ترجمات أجنبية

ذا نيويوركر – بقلم ستيف كول –  في غزة ، لا يمكن الخطأ في الوصول إلى طريق مسدود لتحقيق الاستقرار

ذا نيويوركر  – بقلم ستيف كول* –  23/5/2021

أدى استمرار احتلال إسرائيل للضفة الغربية وحصارها القاسي على غزة إلى تقويض مبادئها الدستورية وتفاقم خطوط الصدع الداخلية التي تهدد مستقبلها.

في أوائل شهر أيار (مايو)، اشتبك فلسطينيون يحتجون على الإخلاء الوشيك لست عائلات من منازلها في القدس الشرقية مع الشرطة الإسرائيلية. وبالنسبة للعديد من الفلسطينيين، استحضرت قضايا الإخلاء الأخيرة هذه تاريخًا طويلًا من نزع الملكية الفلسطينية، بينما قدمت أدلة جديدة على الجهود المستمرة التي تبذلها إسرائيل لإخراجهم من المدينة. وسرعان ما تحولت هذه الاحتجاجات وغيرها بشأن حقوق الفلسطينيين في القدس إلى معارك شوارع، بينما حذرت حماس من معقلها في قطاع غزة من أنها “لن تقف مكتوفة اليدين” إزاء ما يحدث. وفي العاشر من أيار (مايو)، أطلقت قواتها وابلاً من الصواريخ والقذائف على القرى والمدن الإسرائيلية، ورد الجيش الإسرائيلي بضربات جوية على غزة، وأطلق ذلك حربًا صغيرة ذات أبعاد مألوفة محبطة -هي الرابعة خلال اثني عشر عامًا- بين إسرائيل وحماس في غزة.

ويوم الخميس قبل الماضي، بعد 11 يومًا من الدمار والخسائر في الأرواح، والوساطة وراء الكواليس من قبل إدارة بايدن ومصر، أعلن المتقاتلون عن وقف لإطلاق النار. وكان للنزاع وإنهائه المُعلن جانب طقوسي: كانت كل من إسرائيل وحماس تعرفان منذ البداية أن الدبلوماسية الدولية ستقدم لهما طريقاً للخروج عندما يكون كلاهما جاهزًا لذلك. وعلى الرغم من أن اتفاقيات وقف إطلاق النار السابقة لم تصمد دائمًا في البداية، لا يبدو أن أيًا من الطرفين يرغب في خوض حرب طويلة هذه المرة. وبالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو -الذي يواجه تهمًا بالفساد والذي كافح من أجل التمسك بالسلطة بعد انتخابات عدة غير حاسمة- فإن التفوق على حماس، ولو لفترة وجيزة، قدّم تكرارًا لدوره الأسطوري الذي رسمه لنفسه كحامٍ عنيد لإسرائيل. وبالنسبة لحماس، سمحت معركة محدودة باسم القدس لها بتعزيز مساعيها لتولي القيادة الفلسطينية، في وقت بدا فيه الخصم الرئيسي للحركة، حزب فتح، ضعيفًا، بعد أن قام زعيمه محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، بتأجيل انتخابات كانت مرتقبة منذ فترة طويلة.

كان واضحاً دائماً، كما هي العادة، من سيكون الخاسر: سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، الذين كانوا عالقين في أزمة إنسانية حتى قبل سقوط القنابل عليهم. وتفرض إسرائيل ومصر حصارًا على الجيب، حيث فاقمت جائحة فيروس كورونا معدلات الفقر المرتفعة أصلاً. وفي أكثر من ألف غارة جوية وصاروخية، قالت إسرائيل إنها استهدفت قادة حماس و”البنية التحتية” العسكرية. ولكن، على الرغم من أن القوات الإسرائيلية تبنت قواعد هجوم مصممة لحماية غير المقاتلين، فقد تصاعدت الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين. وسوف يكون من المضمون أن يؤدي حتى استخدام قوة نيران جوية دقيقة نسبيًا ضد منطقة مكتظة بالسكان مثل غزة، إلى قتل المدنيين الأبرياء. وقد تسببت الهجمات الإسرائيلية في مقتل أكثر من مائتين وثلاثين فلسطينياً، من بينهم أكثر من ستين طفلاً، ودمرت أو ألحقت أضراراً كبيرة بالمستشفيات والمساكن وأنظمة الصرف الصحي وشبكة الكهرباء.

وجدَت سهيلة الطرزي، التي تدير المستشفى الأهلي العربي في مدينة غزة منذ حوالي خمسة وعشرين عامًا، نفسها مرة أخرى وهي تستقبل عشرات المرضى، هذه المرة “بأطراف مكسورة -الكثير منهم”، كما قالت يوم الأربعاء. وكانت إمدادات الديزل للمولدات، المصدر الوحيد الموثوق لتوفير الكهرباء في منشأتها، منخفضة؛ وكان على الطرزي تقنين الطاقة للحفاظ على عمل غرف العمليات وآلات الأشعة السينية. ولم يتمكن مديرها الطبي من الحضور في ذلك اليوم، لأن هجومًا إسرائيليًا أصاب الحي الذي يسكن فيه، وكان في حاجة إلى رعاية شقيقاته المسنات اللواتي أخلينَ منزلهن. وغير بعيد من المستشفى، كان قسم من الطريق المكتظ في شارع الوحدة في حالة خراب كامل، بعد أن هدمت غارة إسرائيلية في 16 أيار (مايو) المباني في الحي وقتلت 42 شخصًا، من بينهم 16 امرأة و10 أطفال. وقد اعترفت إسرائيل بوقوع هذه الخسائر في صفوف المدنيين. وقال ناطق عسكري إن غارة دمرت نفقًا تستخدمه حماس، ما تسبب عن غير قصد في انهيار منازل مجاورة. ومن جانبها، أطلقت حماس أكثر من أربعة آلاف صاروخ وقذيفة في هجمات عشوائية، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 12 شخصًا في إسرائيل.

بينما كانت صور القتلى والمصابين في غزة تنتشر عبر وسائل الإعلام العالمية، لم يوجه الرئيس الأميركي، جو بايدن، أي انتقاد إلى إسرائيل في العلن. وفي الأسبوع قبل الماضي، أكدت رواية صادرة من واشنطن التناقض بين دبلوماسية القناة الخلفية التي يستخدمها الرئيس واستعداد الديمقراطيين التقدميين في الكونغرس، مثل النائبة رشيدة طليب، لاتهام إسرائيل علانية بارتكاب جرائم حرب. ومن المؤكد أن بايدن تأثر بتجربته في التعامل مع إسرائيل كنائب للرئيس خلال فترة إدارة أوباما، بما في ذلك خلال الصراع الرئيسي الماضي في غزة الذي اشتعل في العام 2014، عندما وجه الوزراء الإسرائيليون سهام النقد إلى وزير الخارجية آنذاك، جون كيري، بسبب الضغط الذي مارسه عليهم، من وجهة نظرهم، من أجل وقف لإطلاق النار قبل الأوان.

وكان نتنياهو معروفاً بإحراج باراك أوباما وتجاهله. ولم يكن من قبيل الصدفة أن أوباما وبعض مستشاريه فقدوا الثقة في إمكانيات تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وفي مذكراته، “أرض موعودة”، يروي أوباما كيف أقام، في العام 2010، مأدبة عشاء ضمت نتنياهو وعباس وبعض الزعماء العرب قبل أن يفكر في وقت لاحق من تلك الليلة في أن “جميع الأطفال، سواء كانوا في غزة أو في المستوطنات الإسرائيلية” الذين يختبرون “بشكل أساسي العنف، والإكراه، والخوف، ورعاية الكراهية، لأنه، عميقاً في النفوس، لم يعتقد أي من القادة الذين التقيت بهم بأن أي شيء آخر كان ممكناً”. ولا يوجد سبب وجيه للاعتقاد بأن وجهة نظر بايدن اليوم هي أكثر إشراقًا بكثير، ومع ذلك يبدو أن دبلوماسيته التقليدية، فن الممكن، قد ساعدت على وقف العنف الأخير المدمر.

لا يمكن عزل الأزمة الأخيرة في غزة عن سياقها واعتبارها مجرد حلقة عابرة أخرى في حرب حماس الدائمة ضد وجود إسرائيل. وقد تزامن القتال مع صدمات حدثت داخل حدود إسرائيل المعترف بها، حيث قطع عنف الغوغاء ومحاولات الإعدام خارج نطاق القانون العلاقات بين المواطنين والجيران من اليهود والعرب. وقد سحبت مجموعة من العرب سائقًا يُفترض أنه يهودي من سيارته في عكا وضربوه بشدة، بينما نظم متطرفون يهود فرقاً أهلية في عشرات المجموعات على “واتس-اب” وهاجموا مواطنين عرباً ومحلات عربية في “بات يام” وأماكن أخرى. وفرضت إسرائيل حالات الطوارئ في بلدات ومدن عدة، وقمعت العنف، مؤقتًا على الأقل.

يفترض أن إسرائيل هي الديمقراطية الأطول عمراً في الشرق الأوسط -وبالعديد من المقاييس، الدولة الأكثر نجاحًا في المنطقة- ومع ذلك، عمل استمرار احتلالها للضفة الغربية وحصارها القاسي لقطاع غزة على تقويض مبادئها الدستورية، وفاقم الانقسامات الداخلية التي تهدد مستقبلها. وما يزال نتنياهو في السلطة بشكل متواصل منذ العام 2009، لكن تحالفاته مع الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة وحركات المستوطنين الألفيين، إلى جانب رفضه المصالحة مع الفلسطينيين، فشلت في توفير الأمن الدائم. ومن السهل أن نخطئ في قراءة مأزق فنعتبره استقراراً. ولكن، مهما طال وقت وقف إطلاق النار المعلن في غزة، فسوف يكون هناك سبب أقل للخلط بين حالة الهدوء والسلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى