أقلام وأراءشوؤن عربية

د. يوسف يونس يكتب – تقدير موقف : المشهد الإقليمي والدولي واتجاهات عملية “درع الشمال”

بقلم : د. يوسف يونس، نائب رئيس مجلس إدارة مركز الناطور للدراسات

نشهد تسارعاً غير مسبوق في تصعيد الأوضاع الأمنية على الحدود بين لبنان. إسرائيل، حيث شرع الجيش الإسرائيلي في تنفيذ حملة أطلق عليها اسم “درع الشمال”، بغرض الكشف وإحباط الأنفاق، التي يزعم أن حزب الله يقوم بحفرها من جنوب لبنان إلى شمال فلسطين.
هذه الحملة ينفذها بقيادة المنطقة الشمالية وبمشاركة هيئة الاستخبارات وسلاح الهندسة وإدارة تطوير الوسائل القتالية ، وتشمل اغلاق مناطق قرب السياج الحدودي مع لبنان وإعلانها منطقة عسكرية مغلقة، وكذلك القيام بعمليات تحصين وحفر خنادق ووضع المزيد من العوائق من الكتل الصخرية الضخمة.
واعلنت إسرائيل عن اكتشاف أربعة انفاق تخترق الحدود بين إسرائيل ولبنان، خرج النفق الاول من بيت في كفر كلا، الملاصقة للقرية الزراعية المطلة، وهي واحدة من 260 قرية شيعية في جنوب لبنان وواحدة قريبة من الجدار مع اسرائيل. طول القرية ثلاثة ونصف كيلو متر، وعرضها نحو كيلو متر ونصف. نحو 10 الاف من السكان، معظمهم شيعة، يسكنون في هذه القرية. وكلهم تقريبا يشتغلون في الزراعة. القرية هي نطاق قتالي توجد فيه الوحدة الشرقية لحزب الله. في جنوب القرية يوجد طريق يمر على طول خط الحدود. وعلى طوله توجد شرفات مراقبة تستخدم ايضا للمظاهرات. وفي داخل القرية توجد قيادة رئيسة فيها نحو 20 مخزن من الوسائل القتالية، استحكامات قتالية، مواقع قادة، عشرات المواقع التحت ارضية للمقاتلين في حالة الطواريء ومنظومة استخبارات متطورة تقوم على اساس نقاط المراقبة والدوريات.
ويسكن عشرات من نشطاء حزب الله في القرية. في حالة القتال ستعززهم قوات كثيرة من الوحدات الخاصة “رضوان” التي تعود من سوريا بعد قتال استغرق ست سنوات على الاقل ومع تجرية عملياتية واسعة. ويفترض بمقاتلي المنظمة ان يرابطوا في القرى على طول خط الاشتباك مع اسرائيل – وان ينطلقوا في عملية هجومية ضد البلدات على الحدود. لكل مجال يوجد قائد وقيادة وفي اطار خطة الهجوم فان هذه القرى ستكون قاعدة انطلاق متقدمة للخلايا التي ستهاجم من فوق الارض.
وأعلن الجيش الإسرائيلي ١١-١٢-٢٠١٨م عن اكتشاف نفقا ثانيا شمال من النفق الأول وكلاهما في محيط بلدة المطلة الحدودية. واعلن العثور على النفق الثالث خارج كيبوتس يفتاح الإسرائيلي، الذي يقع على الطرف الثاني من الحدود قبالة قرية ميس الجبل اللبنانية. وصباح اليوم ١٦-١٢-٢٠١٨ تم الإعلان عن اكتشاف نفق رابع ، ي مؤشر على تحقيق حملة درع الشمال أهدافها المعلنة ، على الأقل، من جانب الحكومة الاسرائيلية (انظر الخريطة المرفقة).
ومع انطلاق حملة درع الشمال سارع المراقبون لتحليل ابعاد واتجاهات تلك العملية التي ترتبط بصورة مباشرة بتعقيدات المشهد الإقليمي، الذي عزز التحليلات التي اعتبرت انها ستكون عاملا مؤثرا وحاسما في الاحتمالات المستقبلية لتطورات الاوضاع على الجبهة الشمالية. وسنحاول في تقريرنا المرفق تقديم تقدير موقف للأوضاع على الجبهة الشمالية، وامتداداتها المحتملة، من خلال دراسة مواقف الأطراف المختلفة ، والعوامل المحددة لاتجاهات الاوضاع وصولا الى الاحتمالات المستقبلية المتوقعة.

أهداف عملية درع الشمال:
تقف إسرائيل أمام أربعة تحديات تتعلق بقدرات حزب الله العسكرية،
١ – الإنفاق الهجومية العابرة للحدود بين الجانبين،
٢ – كمية الصواريخ والمقذوفات الصاروخية التي توجد في ترسانة حزب الله؛
٣ – الصواريخ الدقيقة، والتي يبدو ان كميتها ليست كبيرة حاليا، وهي القادرة على أن تضرب اهدافا نوعية في اسرائيل،
٤ – مصانع الانتاج التي اقيمت/ستقام في لبنان من أجل ان تزداد كمية الصواريخ الدقيقة بعيدة المدى، او نقل صواريخ كهذه مباشرة من ايران الى لبنان (١).
جاء اختيار توقيت عملية درع الشمال استنادا الى اعتبارات تنفيذية، تكنولوجية واستخبارية، تتعلق بوصول الانفاق الى الجاهزية العملياتية، الى جانب اعتبارات سياسية داخلية وخارجية. ووفق ما أعلنته الحكومة الاسرائيلية فإن “درع الشمال” هدفها اجتثاث القدرة العملياتية لحزب الله والأخطار الكامنة في الانفاق الهجومية العابرة للحدود.
تستهدف حملة “درع الشمال” حشد الرأى العام العالمى ضد حزب الله واستهدافه بمزيد من العقوبات، ولذلك فقد سبق إنطلاق الحملة لقاء عاجل في بروكسل بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ونتنياهو الذي اصطحب مسؤولي جهاز الموساد والأمن القومي وسكرتيره العسكري، هدف اللقاء استخدام قناتي واشنطن – باريس لممارسة الضغوط اللازمة لمنع حزب الله من إمتلاك أسلحة ايرانية متطورة ودقيقة، والضغط على الحكومة اللبنانية لمنع الحزب من اقامة مصانع أسلحة ايرانية متطورة على الأراضي اللبنانية.
تأتي عملية درع الشمال متزامنة مع قلق إسرائيل من تطورات إقليمية هامة ومؤثرة، تمثلت في تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة وإعادة مركز ثقل نشاطات حزب الله من سوريا، الى جنوب لبنان، وتغيير انتشار قوات حزب الله في جنوب لبنان، واحباط الجهود الايرانية لنقل وسائل قتالية وتكنولوجية والصواريخ الدقيقة مباشرة الى بيروت دون استخدام الوسيط السوري، ما ادى الى نقل الصراع مباشرة الى لبنان (٢)
تسريع العمل في اقامة الجدار الحدودي بين البلدين، والذي يسير حاليا بشكل بطيء وخاصة في المناطق المختلف عليها، في منطقة المنارة – مسغاف عام وشرقي رأس الناقورة. وستسعى إسرائيل لاستغلال حملة درع الشمال لتسريع وتيرة العمل في الجدار الحدودي ، بموافقة ودعم دوليين ، مستغلة الادعاءات بخرق حزب الله للاتفاقيات الدولية السابقة، ولذلك قامت إسرائيل بإعدا ملف استخباري يتضمن معطيات “تدين حزب الله” بخرق قرارات الامم المتحدة. وستسعى إسرائيل أيضا لاستغلال الاوضاع لتمرير موقفها المتعلق بترسيم الحدود البحرية والتنقيب عن الغاز في البحر بين لبنان وإسرائيل. (٣)

العوامل المحددة للاتجاهات المستقبلية

الوضع الداخلي الاسرائيلي:
مع انطلاق حملة “درع الشمال” يجري في اسرائيل نقاش حول اهمية اكتشاف الانفاق، وظهرت ادعاءات المعارضة الاسرائيلية أن نتنياهو وايزنكوت قاما بتضخيم العملية، لاعتبارات خاصة بهما. اضافة الى ان حكومة نتنياهو لم تحسن إدارة العملية، وخاصة من جهة “معركة الوعي”، فالحملة تتم في الاراضي الاسرائيلية، والتقديرات تشير الى ان حزب الله لن يبادر الى تنفيذ عملية هجومية، وبدلا من توجيه رسالة ردع لحزب الله الذي قام بإختراق السيادة الاسرائيلية، اختارت اسرائيل تعظيم صورته المهددة والرادعة في نظر الجمهور الاسرائيلي (٤).
واتهمت المعارضة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بتضخيم مخاطر انفاق الشمال بهدف تجاوز أزمته الداخلية ، في أعقاب استقالة ليبرمان وتقلص الائتلاف الحكومي الى ان اصبح يحظى باغلبية ضئيلة، ٦١ عضو كنيست، وعملية كهذه تخدم نتنياهو من جهة حرف النقاش العام بعد نشر توصيات الشرطة ضده في ملف 4000، وتقديمه كسياسي يستطيع مواجهة التحديات الاقليمية المعقدة والمتغيرة التي تواجهها اسرائيل.
وفي المقابل أشارت المعلومات ان الكابنت وعدد من الجهات المختصة الاخرى، حصلوا على آخر المستجدات بشأن الانفاق في الشمال خلال الاشهر الاخيرة. وفي شهر شرين الثاني تم طرح النشاط الهندسي على الحدود الشمالية في نقاش في الكابنت وتم طرحه للتصويت عليها مع معارضة وزير الدفاع افيغدور ليبرمان، الذي اعتقد أن العملية في الشمال غير ملحة وأن عملية برية في غزة اكثر اهمية. وكان من المقرر ان تبدأ حملة “درع الشمال” في منتصف ١١-٢٠١٨م، ولكن عملية خانيونس في ١١-١١-٢٠١٨م والتصعيد الذي أعقبها في غزة ادى الى تأجيل العملية في الشمال. وتوفرت معلومات انه وخلال جلسة الكابينت في ١٣-١١-٢٠١٨ قاد آيزنكوت، بدعم من نتنياهو، الخط الذي يعارض عملية برية في غزة، بحجة التحضيرات لعملية الشمال (٥).
وردا على الانتقادات التي وصفت العملية انها حملة علاقات عامة مضخمة ودفاعية، تخيف الجمهور بلا داع. قام الجيش بالكشف عن تفاصيل وطبيعة التهديد (النفق الذي تم الكشف عنه اخترق بمسافة 40 متر داخل اراضي اسرائيل، اخترق مسار راكبي الدراجات لسكان المطلة). وأعطى رئيس الاركان لهذا الحدث أهمية كبيرة، ووصف آيزنكوت في محادثات مغلقة الانفاق باعتبارها العامل السري المفقود في خطة هجوم حزب الله على طول الحدود في حالة نشوب حرب. وحسب رأيه فان نقل عشرات وحتى مئات المقاتلين في هذه الانفاق كان يمكن أن يتسبب بأضرار، وربما تزيد عن الضرر المتوقع من عشرات الصواريخ الدقيقة التي توجد لدى حزب الله، والتي نجح الجيش الاسرائيلي في منع عمليات تهريبها بصورة واسعة من سوريا الى لبنان (٦).

الوضع الداخلي اللبناني :
يواجه حزب الله في الاشهر الاخيرة ازمة سياسية يجد فيها صعوبة في جني كل المكاسب السياسية التي طمح لها في اطار الجهود لتشكيل الحكومة في لبنان. حيث يسعى الى بلورة كتلة يكون له فيها على الاقل 11 وزير في الحكومة، وبذلك يمكنه منع اتخاذ قرارات اساسية لا تروق له. حسب الدستور في لبنان، القرارات المصيرية مثل الميزانيات، مشاريع وطنية أو عقد صفقات، تقتضي تأييد ثلثي اعضاء الحكومة. بناء على ذلك يكفي أن يكون لدى كتلة اغلبية الثلث زائد واحد، 11 من اصل 30 وزير، من اجل احباط اتخاذ أي قرار. من اجل استكمال نصاب مؤيديه طلب حزب الله اضافة عضو سني في الحكومة (حيث أن نصيب الاعضاء الشيعة تم استنفاده) من بين الاعضاء السنة الذين يؤيدونه. رئيس الحكومة السني، سعد الحريري، يعارض هذا الامر بسبب أن اضافة عضو سني ستأتي على حساب نصيب الوزراء من كتلته، ولأنه غير معني بمنح حزب الله القوة السياسية التي يطمح اليها. هكذا، طالما لا يوجد اتفاق على تشكيل الحكومة، لا توجد أي جهة يمكنها اتخاذ قرارات، وهو وضع استمر منذ الانتخابات التي جرت في أيار الماضي.
وفيما يتعلق بحملة درع الشمال الاسرائيلية، تشير تقديرات حزب الله أن العملية الاسرائيلية هي “عملية دفاعية”، طالما انها لم تخترق الاراضي اللبنانية، وبالتالي فانه من المستبعد التوجه إلى أي عملٍ عسكري، وبالتالي فإن الحزب لن يبادر بالرد على العملية الإسرائيلية؛ لأنها قد تجر الوضع لعملية دولية برئاسة الولايات المتحدة وفرنسا من خلال إدانة لبنان، وربما فرض عقوبات عليه، وربما تتطور الاوضاع لقيام إسرائيل بتوسيع رقعة عمليتها على الأراضي اللبنانية؛ من أجل المس بالقدرات الإيرانية لإقامة مصانع لإنتاج الصواريخ الدقيقة، ولذلك يمكن التقدير أن حزب الله غير معني في هذه المرحلة بالتصعيد العسكرية مع اسرائيل (٧)

المواقف الدولية :
بدأت واشنطن تضع في حساباتها احتمالات قيام نتنياهو بعمل متهوّر بسبب الأزمة الحكومية التي يواجهها وترؤُسه حكومة يمينية متطرّفة باغلبية ضئيلة، بعد استقالة افيغدور ليبرمان ، وفضائح الفساد التي تلاحقه، بعدما اوصت الشرطة بتوجيه الاتهام اليه. وتعتبر الإدارة الأمريكية ان خطوة متهورة من هذا القبيل ستؤثر على مخططات الإدارة الأمريكية في المنطقة وخاصة تلك التي تتعلق بإعلان «صفقة القرن»، التي أعلن الرئيس الأمريكية دونالد ترامب انها ستكون الخطوة الام على طريق اعادة صياغة منطقة الشرق الاوسط بما يخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية للسنوات القادمة. ولذلك بدت واشنطن حذرة في اندفاع نتنياهو في خطوات عسكرية متهوّرة قد تدفع بالأمور مرة واحدة في اتّجاه مواجهة شاملة، رغم انّ واشنطن تدرك بأنّ مشكلات الجيش الاسرائيلي كثيرة وكبيرة ما يعني أنه غيرُ جاهز للحروب (٨).
وفي المقابل ، وعلى الرغم من المعلومات التي تشير أن كلا الطرفين لا يبدوان على استعداد لخوض مغامرة عسكرية، الا أن هناك قلق روسي من احتمالات تدهور الأمور خاصة انه لا يمكن ضمان مسار الأمور، خاصة وأن إسرائيل تلوّح بأن تمتد العملية إلى داخل لبنان إن اقتضى الأمر ذلك، وهناك هامش كبير لوقوع الخطأ. ولذلك فان روسيا المعنية بالهدوء في لبنان تستطيع نظريا أن تطالب ايران بكبح حزب الله، ولكنها تحتاج الى ايران من اجل دعم العملية السياسية في سوريا، مثلما تحتاج ايران لروسيا من اجل تجاوز العقوبات الامريكية (٩).

الوضع على جبهة غزة :
رغم أن الجبهة الشمالية فعلياً تشكل التهديد الأكبر لإسرائيل، حيث تواجه الوجود الإيراني، وتقدم النظام السوري في السيطرة على أراضي الدولة، وتواجه، أيضاً، «حزب الله» الذي يمتلك إمكانيات، عسكرية كبيرة، إلاّ أن ذلك لا يعني تجاهل جبهة الجنوب حيث المقاومة في غزة. وقد ينطوي الاهتمام المفاجئ بأنفاق «حزب الله» في الشمال على قدرٍ من التضليل المقصود، إذ لا مؤشرات تدعو للاعتقاد بأن إسرائيل قررت شن حرب في الشمال، وهناك احتمال أن يكون النشاط في الشمال يهدف لحرف الأنظار عن عدوان عسكري إسرائيلي واسع في الجنوب ضد قطاع غزة. فالحرب على الجبهة الشمالية، تتخذ طابعاً دولياً واسعاً، ذلك أنه يندرج في إطار الصراع الإقليمي والدولي، ولذلك فإن فتح تلك الجبهة يخضع لحسابات دقيقة، نظراً لما ينطوي عليه من مخاطر. إن الظروف الراهنة، لا تسمح لإسرائيل ومعها الولايات المتحدة بأن تخلط الأوراق كلها في المنطقة، قبل أن تنجح الولايات المتحدة في بناء التحالف السنّي الذي تحدثت عنها، وطالما لم يتم بعد توثيق العلاقة بين إسرائيل والدول العربية المعنية بمواجهة الخطر الإيراني (١٠).

الاحتمالات المستقبلية :
انفاق حزب الله هي دائرة واحدة في دوائر التهديدات التي تواجهها اسرائيل من قبل حزب الله، ايران ، هذه الدائرة تنضم الى مشروع انتاج الصواريخ الدقيقة في لبنان، والى تمركز ايران العسكري في سوريا، بما في ذلك محاولات انتاج وسائل قتالية متطورة على اراضيه، وترسيخ قوة عسكرية شيعية فيه، والى المشروع النووي الايراني. وتقف اسرائيل أمام المعضلة الاستراتيجية للاختيار بين:
تنفيذ خطوة مبادر اليها الان لاحباط التهديد بقليل من الشرعية الدولية، كون العملية تتم في الاراضي الاسرائيلية. ونقل رسالة استراتيجية لحزب الله، الذي ثبت منظوماته العسكرية على السرية والمفاجأة، وان عليه أن يأخذ بالحسبان بانه مخترق امام المساعي الاستخبارية الاسرائيلية. ورسالة استراتيجية اخرى هي للامم المتحدة وللاسرة الدولية، وبموجبها فان منظومة الانفاق العسكرية لحزب الله حفرت من تحت اقدام القوة الدولية ونظام الرقابة على تنفيذ قرار مجلس الامن 1701 في ظل خرق السيادة الاسرائيلية وقرار الامم المتحدة.
تأجيل الخطوة – يمكن أن يسمح بحرب مستقبلية ان توقع على حزب الله ضربة هامة ومفاجئة حين يكون مقاتلوه داخل الانفاق. وابقاء الخيار للخروج في حملة كهذه في زمن الحرب، هو الاخر ليس معفيا من المخاطر، إذ ان هذا عمل محاذ للجدار ممكن ان يكلف اصابات عديدة في زمن القتال. اضافة الى ذلك، فان التأجيل يسمح باستمرار تعزيز وحفر مزيد من الانفاق حتى الحرب، الجهد الذي يحتمل أن يكون حزب الله سيتركه بعد أن فهم بان لاسرائيل قدرة استخبارية وتكنولوجية على تدمير انفاقه (١١).

الاحتمال الأول : عدم تصعيد الاوضاع :
بدأت عملية “درع الشمال” من اجل تحييد الانفاق الهجومية لحزب الله على الحدود وأعلنت إسرائيل ان العملية ترافقها خطة محوسبة تدمج كشف استخباري، احباط هندسي ونشاط دبلوماسي واعلامي، هدفها خلق وضوح امام لبنان، بشكل عام، وحزب الله، بشكل خاص، فيما يتعلق بأهداف العملية وحجمها، بهدف تقليص المخاطرة لاساءة فهم الخطوات الاسرائيلية، ومن اجل الحصول على دعم المجتمع الدولي للعملية. ولذلك جاءت التعليمات الصادرة لسكان الحدود الشمالية مع لبنان بمواصلة الحياة العادية، الا في مقاطع صغيرة قرب قرية المطلة حيث اغلقت امام المزارعين، واعتبر ذلك مؤشر على استبعاد حدوث حرب في المدى القريب.
ويستبعد هذا السيناريو تصعيد الاوضاع ويرجح بقاءها في المستوى الحالي المتمثل في استمرار حملة درع الشمال في دورها الأساسي القائم واستمرار كشف وتدمير الإنفاق الهجومية التي أنشأها حزب الله، مع احتمالات ان تحدث بعض الاشتباكات المحدودة بين الجانبين، التي يستبعد ان تتطور إلى حرب مدمرة في المنطقة، للاسباب التالية :
انفاق حزب الله ، التي لم تصل إلى قدرة عملياتية متقدمة، هي أداة حربية ثانوية، للطرفين، فاسرائيل أكثر قلقا من 120 – 150 الف صاروخ لدى حزب الله، ولا سيما من الجهد الذي بذلته المنظمة في السنتين الاخيرتين لتطوير صواريخ دقيقة – مما هي قلقة من الانفاق التي انكشفت وستنكشف في الاسابيع القادمة.
الردع المتبادل الذي يستند الى عوامل كثيرة أهمها نتائج حرب 2006، جعل كافة الأطراف، حزب الله وإيران وإسرائيل، غير معنية بالمواجهة العسكرية الشاملة ، التي ستستخدم فيها اسرائيل كل قوتها، ليس فقط ضد مشاريع الصواريخ ومواقع تخزينها واطلاقها، بل ضد كل لبنان. وكذلك فان الجبهة الاسرائيلية الداخلية ستكون عرضة لضربات صاروخية شديدة. ولذلك فإن التوجه إلى مواجهة عسكرية سيؤدي الى اختلال ميزان الردع القائم منذ حرب ٢٠٠٦، والذي استطاع من خلاله حزب الله تعظيم نفوذه في الداخل اللبناني وخارجه. ومنح اسرائيل الفرصة لمواصلة عمليات كشف الانفاق لنزع هذا السلاح من حزب الله وازالة التهديد عن السكان في المنطقة الحدودية. وبالتالي فان شبكة العلاقات المعقدة والقابلة للتفجر بين اسرائيل وايران وحزب الله دخلت الى مرحلة حساسة تحتاج ادارة حكيمة من اجل منع الانجرار الى حرب لطرفين غير معنيين بها. (١٢)
الحالة “الاستعراضية” التي يحتاجها نتانياهو للتخفيف عن أزماته في ظل الفشل الإسرائيلي على جميع الجبهات، ويحتاج العملية المحدودة للحفاظ على مستقبله السياسي في ظل الأزمات التي تعصف به، ويريد أن يظهر يقظة دفاعية في مواجهة “خطر” يحدق بإسرائيل ويدعي انه قام بعمل استباقي وقائي ليمنع هذا الخطر.
التزام نتنياهو بالنصائح الامريكية بعدم الدخول في حرب فيما يسعون لتحقيق ترتيبات سياسية في المنطقة تحضيرا لإعلان صفقة القرن، لكنه في الوقت ذاته أرسل لموسكو رسائل بكبح جماح حلفائها في المنطقة (١٣).
التحفظات الدولية تجاه تدهور الاوضاع بين اسرائيل وحزب الله ، فالإدارة الأمريكية، تعتبر ان أية مواجهة عسكرية واسعة في المنطقة تتعارض مع مخططاتها المتعلقة بإعلان «صفقة القرن»، التي يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خلاالها لاعادة صياغة منطقة الشرق الاوسط بما يخدم المصالح الاستراتيجية الأمريكية للسنوات القادمة. كما أبدى الروس معارضة شديدة لاندلاع مواجهة عسكرية واسعة بين حزب الله وإسرائيل، الامر الذي سيعيد خلط الأوراق مجددا وربما يفتح الباب أمام صراع إقليمي واسع، ولذلك فان روسيا طالبت ايران وحزب الله، بضبط النفس (١٤).
الاحتمال الثاني : المواجهة الشاملة :
نشاطات حزب الله، على الحدود السورية واللبنانية، تقلق الجيش الإسرائيلي، حيث انتقلت من مرحلة الاستفزازات، إلى مرحلة التهديدات، وانتقل معها الصراع الإيراني الإسرائيلي، ليصبح صراعا على عدة جبهات، أهمها الجبهة اللبنانية. وتثير النشاطات العسكرية الإيرانية في لبنان، خصوصا إقامة مصانع لزيادة دقة صواريخ حزب الله، مخاوف إسرائيل، مما يعزز التوقعات بإنفجار الأوضاع على الجبهة الشمالية.
هناك توقعات بتدحرج تدهور الأوضاع على الجبهة الشمالية، وصولا إلى عملية عسكرية واسعة، من شأنها تغيير موازين القوى الإقليمية ويمهد لمعادلة سياسية جديدة في لبنان. المقاربة تتم مع حقبة العام 1982 التي شهدت نهاية منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان وبداية مرحلة جديدة!. ولذلك فإن أي حرب قادمة ستكون مختلفة بطبيعتها ومآلاتها عن كل الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ 1948 وحتى حرب 2006 حيث ستمتاز بالشمول والتدحرج، ولن تشبه على الاطلاق المواجهات التي شهدتها اسرائيل في السابق. وستتسبب بمستويات غير مسبوقة من الدمار الخسائر في الجانبين. والحرب القادمة في الشمال ستجري ليس فقط بواسطة الدبابات والصواريخ، بل ستكون ايضا حرب معلومات، ستحسم لدى الرأي العام الدولي بصورة لا تقل عما هي الحال في ساحة الحرب. (١٥)
وهناك عوامل تعزز احتمالات تدهور الاوضاع باتجاه المواجهة الشاملة :
١ – تقلص هوامش التحرك أمام ايران، وأصبح لبنان الملعب الأكثر ملاءمة لإيران لتمرير سياساتها الإقليمية، ونظرا للقيود على توجهات الجنرال قاسم سليماني لإقامة قاعدة عسكرية في سوريا، أوعز لحزب الله لإقامة قاعدة سرية في الجولان، لأن الحزب يمتلك علاقات وثيقة مع سكان الهضبة، بجانب جبهة الجنوب اللبناني. ورغم ان هذه الجهود ما زالت في بداياتها، إلا أن الخطورة تكمن في القرار الإيراني بإقامة مصانع لإنتاج القذائف والصواريخ الدقيقة في لبنان، بعد أن حاولوا إرسال شحنات من هذه الأسلحة إلى لبنان عبر سوريا، لكن إسرائيل أحبطت معظم هذه المحاولات باستهداف القوافل التي كانت تحملها. وحاول الإيرانيون إقامة مصنع لإنتاج هذه الصواريخ داخل سوريا، لكن إسرائيل أحبطت هذه الجهود، مما دفع سليماني لإقامة هذه المصانع داخل لبنان اعتقادا منه أن إسرائيل لن تغامر في مهاجمة مواقع حزب الله داخل لبنان (١٦).
٢ – التحدي الاستراتيجي لإسرائيل على الجبهة الشمالية لا يتمثل في انفاق حزب الله وإنما مشروع مصانع تحسين دقة الصواريخ الإيرانية، والتي لا تكفي أعمال الحفر الجارية الان على الحدود للتصدي لهذا الخطر، فستكون هناك حاجة الى خطوة عسكرية من شأنها أن تؤدي بالمنطقة الى جولة عنف لم يشهد لها مثيل منذ صيف 2006. (١٧).
٣ – واشارت المعلومات إلى ان مطالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من السلطان قابوس خلال زيارته المفاجئة إلى مسقط تمحورت  حول ضرورة سحب إيران للصواريخ الدقيقة من «حزب الله» في لبنان ورفض تحويل جنوب سوريا إلى ما يشبه جنوب لبنان. كما أودع نتنياهو أودع الأمم المتحدة خرائط لمخازن صواريخ حول مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، وهو يعتبر أن إيران نجحت بتزويد «حزب الله» بصواريخ دقيقة، وهو ما أكد أمين عام «حزب الله» الحصول عليه، حين أعلن أن ما تخشاه إسرائيل قد حصل، وأن «الحزب» بات يملك صواريخ دقيقة (١٨).

الخلاصة:
بالرغم من ان هناك عدة عوامل قد تكون حاسمة لاتجاهات تطورات الاوضاع على الجبهة الشمالية ، وبالرغم من الموقف الدولي المعارض لتدهور الاوضاع ووصولها إلى حرب مفتوحة مدمرة ، والاعتبارات الداخلية لدى حزب الله وإسرائيل ، التي تجعلهما غير راغبين في التوجه إلى حرب قاسية تنهي توازن الردع الذي يحكم العلاقة بين الجانبين منذ حرب عام ٢٠٠٦م ،، الا ان هناك اعتبارات إقليمية وميدانية أخرى قد تؤدي الى الانزلاق باتجاه عملية عسكرية واسعة ، ستكون مدمرة وغير مسبوقة ، وفق كل المراقبين. ويبقى الحذر واجب على جبهة غزة التي من الممكن ان تكون بديلا يرضي توجهات الحكومة الاسرائيلية اليمينية المتطرفة. وفي ضوء تلك التعقيدات التي تحيط بالمشهد فان احتمالات اقدام اسرائيل على “خطوة استخبارية”، تعيد الاعتبار للردع الاسرائيلي، الذي بات مفقودا، يبقى احتمالا واردا و لا ينبغي إغفاله عربيا وفلسطينيا.

* د. يوسف يونس ، باحث مختص في الشؤون الإقليمية ، Ykarem2000@gmail.com
نائب رئيس مجلس ادار ة مركز الناطور للدراسات، Www.Natourcenter.com

المصادر
١ – عاموس غلبواع، من الشمال سيأتي الشر، معاريف ٦-١٢-٢٠١٨
٢ – عاموس هرئيل، نتنياهو يلمح للبنان من خلال الولايات المتحدة، قبل خطوة عسكرية، هآرتس 4/12/2018،
٣ – جوني منير – إسرائيل تبحث عن ترسيم الحدود البحرية، ٧-١٢-٢٠١٨
٤ – إيال زيسر، لا يجب ان نخدم خطة حزب الله، إسرائيل اليوم ١١-١٢-٢٠١٨
٥ – عاموس هرئيل، اسرائيل ترغب في استخدام الحملة في الشمال كرافعة لاستكمال السور على الحدود اللبنانية، هآرتس ١٠-١٢-٢٠١٨
٦ – عاموس هرئيل – الجيش الاسرائيلي شرع في حملة واسعة لهدم انفاق حزب الله : التي تتجاوز الى اراضي اسرائيل، هآرتس ٥-١٢-٢٠١٨م.
٧ – رون بن يشاي، ما هي الأسباب التي تمنع “حزب الله” من الرد على تدمير أنفاقه؟، يديعوت أحرونوت 5/12/2018
٨ – جوني منير ، مصدر سابق،
٩ – تسفي برئيل ، حزب الله منشغل في صراع سياسي : ولا يسارع الى مواجهة، هآرتس 5/12/2018
١٠- طلال عوكل، إسرائيل تغمز على الشمال وقد تستدير نحو الجنوب، ٦-١٢-٢٠١٨م،
١١- عاموس يدلين ، يديعوت احرونوت 5/12/2018
١٢- يوسي ملمان، لا حربا على الابواب، معاريف 5/12/2018
١٣- رون بن يشاي، يتوقع حربا قريبة مع حزب الله و حماس، يديعوت أحرونوت ٢٤-١١-٢٠١٨م
١٤- تسفي برئيل، مصدر سابق
١٥- أمين حطيط، درع الشمال” عملية استعراضية والحرب ستكون الأشرس على إسرائيل منذ 70 عاماً، فلسطين اليوم ٤-١٢-٢٠١٨م،
١٦- يورام شفايتسر واوفيك راينر ، تحييد مشروع انفاق حزب الله، خطوة اخرى في المعركة ضد نفوذ ايران الاقليمي، معهد دراسات الامن القومي الاسرائيلي ١٢-١٢-٢٠١٨م،
١٧- إيال زيسر ، مصدر سابق،
١٨- رون بن يشاي، مصدر سابق،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى