#شؤون اقليمية

د. وليد ربيع: الطريق للمنطقة الآمنة: العمليات العسكرية التركية بشمال سوريا

د. وليد ربيع 5-12-2022: الطريق للمنطقة الآمنة: العمليات العسكرية التركية بشمال سوريا

د. وليد ربيع

بعد أسبوع واحد من تفجير إسطنبول الذي أسفر عن مقتل ستة أشخاص، وإصابة حوالي ثمانين آخرين بجروح، اتهمت تركيا كلاً من حزب العمال الكردستاني والقوات الكردية في سوريا بالوقوف خلف هذا التفجير، وأعلنت أنقرة شن عملية عسكرية جوية ضد المقاتلين الاكراد في سوريـــــا

والعراق على الرغم من نفي حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) -التي تشكل القوات الكردية قوامها الرئيسي وتدعمها واشنطن- علاقتهما بهذا التفجير، أعلنت وزارة الدفاع التركية إطلاق عملية “المخلب-السيف” الجوية بهدف التخلص من الهجمات الإرهابية من شمال العراق وسوريا، وضمان سلامة الحدود، والقضاء على الإرهاب في منبعه كهدف معلن يُضفي شرعية على أعمال القتال التي تنفذها تركيا أمام العالم.

وعلى الرغم من اتفاق معظم الأطراف على أن ما تحتاجه سوريا حل سياسي وليس المزيد من العمليات العسكرية، جاءت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مايو الماضي، بأن تركيا ستهاجم المسلحين الأكراد برًا في وقت قريب، بعد تصاعد العمليات الانتقامية بطول الحدود السورية مع تركيا، جاءت تصريحات أردوغان بينما تقوم المدفعية التركية بقصف القواعد الكردية في مدينتي تل رفعت وعين العرب (والمسماة أيضًا بكوباني) السوريتين خريطة رقم (1) مما نتج عنه -بحسب ما أعلنته قوات سوريا الديمقراطية التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية- مقتل خمسة عشر مدنيًا ومسلحًا خلال ذلك القصف.

C:\Users\life\Downloads\خريطة 1 مقالة.png

ساعة الحساب 

وجاء الرد التركي سريعًا، حيث قامت وزارة الدفاع التركية بنشر صورة لمقاتلة تقلع لتنفيذ غارة ليلية، وأرفقت الصورة بعبارة “دقت ساعة الحساب“. ووجهت طائرات حربية تركية لبضع ساعات عشرات الضربات الجوية إلى مناطق تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، في محافظتي حلب (شمال) والحسكة (شمال شرق)، أبرزها مدينة عين العرب (كوباني) الحدودية مع تركيا.

وقالت وزارة الدفاع التركية إن 89 هدفًا، بما في ذلك ملاجئ ومستودعات ذخيرة، دُمرت في الضربات. وأضافت أن الضربات استهدفت قنديل وأسوس وهاكورك في العراق وكوباني وتل رفعت والجزيرة وديرك في شمال سوريا، وتابعت أن “من يسمون بقادة التنظيم الإرهابي كانوا من بين الذين تم تحييدهم”.

استهدفت الضربات التركية، التي استمرت حتى ساعات الفجر الأولى بشكل رئيسي مدينة كوباني ومحيطها (شمال) وصوامع حبوب في ريف المالكية الغربي ومحطة كهرباء في ريفها الجنوبي (شمال شرق). واستهدف القصف أيضًا، وفق قوات سوريا الديمقراطية والمرصد السوري لحقوق الإنسان، نقاطًا ومواقع تنتشر فيها قوات النظام السوري. وأسفر القصف، بحسب المرصد، عن مقتل 11 عنصرًا من قوات سوريا الديموقراطية وعشرة من قوات النظام.

وفي أول تعليق من دمشق على الغارات، أعلنت وزارة الدفاع السورية “ارتقاء عدد من الشهداء العسكريين نتيجة الاعتداءات التركية على الأراضي السورية في ريف حلب الشمالي وريف الحسكة فجر هذا اليوم”، من دون تحديد عدد القتلى.

وتسبب القصف التركي على محطة الكهرباء الرابعة قرب الحسكة في دمارها بشكل كامل. وأمام مستشفى في مدينة المالكية، تجمع نساء ورجال من عائلات الجرحى بانتظار أي خبر عن أقاربهم الذين كانوا يتواجدون في محطة الكهرباء المستهدفة.

وتجددت التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في الأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، لإنشاء ما أسمته “منطقة آمنة” بعمق 32 كيلومترا، وتمتد لمسافة 480 كيلومترًا على طول الحدود بين البلدين خريطة رقم (2).

وعللت تركيا شروعها في إنشاء تلك المنطقة الآمنة برغبتها في طرد وحدات حماية الشعب الكردية من الجنوب التركي، إذ تعتبرها امتدادًا لحزب العمال الكردستاني، الذي يخوض صراعًا مسلحًا ضد الحكومة التركية منذ عقود من أجل الحكم الذاتي للأكراد هناك، والذي تصنفه أنقرة على أنه “منظمة إرهابية”، وأن مثل هذه المنطقة سوف تفصل بين الأكراد في جنوب تركيا والخط الجديد لحدود تلك المنطقة الذي سيمثل حدود سوريا الشمالية.

وتأمل تركيا في إعادة توطين نحو مليوني شخص، من بين 3.6 ملايين لاجئ سوري يقيمون حاليًا على أراضيها في هذه المنطقة مما يضمن لها استقرار الحدود الجنوبية.

وفي محاولة لتجنّب الهجوم المزمع تنفيذه، وافق الجيش الأمريكي (في أغسطس 2021) على إقامة “آلية أمنية” مع الجيش التركي في المنطقة الحدودية، وتعاونت وحدات حماية الشعب الكردية معها، وسحبت أسلحتها الثقيلة وفككت التحصينات.

بوادر التقارب التركي السوري

لم تخلُ الفترة الماضية من ظهور مؤشرات نحو حدوث تغير ملحوظ في المواقف التركية من دمشق، بعد نحو عقد كامل من القطيعة والتأزم الحاد في العلاقات التركية السورية بعيد اندلاع الحرب الداخلية في سوريا في عام 2011. التحول المعلن في مواقف أنقرة حيال دمشق جاء في 11 أغسطس 2022 على لسان وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، حيث قال: “علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم، يجب أن تكون هناك إدارة قوية لمنع انقسام سوريا”.

وفي السياق ذاته، نفى كبير مستشاري الرئيس التركي النور شفيق، وجود تقارب بين بلاده وسوريا، ولكنه أقر بوجود وقائع جديدة يجب أخذها في الاعتبار والتعايش معها، إلا ان هذا الرأي قد لا يعكس بالضرورة الموقف التركي الرسمي المستجد من سوريا.

بعدها بنحو أسبوع في 19 أغسطس قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه “لا يمكنه استبعاد الحوار والدبلوماسية مع سوريا في المطلق”، وليضيف ردًا على سؤال عن إمكانية إجراء محادثات مع دمشق، إن “الدبلوماسية بين الدول لا يمكن قطعها بالكامل”، وأضاف بأن بلاده لا تهدف لهزيمة الرئيس السوري بشار الأسد، إذ قال: “يتعين الإقدام على خطوات متقدمة مع سوريا من أجل إفساد مخططات ضد المنطقة”، مضيفا أن بلاده “ليست لديها أطماع في سوريا، وهي تُولي الأهمية لوحدة أراضيها، وعلى النظام إدراك ذلك”.

وفي منتصف شهر سبتمبر 2022، كشفت وكالة “رويترز” استنادًا لأربعة مصادر في دمشق وأنقرة أن رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان، ورئيس جهاز الأمن الوطني السوري علي مملوك، التقيا في العاصمة السورية دمشق في أواخر شهر أغسطس الماضي، والتي هي حسب تلك المصادر تمهيد لعقد اجتماعات على مستوى وزيري خارجية البلدين في مرحلة لاحقة.

كما كان يلوح في الأفق طرح ملف تطبيع العلاقات التركية السورية كجزء من السعي العربي العام لإيجاد حل للأزمة السورية بعد أكثر من عقد على اندلاعها، وهو مسعى كان من المقرر أن يكون محورا رئيسيا على أجندة مباحثات القمة العربية التي انعقدت في الجزائر وجاءت مخيبة للأمل حيث لم يسفر هذا المسعى عن شيء.

أهداف الهجوم التركي المرتقب

وبحسب ما أعلنته المعارضة السورية فإن الهدفين الرئيسيين للهجوم التركي المرتقب هما تل رفعت، وهي بلدة شهدت تشريد آلاف العرب، وعين العرب كوباني وهي مدينة ذات أغلبية كردية، سيتيح الاستيلاء عليها لتركيا ربط بلدتي جرابلس وتل أبيض اللتين تسيطر عليهما. وأضافت أن تركيا فككت أجزاء من جدار خرساني قرب كوباني كانت أنقرة قد شيدته على طول الحدود، التي تصل إلى 911 كم مع سوريا في خطوة للدفع بالقوات إلى البلدة الحدودية.

وفي إطار ما سبق فإنه من المرجّح أن يتم تنفيذ عمليات عسكرية لتحقيق أهداف تركيا من إنشاء المنطقة الآمنة من خلال مرحلتين: خريطة رقم (3)

المرحلة الأولى: تقوم فيها قوات المعارضة السورية المدعومة بقوات تركية بالسيطرة على منطقتي عين العرب كوباني ومدينة منبج بهدف الوصول إلى الطريق الدولي رقم (4) وفي القطاع الواصل ما بين مدينة منبج ومدينة عين عيسى التي قد تكون أيضا مسرحًا لعملية عسكرية لفرض سيطرة كاملة على هذا الجزء من الطريق وخاصة بعد سحب روسيا جزء كبير من قواتها في سوريا عموما ومن تلك المناطق على وجه الخصوص جراء الحرب الروسية الاوكرانية ودعت روسيا تركيا إلى ضبط النفس في استخدامها للقوة العسكرية “المفرطة” في سوريا وعدم تصعيد التوتر، حسبما نقلت وكالات أنباء روسية عن المبعوث الروسي إلى سوريا. 

المرحلة الثانية: من مراحل فرض المنطقة الآمنة جنوب تركيا من المحتمل أن تكون منطقة تل رفعت الواقعة شمال حلب والتي تسيطر عليها ما تسمي بوحدات حماية الشعب الكردية أو المليشيات الكردية المدعومة أمريكيًا مع وجود قوات سورية تابعة للنظام مدعومة روسيًا وبالسيطرة على تل رفعت تكون القوات التركية حققت فاصل الثلاثين كيلومتر بالقرب من حدود حلب واستغلالًا للغياب الأمريكي عن الساحة والاكتفاء بتوجيه التحذيرات لتركيا من شن أي عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا، مؤكدة أن من شأن مثل هذا التصعيد أن يعرض للخطر أرواح العسكريين الأمريكيين المنتشرين في المنطقة، وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس للصحافيين إن الولايات المتحدة “قلقة للغاية” إزاء الإعلان التركي بشأن الهجوم المحتمل.

المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى