أقلام وأراء

د. وفاء صندي: النيجر وخيارات السلم والحرب

د. وفاء صندي 4-09-2023

قرابة شهر على الانقلاب العسكرى فى النيجر ولا تزال الأوضاع السياسية والأمنية فى هذا البلد الإفريقى مفتوحة على كل السيناريوهات. تلوح المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) بالخيار العسكرى للتعامل مع الأزمة إذا لم يتم الإفراج عن رئيس النيجر المحتجز، محمد بازوم، وعودة النظام الدستوري. هذا الامر يرفضه رئيس المجلس العسكرى، الجنرال عبدالرحمن تيانى، الذى عبر عن نيته فى تشكيل حكومة انتقالية تبقى فى السلطة فترة لا تزيد على 3 سنوات، على ان يتم قبلها إجراء حوار وطنى شامل، خلال 30 يوما، والتشاور مع جميع النيجريين.

منذ استقلال النيجر عن فرنسا عام 1960، عرفت البلاد مجموعة من الانقلابات والصراعات بين الجيش والمدنيين، إلا أن الانقلاب الحالى يحظى باهتمام دولى غير مسبوق لما بات يتمتع به النيجر من أهمية استراتيجية بالنسبة لقوى عالمية، بسبب احتياطاته من اليورانيوم، والنفط، ودوره كمركز لقوات أجنبية تشارك فى الحرب ضد حركات تمرد وجماعات مسلحة لها صلات بتنظيمى القاعدة وداعش. لهذه الأسباب تبدو خيارات الحل الدبلوماسى او الحرب مكلفة ومحفوفة بالمخاطر والتحديات الاستراتيجية.

إقدام «إيكواس» على التدخل العسكرى، يعنى مواجهة عسكرية مباشرة واندلاع حرب إقليمية واسعة، خصوصا بعد توعد المجلس العسكرى بأن تدخل المجموعة لن يكون نزهة، وينذر بتوسع الحرب إلى دول أخرى بالقارة، بعد تضامن مالى وبوركينا فاسو مع الحاكم الجديد. كما ان القبول الشعبى للانقلاب وتماسك الجبهة الداخلية يقلل من فرص نجاح أى تدخل عسكرى، وربما تأتى النتائج عكسية اذا ما تم استخدام المدنيين كدروع بشرية. أيضا، سلامة الرئيس المحتجز هو وعائلته فى القصر الرئاسى قد تشكل عائقا أمام تدخل «إيكواس». أضف الى ذلك، أى تدخل عسكرى ستكون له تداعيات خطيرة قد تتعدى قارة إفريقيا، خاصة فى ظل ما يشهده النظام الدولى من تغيرات فى موازين القوى.

فى المقابل، القبول بالأمر الواقع والخضوع لسلطة رئيس المجلس العسكرى يعنى موافقة «إيكواس»، والمجتمع الدولى ضمنا، على تنامى سياسة الانقلابات فى إفريقيا. هذا الامر يبدو، أيضا، محرجا وتداعياته ستكون كبيرة على الديمقراطيات الناشئة وعلى استقرار دول المنطقة. واذا كانت فرنسا تؤكد دعمها لتدخل «إيكواس»، فالولايات المتحدة تبحث عن حلول دبلوماسية تبقى النيجر فى نطاق حلفائها دون تركها لخصومها الذين يبحثون عن ثغرات إضافية فى إفريقيا من أجل تعزيز حضورهم وتغيير الموازين.

يبدو أن باريس منزعجة من الخطوات الدبلوماسية الامريكية فى النيجر. كلا البلدين لهما مصالح استراتيجية يريدان الحفاظ عليها. النيجر تملك الى جانب اليورانيوم الفحم وخام الحديد والقصدير والفوسفات والجبس والملح والنفط، وغيرها. ولا تسمح فرنسا وحلفاؤها بأن تقع هذه الثروات فى أيدى منافسين دوليين أو محتملين. وتزداد أهمية النيجر بالنسبة لفرنسا بعد فقدانها عددا من الدول فى القارة السمراء، ولفظ الشعوب الإفريقية هيمنة المستعمر القديم.

أمريكا لها قرابة 1100 جندى على الأراضى النيجرية. خلال السنتين الأخيرتين أقامت واشنطن مشاريع متعددة فى النيجر، منها تدريب وتعزيز القدرات القتالية والاستخباراتية لقوات النخبة النيجرية. وبلغ الدعم الأمريكى للنيجر نحو 500 مليون دولار بين عام 2012 و2021، شمل من بين أمور اخرى إقامة قاعدة عسكرية للطيران المسير فى ولاية أغاديز شمالى النيجر، مما مكن الجيش الامريكى عمليا من ملاحقة الجماعات الإرهابية، وشن ضرباته بشكل مباشر تجاه الأهداف الإرهابية فى مالى وليبيا وغيرهما.

من جهتها، تعمل روسيا، منذ سنوات، على تعزيز وجودها فى إفريقيا كقوة ثورية ضد الاستعمار الغربي. وقد حققت موسكو اختراقا كبيرا بعد تحالفها مع النظام العسكرى فى مالى، وتوسع هذا الدور عقب انقلاب بوركينا فاسو ثم انقلاب غينيا. وفى الازمة الراهنة، تقف روسيا ومعها الصين والهند، إلى جانب المجلس العسكرى وترفض أى تدخل عسكرى خارجى، فى وقت تحاول الأنظمة العسكرية فى مالى وبوركينا فاسو استمالة الجيش النيجرى للتحالف مع موسكو لحماية نظامه من أى حرب محتملة.

خشية أمريكا من استمرار سقوط الأنظمة الهشة فى إفريقيا بيد روسيا يجعلها تسعى للتوصل لحل دبلوماسى فى النيجر. هذا الحل سيكلف فرنسا كثيرا وسيجعلها من أكبر الخاسرين فى هذه الازمة. بحيث ستخسر باريس آخر معاقلها فى منطقة الساحل الإفريقى، وهى خسارة سيكون من الصعب قبولها او الاعتراف قولا بحصولها. الخسارة سيترجمها عمليا اضطرار باريس إلى سحب 1500 من جنودها المتمركزين فى النيجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى