غزة

د. يوسف يونس يكتب – عام على انطلاق مسيرات العودة و اتجاهات الاوضاع في قطاع غزة

بقلم : د. يوسف يونس (نائب رئيس مجلس ادارة مركز الناطور للدراسات والابحاث)

يبدو ان قطاع غزة لازال مصرا ان يكون في قلب الحدث الفلسطيني، مرتبطا بالوطن الفلسطيني، رغم كل محاولات الاقصاء والابعاد ، بحجة الانقسام ، فقد جاءت الايام الاخيرة مليئة بالاحداث في القدس والضفة الغربية والتي اكدت ان الشعب الفلسطيني لازال يمسك بزمام المبادرة في المشهد الدولي والاقليمي رغم ما تحاول بعض الاقلام المشبوهة ترويجه بادعاء ان القضية الفلسطينية قد ذهبت الى غياهب النسيان ولم تعد تشغل اهتمامات الرأي العام العربي والعالمي.

ولقد جاءت التطورات المتسارعة في الوطن الفلسطيني لتؤكد ان هذه القضية العادلة لا يمكن بأي حال من الاحوال ان تنسى ان ان يتجاوزها احد حتى وان كان اسمه ترامب حاملا صفقة العصر الامريكي الفاشلة قبل ان تولد بالرغم من كل الهدايا التي يتم تقديمها لاسرائيل عربونا لقبول الصفقة التي لم تعلن تفاصيلها حتى الان ولازالت في اطار التكهنات والتوقعات والتسريبات.

ويقترب قطاع غزة من استحقاق الذكرى السنوية الاولى لانطلاق مسيرات العودة على حدود قطاع غزة والتي حملت أمال الشعب الفلسطيني بالعودة الى اراضي المحتلة عام 1948 ، وبينما يتجهز المواطنون والنشطاء والتنظيمات للمشاركة في هذه المسيرة ، يتسابق الكثيرون لتجاوز اي تدهور محتمل للاوضاع من الممكن يحدث يوم غدا السبت 30 اذار .

ونظرا للانعكاسات والتداعيات المحتملة والمخاطر المرتقبة في الساعات القادمة في ضوء احتمالات انفجار الاوضاع على حدود قطاع غزة ، سنسعى من خلال تقريرنا التالي عرض المعطيات المتعلقة بمواقف الاطراف الرئيسية والاحتمالات المستقبلية المتوقعة في ظل المخاطر الكامنة التي تحملها اتجاهات الازمة في قطاع غزة وامكانية انعكاساتها على المشروع الوطني الفلسطيني برمته .

سنستعرض في البداية توقيت التصعيد الحالي في قطاع غزة ، ثم نعرض ما توفر لدينا من تقديرات استخبارية اسرائيلية حول اتجاهات الاوضاع، والحشود العسكرية التي قام الجيش الاسرائيلي بالدفع بها الى حدود قطاع غزة ، وخيارات حركة حماس للتعامل مع الاوضاع ، والمقترحات التي قدمها الوسيط المصري ، وصولا الى استعراض الخيارات المستقبلية المحتلة.

التوقيت :

جاءت موجة التصعيد الحالية متزامنة مع :

1 – قبل اسبوعين من الانتخابات العامة حيث لا ترغب اسرائيل في الدخول في معركة قبل اجراء الانتخابات. 2 –  تواجد نتنياهو في الولايات المتحدة للحصول على هدية انتخابية تمثلت في الاعتراف بسيادة اسرائيل على هضبة الجولان المحتلة، اضافة الى حضور مؤتمر الايباك السنوي.

3 – التوتر في السجون الاسرائيلية بسبب تركيب مشوشات ضد المكالمات الهاتفية لللاسرى وقيام اسرى حماس بطعن اثنين من السجانين.

4 – التوتر في القدس على خلفية احداث باب الرحمة في القدس ، بالرغم من التسوية التي تم التوصل اليها مع المملكة الاردنية.

5 – الاستعدادات  لاحياء الذكرى السنوية الاولى لمسيرات العودة على طول الحدود.

6 – توتر الاوضاع الداخلية في قطاع غزة في ضوء الازمة الاقتصادية وانفجار احتجاجات شعبية في وجه حركة حماس حملت شعار “بدنا نعيش”، واجهتها حماس بقسوة وعنف ساهم في توتير الوضع في قطاع غزة.

7 – تزامن اطلاق الصواريخ مع تحركات الوفد المصري لمتابعة محادثات التهدئة، الهادفة الى التوصل الى هدنة في قطاع غزة بين حركة حماس واسرائيل.

 

تقديرات استخبارية اسرائيلية :

  • لم تتبن اسرائيل الاقتراحات التي عرضتها مصر والامم المتحدة، في محاولة لتخفيف الازمة الاقتصادية ووضع البنى التحتية في قطاع غزة. ايضا تصميم حماس على عدم التوصل الى حل حول موضوع الاسرى صعب التوصل الى تسوية. هذا الجمود ادى الى اندلاع اعمال العنف قبل سنة بالضبط، ومنذ ذلك الحين استشهد 300 فلسطيني في القطاع في المواجهات على حدود قطاع غزة.
  • سيجد نتنياهو صعوبة في تقديم التنازلات الكبيرة التي تتوقعها حماس، لأن خصومه السياسيين سيعرضون ذلك على الفور وكأنه تنازل وخضوع لحماس، وسيواجه نتنياهو اتهامات في الداخل الاسرائيلي :

1 – تتهم قوى اليسار نتنياهو بعدم بلورت استراتيجية سياسية – امنية شاملة تدعم استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية لتعزيز قوتها بين الجمهور الفلسطيني في مقابل حماس، ولذلك اعتبر نتنياهو : “إن من يعارض اقامة دولة فلسطينية ملزم بان يؤيد نهجه تجاه غزة”، الداعم لشق الشعب الفلسطيني الى كيانين، في الضفة وفي غزة، كي يصفي عمليا الدولة الفلسطينية الموحدة. ​

2 – قوى اليمين تعتبر ان وتيرة الاحداث أملتها حماس وليس اسرائيل، بينيت، ليبرمان وغيرهما يرون نسبة الحسم قريبة تحتهم، ويجب عليهم الآن تمييز انفسهم عن الليكود. وتطالب قوى اليمين الإسرائيلي باستعادة الردع وتوجيه ضربة قاصمة لقطاع غزة واغتيال قيادات التنظيمات الفلسطينية.

  • بينما يبحث الجيش الاسرائيلي في احتمالية أن تكون حماس تقوم بعملية “خداع استراتيجي”، هناك تناقض بين تقديرات المستويات الأمنية والعسكرية في اسرائيل حول القدرة على إدارة حرب على مختلف الجبهات، ما يشير إلى حالة من الإرباك ، ما يمكن اعتباره أحد أهم الأسباب التي من شأنها أن تجعل المستوى السياسي في إسرائيل، أكثر تردداً في اتخاذ قرار الحرب.
  • يتجنب الجيش الاسرائيلي استهداف منظومة حماس الصاروخية، وخاصة بعيدة المدى، لاعتبارات مهنية وعملياتية. ووفق تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية، فإن حركة حماس حاولت الحفاظ على وتيرة التوتر وعدم اجتياز الحدود، باعتبار أن جولات التصعيد المتتالية انتهت إلى تسهيلات مدنية ومالية للحركة، إلاّ ان فشل حماس في الحصول على المزيد من التسهيلات ، خاصة فيما يتعلق بكسر الحصار، قد يدفع حركة حماس إلى الإقدام على خطوة متطرفة بهدف الحصول على تسهيلات للتخفيف من الضائقة الاقتصادية في قطاع غزة.
  • إطلاق الصواريخ على منطقة “غوش دان” ، وبالرغم من انه اعتبر تجاوز “الخطوط الحمراء” ، الا ان الرد الاسرائيلي جاء غير متناسب، بسبب فترة الانتخابات ، وهذا ما عزز الاتهامات للمستوى السياسي بالمسؤولية عن تآكل الردع الإسرائيلي ، الذي أصبح الآن بحاجة ماسة لإعادة بنائه. 
  • تستبعد التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية احتمالات التوصل في الوقت الحالي الى “تسوية كبيرة”، تهدئة لعدة اشهر مقابل تسهيلات اكبر، فالجدول الزمني مضغوط، لذلك سيكون من الصعب بلورة اتفاق شامل عشية الانتخابات في اسرائيل.

الحشودات العسكرية :

  • ​افادت المعلومات ان تعزيزات الجيش الاسرائيلي في الجنوب بدأت في اعقاب اطلاق صاروخ على منطقة تل ابيب. حيث تم ارسال قيادة فرقة وثلاثة الوية نظامية الى منطقة النقب، جزء من هذه القوات سيعزز الوحدات الثابتة التي وضعت على طول الحدود ، لمواجهة ذروة مسيرات العودة على الحدود يوم السبت في 30 آذار، هذا هو يوم الارض والذكرى السنوية لـ “مسيرات العودة”. ووفق المعلومات فقد تم استدعاء لواءين من وحدات الجيش الاسرائيلي الى حدود قطاع غزة مدعمة بسرب من المروحيات العسكرية ، لواء جولاني ، الفرقة السابعة المدرعة ، الفرقة 36 (فرقة التدخل السريع)، لواء الناحال ، وقوات مدرعة أخرى. وسيتم نشر قوات لواء المظليين على طول حدود قطاع غزة.
  • تم الغاء الاجازات نهائيا في المنطقة الجنوبية وقوات التعزيز ستبقى في الميدان الى جانب قوات الاحتياط التي تم استدعاؤها. وتم رصد تحركات دفاعية تمثلت في تحصين وحماية وإغلاق مؤسسات ونشر المزيد من بطاريات القبة الحديدية والعصا السحرية وربما استخدام منظومة ثاد الأميركية.
  • تتحدث الاوساط الاستخبارية الاسرائيلية عن ثغرة استراتيجية خطيرة تمثلت في فجوات في انتشار القبة الحديدية، سواء بسبب أخطاء عملياتية أو نقص البطاريات. فبالرغم من ان تقرير للجنة الخارجية والامن أقر الحاجة الى 13 بطارية على الاقل الا ان الجيش الاسرائيلي يستخدم فقط ست بطاريات وسابعة في حالة الطواريء. ويفترض أن يتزود ببطارية ثامنة حتى نهاية السنة. علاوة على ان مدى الاعتراض الاقصى للقبة الحديدية هو 50 – 60 كيلو متر ومن الصعب أن يعترض قذائف الهاون للمدى القصير من 5 – 7 كيلو متر.
  • تشير المصادر الاستخبارية الاسرائيلية الى وجود ثغرة اخرى في الدفاعات الاستراتيجية الاسرائيلية تمثلت في عدم انجاز الحائط التحت ارضي الدفاعي المضاد للانفاق الذي تم البدء في انشائه على حدود قطاع غزة والذي كان من المفترض ان ينتهي العمل منتصف العام الحالي الا ان احداث مسيرات العودة عرقلت بصورة كبيرة انجاز هذا المشروع الاستراتيجي. 

خيارات حماس :

  • طورت حركة حماس تعاملها مع مسيرات العودة وتحولت الى اشتباكا يوميا مع قوات الاحتلال نجح في تهديد مستوطنات غلاف غزة ووحدات الجيش الاسرائيلي على الحدود وتطور الى اطلاق صواريخ على منطقة تل ابيب مما عزز المؤشرات على تآكل عامل الردع الذي طالما تميز به الجيش الاسرائيلي.
  • تقرأ حماس الخريطة الإسرائيلية وتستغلها للحفاظ على مستوى منخفض من التوتر بهدف الحصول على المزيد من المكاسب والتسهيلات ، مستبعدة قيام اسرائيل بتنفيذ عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة في مرحلة الانتخابات ، وتعتبر ان تعزيزات الجيش الإسرائيلي على حدود قطاع غزة هي جزء من نشاط إعلامي .  ولذلك تسعلى حماس لإبتزاز حكومة نتنياهو وسط زحمة الحملة الإنتخابية لتحسين المكتسبات، لإعتقادها، ان إسرائيل الآن ليست جاهزة لعملية عسكرية كبيرة، وقد يكون التصعيد محسوبا.  
  • ليس من المعروف بعد اذا كان اطلاق صاروخ “غوش دان” جاء ردا على ما يحدث في السجون الاسرائيلية ، خاصة التطورات التي تجري في سجن كتسيعوت في النقب و التي ادت الى اصابات خطيرة في صفوف الاسرى، ام ان اطلاق الصاروخ جاء بشكل تلقائي نتيجة المنخفض الجوي الشديد الذي تتعرض له المنطقة . الا انه من المؤكد ان هذه الحادثة لم تكن مصادفة او خطأ خاصة وان الصاروخ الذي تم اطلاقه من النوعية المتطورة التي تقع تحت سيطرة مركزية مشددة في قيادة كتاب القسام. اضافة الى ان عملية إطلاق الصواريخ تحتاج إلى العديد من الاجراءات والتجهيزات العسكرية المتعارف عليها والتي تتضمن التجهيز وتحديد الاتجاهات واحداثيات الهدف ولا تتم بصورة عشوائية.
  • على الرغم من ان اسرائيل نجحت أبان حرب 2014 ، وما بعدها ، في تدمير معظم الانفاق والتي كانت تعتبر بمثابة سلاح حماس الاستراتيجي، كما انها نجحت في تقليص عمليات تهريب الصواريخ والوسائل القتالية، فقد جاءت موجة التصعيد الاخيرة لتؤكد أن حركة حماس لا تزال لديها قدرة صاروخية مؤثرة، خاصة الصواريخ ذات المدى البعيد، نجحت في تكوينها من انتاج ذاتي، بمساعدة من حزب الله وايران. ووفق التقديرات لدى حماس والجهاد بضعة الاف من الصواريخ لمدى 40 كيلو متر وبضع عشرات اخرى حتى  80  كيلومتر وعدد مشابه لمدى 100 كيلو متر واكثر. ورغم انها غير دقيقة الا انها قادرة على الحاق اضرار جسيمة تصيب العمق الاسرائيلي مباشرة.
  • تواجه حركة حماس ظروف غير سهلة في الداخل، فمظاهرات الاحتجاج التي نظمت في الاسابيع السابقة قمعت بقبضة حديدية من قبل حماس، لكن اذا لم تتمكن حماس من تقديم انجاز حقيقي تحصل عليه من اسرائيل فهي ستقف امام موجة احتجاجات أكثر شدة من سابقتها.
  • يتركز خطاب حركة حماس، حول التهدئة طويلة الأمد، بما يساعدها لاستمرار السيطرة على قطاع غزة وتخفيف الحصار وفق صفقة شاملة ، سيواجه حتما بعقبات واعتراضات داخلية وخارجية، قد تدفع بالاوضاع باتجاه عمل عسكري في قطاع غزة قد يساعد على تصفية “البؤر الرافضة”، وصولا الى تمرير “الصفقة الشاملة”.

 الوساطة المصرية :

  • كشفت مصادر عن اجتماع الوفد الأمني المصري مع ممثلي قوى فلسطينية ضمت حماس، الجبهتين الشعبية والديمقراطية وحركة الجهاد في قطاع غزة، مساء يوم 28-3-2019، واستمر اللقاء لأكثر من 5 ساعات في مكتب يحيى السنوار، وفد المخابرات المصري قدم لحماس اقتراحًا إسرائيليًا بهدنة تشمل تسهيلات في مجال التصدير والاستيراد بغزة وزيادة عدد الشاحنات التي تدخل قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم”، وإدخال الأدوية والبضائع الممنوع دخولها لقطاع غزة، وإصلاح خطوط الكهرباء، وزيادة مساحة الصيد إلى 12 ميلًا وتحسين الكهرباء. مقابل وقف فعاليات الإرباك الليلي ووقف إطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة، وابعاد التظاهرات عن الحدود، وضمان أن مظاهرة يوم الأرض “السبت” القادم ستكون غير عنيفة.
  • أعربت حماس عن استعدادها لمناقشة وقف أنشطة وحدات “المضايقة الليلية” وإطلاق البالونات مقابل تنازلات إسرائيلية ، لكنها اعترضت على الالتزام بـ “مسيرة المليون” وكبح جماح المتظاهرين.   
  • كشف مصادر اسرائيلية عن صعوبات خطيرة وفجوات هائلة بين الطرفين فـ “إسرائيل” مستعدة لتقديم سلسلة من التنازلات لغزة، بما في ذلك توسيع منطقة الصيادين وتوسيع دخول البضائع والأموال القطرية وغيرها. حماس لا تستطيع الامتثال لمطالب إسرائيل حتى يتم رفع الحصار بالكامل، بما في ذلك ميناء بحري. وهذا ما رفضته اسرائيل التي ربطت الامر بانهاء موضوع الاسرى ، وهذا ما ادى إلى وصول المفاوضات الى طريق مسدود”.

 تصورات محتملة :

  • بالرغم من ان نتنياهو وحماس لا يزالان غير معنيان بحرب شاملة مع غزة، الا ان الحرب يمكن ان تنشب في اية لحظة لان للتصعيد منطق خاص به، لا يكون للطرفين دوماسيطرة عليه. وللدقة، الاعتبارات الامنية والسياسية ستدمج معا.  ومن الجدير بالذكر فقد بدأت حرب “عمود السحاب” في شهر 11-2012م على خلفية تصعيد الاحداث في قطاع غزة، في ذروة الحملة الانتخابية، وفي حينه تحفظ  نتنياهو على تنفيذ عملية واسعة، لكنه وجد نفسه فيها ازاء انتقادات وجهت اليه بسبب تخليه عن سكان غلاف غزة. وبعد ايام وبعد تجميد اسرائيل لـ 80 ألف جندي من الاحتياط اوقفت العملية دون الدخول البري للجيش الاسرائيلي الى القطاع. وقف اطلاق النار تم التوصل اليه في حينه بوساطة مصر، ولكنه حققق الهدف الاخطر والاهم وهو اغتال رئيس اركان كتائب القسام احمد الجعبري.

 الخيار الاول: الحرب الشاملة : 

  • يقوم نتنياهو بالحصول على اجماع اسرائيلي من كافة القوى السياسية والامنية والعسكرية بالموافقة على الهجوم الشامل على غزة ويبادر الى هجوم عسكري واسع النطاق يؤدي الى احتلال قطاع غزة وانهاء حكم حماس وتسليم القطاع الى قوات دولية تحدد مصيره وتبدأ مشاورات مع دول المنطقة للبحث في المستقبل السياسي للقطاع بعيدا عن السلطة الفلسطنيية. وهناك العديد من العوامل التي تجعل هذا الخيار مستبعدا في المرحلة الحالية خاصة بسبب الانتخابات الاسرائيلية وتعارض هذا الخيار مع الرؤية الاستراتيجية التي يتبناها نتنياهو تجاه قطاع غزة والتي ترى بضرورة ابقاء الانقسام الفلسطيني بما يضعف الموقف السياسي الفلسطيني ويساعد على تمرير أية تصورات اسرائيلية تتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية.
  • ويتعارض هذا الخيار مع طبيعة الضربات العسكرية التي نفذتها قوات الجيش الاسرائيلي مؤخرا ضد اهداف تابعة لحركة حماس والتي حافظت على نفس وتيرة التوازن القائمة والتركيز على عدم ايقاع خسائر بشرية في كلا الجانبين، وهو ما يعني عدم تغيير نمط العمل وعدم تغيير الوضع الاستراتيجي.
  • الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، ربما حققت ردعاً هشاً وهدوءاً مؤقتاً، مع دمار كامل لقطاع غزة، في وقت قامت به حركة حماس بتطوير أسلحتها وأنفاقها، ووفق التقديرات الاستخبارية الاسرائيلية ونتيجة لاستخلاص العبر من الحروب السابقة على القطاع، فان خيار الحرب البرية الشاملة على قطاع غزة، يبدو هو الخيار الارجح ، الا ان الموقف السياسي العام والتقارير التي تحدثت عن عدم جاهزية الجيش الاسرائيلي لهذا الخيار يجعله مستبعدا.

 الخيار الثاني ؛ تهدئة طويلة الامد :

  • نجاح الجهود المصرية في التوصل الى اتفاق تهدئة بين الجانبين الاسرائيلي وحركة حماس يستمر بموجبه الاعتراف بسلطة حماس في قطاع غزة ، وتخفيف الحصار المفروض على قطاع غزة وتقديم المزيد من التسهيلات المالية والاقتصادية تتعلق بحركة البضائع والافراد وتوسيع مساحة الصيد وحل مشكلة الكهرباء بصورة كبيرة مقابل توفير ضمانات دولية للرقابة على قدرات المقاومة وعمليات تصنيع وانتاج الصواريخ وتهريب الاسلحة وعمليات اطلاق الصواريخ باتجاه اسرائيل ووقف الاحتجاجات على الحدود.
  • هذا الخيار يبدو مدعوما من غالبية القوى السياسية الاسرائيلية ولا يتعارض مع الاستراتيجية العامة التي يتبناها نتنياهو تجاه القضية الفلسطينية والمرتكزة على ابقاء الانقسام الفلسطيني والحفاظ على حكم حماس وابقاء سيطرتها في قطاع غزة بعيدا عن السلطة الفلسطينية وكذلك معزولة عن المجتمع الدولي وخاضعة بصورة كاملة للسيطرة الاسرائيلية القادرة على تغيير شروط الامر الواقع بما يتلاءم مع توجهاتها الاستراتيجية.
  • هذا الخيار يتعارض الموقف الميداني في قطاع غزة وسيطرة النفوذ الايراني في المنطقة اضافة الى سيطرة الاجنحة العسكرية للتنظيمات في قطاع غزة وعدم امكانية تجاوزها وقدرتها على عرقلة اية تفاهمات او اتفاقيات تتعارض مع مصالحها وارتباطاتها الخارجية.
  • كما يتعارض هذا الخيار مع الاوضاع الاقتصادية المتأزمة في قطاع غزة والتي ستكون حركة حماس مسؤولة عنها بصورة كاملة في ظل هذا الخيار وهو ما يعني المزيد من الازمات والتوترات في مواجهة حركة حماس التي ستكون عاجزة عن تحمل اعباء ادارة قطاع غزة بمفردها .
  • ويتعارض هذا الخيار ايضا مع عددا من الملفات الصعبة التي توفرت القليل من المعلومات حولها في الساعات الاخيرة وخاصة امكانية الوصول الى تهدأة شاملة في ظل صعوبة تحقيق انجاز يتعلق بملف تبادل الاسرى وهو الامر الذي سيحول دون نجاح هذا الخيار وسيبقيه في اطار الهدنة المؤقتة فقط وتحسين الاوضاع لمدى زمني محدود بما يتناسب مع رغبة اسرائيل في تجاوز ازمة الانتخابات ورغبة حماس في تجاوز ازمة الاحتقان الداخلي .

 الخيار الثالث  ؛ حرب محدودة ثم صفقة شاملة :

  • يشير هذا الخيار الى مخطط ثلاثي المراحل يتلخص في شنّ عدوان واسع؛ ثم التوصل إلى تهدئة؛ وصولا مسار اقتصادي طويل المدى. ووفق هذا الخيار فان الحرب المحدودة تستهدف تصفية بعض القيادات المعطلة لصفقة التهدأة طويلة الأمد بضمانات دولية وتواجد على الحدود وممر مائي لقبرص التركية أو اليونانية وبهذا يفك الحصار بالكامل على أساس دويلة منزوعة السلاح شكلية القواعد إدارية إقليمية كجزء من صفقة القرن الإنفصالية ،  وفي الضفة الغربية يتم ضم الكتل الاستيطانية والمناطق ج الى السيادة الاسرائيلية واعلان المناطق المتبقية مناطق حكم ذاتي اداري.
  • وهناك العديد من المؤشرات على احتمالات وقوع هذا الخيار اهمها طبيعة التعزيزات والحشودات العسكرية الاسرائيلية في محيط قطاع غزة وتلاؤم هذا الخيار للتوجهات الاستراتيجية الاسرائيلية لحزب الليكود الحاكم والكثير من القوى السياسية الاسرائيلية .
  • توفرت معلومات حول قيام رئيس الاركان الاسرائيلي “افيف كوخافي” ونائبه “ايال زامير” بصياغة خطط وسيناريوهات مصادق عليها من الكابينت لتنفيذ عملية عسكرية في قطاع غزة تبدأ من حيث انتهت حرب 2014 بقصف بعض المنازل وعمليات اغتيال لقيادات سياسية وعسكرية وبعض القادة الميدانين بهدف الإضرار بالقوة الاستراتيجية لحركتي حماس والجهاد في أقل فترة زمنية ممكنة، وسيتم إخلاء المناطق الإسرائيلية المحاذية لحدود غزة حتى لا يتم استهدافهم ، وسيوجه الجيش الإسرائيلي كثافته النارية نحو الأماكن القوية للحركتين، بهدف توجيه أكبر ضربة عسكرية مباغته في المرحلة الاولى.
  • حجم الحشودات التي ذكرناها سابق ، لا تشير الى توجهات اسرائيلية لتنفيذ عملية عسكرية واسعة وشاملة ضد قطاع غزة، وان كان الامر لازال في اطار التحضيرات والتجهيزات حتى اللحظة.
  • اضافة الى المعلومات التي اشارت الى ان الضربة الاسرائيلية الاخيرة استهدفت بعض مراكز القيادة والسيطرة التابعة لكتائب القسام والتي تعتبر مؤشرا على احتمالات قيام الجيش الاسرائيلي بتنفيذ هجمات مباغته في الساعات القادمة يمكن من خلالها التركيز على تنفيذ عمليات اغتيال ضد بعض قادة التنظيمات الفلسطنيية في قطاع غزة تمهد الطريق الى تمرير هذا السيناريو.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى