ترجمات أجنبية

ذا نيو ستيتسمان – سيكون الهدف الأول لنفتالي بينيت كزعيم للحكومة الإسرائيلية الجديدة هو تدميرها

ذا نيو ستيتسمان  – بقلم ديمي رايدر* –  14/6/2021

للمرة الأولى منذ 12 عامًا، يقود إسرائيل الآن رئيس وزراء ليس بنيامين نتنياهو. وقد لا يبدو هذا الوقت طويلاً وفقًا لمعايير الرجال الأقوياء غير الليبراليين في العالم، مثل فلاديمير بوتين (22 عامًا)، أو الجيران مثل بشار الأسد في سورية (21 عامًا). لكنها فترة طويلة جدًا حتى بالنسبة لديمقراطية معيبة ومحدودة مثل إسرائيل.

لف نتنياهو المجال السياسي ومؤسسات الدولة من حوله إلى درجة تطلب معها إسقاطه تشكيل أكثر التحالفات بُعداً عن الاحتمال في تاريخ إسرائيل كله. واعتبارًا من صباح يومه الأول في الحكومة، تتكون الأغلبية الهزيلة للائتلاف الجديد بـ61 مقعدًا من 120 مقعدًا، من 25 مقعدًا للوسط غير المتبلور أيديولوجيًا؛ و20 مقعدًا لليمين المتطرف؛ و13 مقعدًا لليسار الناعم؛ وأربعة مقاعد للحزب الإسلامي “راعم”. وعلى نحو مربك، لن تكون رئاسة الوزراء لدى أكبر حزب في الكتلة الوسطية الأكبر (حزب “يش عتيد” الذي ينتمي إليه يائير لبيد، مع 17 مقعدًا)، وإنما مع حزب صغير في الكتلة اليمينية المتطرفة: حزب نفتالي بينيت “يمينا”، الذي لديه ستة مقاعد فقط. وقد يتولى لابيد القيادة في غضون عامين فحسب، بموجب اتفاق على التناوب.

قد لا يكون هذا منطقيًا من الناحية العددية داخل الائتلاف، لكن الكثير ينطوي على المنطق في سياق البرلمان الأوسع: من بين جميع أحزاب الائتلاف، كان بينيت هو الخيار الأعظم بين الشركاء المختلفين من بين المعارضة، وهكذا، كان صاحب النفوذ الأكبر على الرغم من أدائه الضعيف في الانتخابات.

وفي الوقت نفسه، فإنها أحزاب الوسط واليسار الناعم هي التي تمتلك أغلبية داخل الائتلاف، ولذلك، فإن المساحة المتاحة لقيام بينيت بتحركات تاريخية طموحة -مثل ضم الضفة الغربية، على سبيل المثال- صغيرة للغاية. وعلى الرغم من كل الحديث عن كونه “ائتلاف التغيير”، فإن هذا الائتلاف أكثر احتمالاً لأن يكون حكومة استمرارية وجمود.

لحسن حظ بينيت ولابيد، ثمة حاجة في الواقع إلى القليل من التغيير فقط حتى يبقى التحالف قائماً. ولك أن تسميه استقراراً أو أن تسميه ركوداً، لكنَّ نتنياهو لم يترك لهما سوى القليل نسبياً من الحرائق لإطفائها. وعلى الرغم من أن الحكومة الجديدة ممتلئة بالساسة الذين حصدوا وقت البث على مر السنين وهم يوجهون الدعوات للقضاء على حماس، إلا أن هناك رغبة ضئيلة للغاية في الحكومة -وغني عن القول، في غزة- لخوض جولة جديدة من القتال بعد فترة وجيزة من الحرب الأخيرة. وقد خرجت عملية سلام الدولتين تماماً عن إيقاع الواقع. وليس لدى السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس أي نفوذ يمكن استخدامه، ولا ينظُر أي طرف في الائتلاف الإسرائيلي الجديد إلى إحياء المحادثات كأولوية.

وينطبق الشيء نفسه على إدارة الرئيس جو بايدن في الولايات المتحدة، التي يُرجَّح أن تكون أهم أولوياتها الإقليمية هي إعادة تفعيل الاتفاق النووي الإيراني وتأمين التعاون الإسرائيلي (أو على الأقل التقليل من التخريب الإسرائيلي) بشأن المحادثات للمساعدة على تقييد برنامج إيران النووي وقصره على الاستخدام المدني. وهناك، أيضًا، يبدو احتمال نشوب أزمة ضئيلاً نسبيًا: ففي حين لا يعتقد أحد في إسرائيل أن وجود طهران نووية هو فكرة جيدة، فلا أحد تقريبًا في إسرائيل يشارك نتنياهو هوسه المستمر منذ عقود بإيران كألمانيا نازية جديدة أو رفضه الكامل لاحتوائها دبلوماسياً. وينطبق الشيء نفسه على الناخبين، الذين أدلى عدد قليل منهم -إن وجد- بأصواتهم حصريًا على أساس موضوع التهديد الإيراني. وبالكاد ظهرت هذه القضية كاعتبار انتخابي مستقل في السنوات الأخيرة. وقد جعل نتنياهو التحدي المتمثل في الوقوف في وجه الولايات المتحدة بشأن إيران محور خطابه الناري الذي ألقاه يوم الأحد الماضي، ومن المرجح أن يخِز بينيت بلا هوادة بهذا الموضوع. ولكن في الوقت الحالي، ليس لدى بينيت الكثير ليخسره والكثير ليكسبه من اللعب مع إدارة بايدن حول المحادثات النووية -خاصة وأن الفوز المحتمل لمتشدد في الانتخابات الإيرانية المقرر إجراؤها في 18 حزيران (يونيو) قد يضع عصا في الدواليب من دون أي جهد إضافي الجانب الإسرائيلي.

وأقرب إلى الوطن، وصلت أكبر أزمة إسرائيلية في السنوات الأخيرة -جائحة الفيروس التاجي- إلى نهايتها إلى حد كبير، مرة أخرى بفضل برنامج التطعيم الجسور الذي أطلقه لنتنياهو. وسيتعين على حكومة بينيت أن تعيد وصل القطع اقتصاديًا (كان نتنياهو، وهو رأسمالي متشدد في سياسة عدم التدخل، مترددًا للغاية في دعم الشركات المتعثرة أثناء الإغلاق). ولكن، من المرجح أن تكون مفاوضات ميزانية الإغاثة عمليَّة وواقعية. قد تكون مسألة تمويل المستوطنات (التي تدعمها الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة) مقابل تمويل الشركات في داخل إسرائيل (الذي يؤيده كل الآخرين) نقطة شائكة، لكنها لن تدمِّر الائتلاف ما لم يرغب عدد كافٍ من الأطراف في ذلك.

أخيرًا، ثمة إرث متأخر وغير مرغوب فيه من عهد نتنياهو، هو التصعيد الأخير للتوترات الطائفية بين المواطنين الفلسطينيين واليهود في إسرائيل. وربما سيكون هذا أكبر تحدٍ محلي يواجهه بينيت. لكن ائتلافه مدعوم من حزب إسلامي فلسطيني، “راعم” الذي تفاوض بالفعل على بعض المكاسب في قضايا رئيسية متعلقة بالمجتمعات العربية (بما في ذلك تعليق التطبيق التمييزي للغاية لقوانين البناء، المألوف للمراقبين الغربيين في شكل عمليات الهدم المتكررة للمنازل والمجتمعات الفلسطينية). وبالتالي، سيكون لدى بينيت سبيل وذريعة لطمأنة نفس المجتمع الذي تعهد “بعدم التسامح” مطلقاً مع تطلعاته الوطنية. أما إلى أي مدى سيذهب في هذا الشأن، فلا أحد يعرف، لكنه تعهد بشكل يستحق الملاحظة بفتح صفحة جديدة في العلاقات اليهودية العربية داخل إسرائيل -في تناقض صارخ مع صمته التام بشأن المحادثات مع القيادات الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.

وهكذا، مع وجود أزمات قليلة نسبيًا، هل سيستقر بينيت في رئاسته التي كانت بعيدة الاحتمال للوزراء ويحاول تحقيق أقصى استفادة من عامين هادئين، قبل تسليم السلطة على النحو الواجب للابيد؟ غير مرجح. في الواقع، إذا كان بينيت ملتزمًا عن بُعد بالأهداف التي دخل معترك السياسة من أجل تحقيقها (بدءًا من تحقيق إسرائيل الكبرى غير المقسمة)، أو حتى مجرد البقاء في السلطة، فإن أولويته الأولى والأهم يجب أن تكون تدمير الحكومة التي بناها بشق الأنفس، واستبدالها بشيء أكثر تماسكًا من الناحية الأيديولوجية.

على عكس شركائه في التحالف، لدى بينيت كل شيء ليلعب به: يشكل معظم شركائه السياسيين الطبيعيين غالبية المعارضة. وسيكون التحدي الأكبر الذي يواجهه هو استبدال لابيد وأحزاب اليسار الناعم بأحزاب يمينية، مع الاحتفاظ برئاسة الوزراء على الرغم من امتلاكه ستة مقاعد فقط باسمه. وسوف يكون أسهل طريق لتحقيق ذلك هو هندسة أزمة ائتلافية حول تحول رئيسي في السياسة اليمينية -على سبيل المثال، الضم، أو شيء متعلق بالقدس الشرقية- ثم دعوة حزب نتنياهو، الليكود، والأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة إلى السلطة، مع استبعاد نتنياهو نفسه على أساس الذريعة الأخلاقية المتمثلة في تورط رئيس الوزراء السابق في محاكمة جنائية. وسيحتاج بينيت حوالي نصف المقاعد فقط بين هذه الأحزاب لتحقيق هذا الهدف، ولا يوجد ما يمنعه من دمج حزبه مع بعض نواب الليكود ليصبح زعيم أكبر تجمع في الكنيست. وهناك بند يقول شيئاً في اتفاق الائتلاف، والذي يعِد بإقرار تشريع لخفض نسبة المقاعد المطلوبة لتقسيم كتلة؛ ومهما كان الغرض، يبدو تشجيع الأحزاب على الانقسام حاضراً إلى حد كبير على جدول أعمال الحكومة الجديدة.

ومع ذلك، فإن النقطة المقابلة هي أن المعلِّم الأعظم لمثل هذه التكتيكات ما يزال في الساحة إلى حد كبير: لم يقم أحد بتمزيق وإعادة تدوير أحزاب المعارضين بشكل خيالي وفعال مثلما فعل نتنياهو. وتهيئ عروضه المثيرة للشفقة أثناء الفترة الانتقالية (على سبيل المثال، مقاطعة مراسم تسليم السلطة) المشهد لقيادة معارضة مقاتلة ستلعب دورًا قذرًا، والتي ستبذل قصارى جهدها، كما تعهد علنًا، لإسقاط الحكومة في أقرب وقت ممكن. أما الائتلاف غير المتوقع الذي أطاح بنتنياهو فإنه يظل كذلك: غير متوقع وبعيد عن الاحتمال. والسؤال الوحيد هو، من الذي يسقطه ويحطمه، ومن الذي سينتهي به المطاف في القمة؟

* بيديمي رايدر هو محرر المشاريع الخاصة في مجلة “ذا نيو ستيسمان”.و هي مجلة سياسية وثقافية بريطانية تصدر أسبوعيا في لندن .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى