدارة بايدن أن تسحب القوات الأميركية المتبقية في العراق ورأسها مرفوع عالياً. فالمهمة التي سعت واشنطن إلى إنجازها -القضاء على الخلافة الإقليمية لتنظيم “داعش”- قد انتهت. وسوف يؤدي ربط انسحاب القوات الأميركية بتاريخ غير محدد إلى جر الجيش الأميركي وتوريطه بشكل أعمق في الشؤون الداخلية العراقية الفوضوية -وهو ما سيكون وصفة لدفع تكلفة كبيرة من دون أي منفعة.

* دانيال ر. ديبتريس – زميل في “أولويات الدفاع”، وكاتب عمود في الشؤون الخارجية في مجلة “نيوزويك” وكاتب مسهم في “ذا هيل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى