#شؤون مكافحة الاٍرهاب

د. هاني نسيره يكتب – المصير المجهول: “القاعدة” بين اغتيال “المصري” وخلافة “الظواهري”

د. هاني نسيره *- 16/11/2020

بينما كان يصف عناصر “القاعدة” ومنظرو السلفية الجهادية “أيمن الظواهري” بأنه “حكيم الأمة”، وقد وضع منظّر السلفية الجهادية “أبو قتادة الفلسطيني” رسالة بهذا العنوان “الظواهري حكيم الأمة” ترجمة وسيرة له؛ فإنه بعد ظهور “داعش” واحتدام الخلاف معها كتب أحد عناصرها عن “الظواهري” قائلًا: “إنه الرجل الذي فَقَدَ ظله”، وكتب آخر: “إنه كذاب أخفى عن أنصاره والتنظيمات الجهادية” وفاة “الملا عمر” سنتين حتى لا يبايع أنصاره خليفة “داعش” المقتول “أبا بكر البغدادي”، وأبقاهم على بيعة ميت دون بيعة الحي، فهل يلتزم تنظيم “القاعدة” بطريقة أميره ويخفي موت الأخير، أم إن التنظيم نفسه يقاوم الحياة؟.

من آنٍ لآخر تثور الشائعات عن مرض أو رحيل أمير “القاعدة” “أيمن الظواهري” ووفاته، وتثور معها أزمة خلافته في قيادة “القاعدة”، وهي التي زادت منذ شهور منذ مقتل الرجل الثاني في “القاعدة” “أبي محمد المصري” (اسمه بالكامل: عبدالله أحمد عبدالله الألفي) بتاريخ 7 أغسطس 2020 في العاصمة الإيرانية طهران، وهو أحد المخططين الرئيسيين للهجمات على السفارات الأمريكية في إفريقيا سنة 1998، وكذلك التخطيط لأحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001، بعد أن تم إطلاق النار عليه وعلى ابنته “مريم” أرملة حمزة بن لادن من قبل اثنين يتبعان الاستخبارات الإسرائيلية في أحد أكبر شوارع إيران، وهو ما نفته إيران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، ورفضت تقرير “نيويورك تايمز” المشار إليه عن “أبي محمد المصري”، في بيان نشرته وكالات الأنباء الإيرانية صبيحة اليوم التالي السبت 14 نوفمبر سنة 2020، وهو ما يناقض ويعارض اعترافات قادة “القاعدة” أنفسهم من “أسامة بن لادن” حتى “الظواهري” و”الزرقاوي”، بل وكثير من الأدلة والوثائق التي تثبت عكس ذلك، من سنجار إلى تقرير سبتمبر إلى أبوت آباد حيث كان مقتل المؤسس “بن لادن”.

“القاعدة” تواجه المجهول بعد “الظواهري”

لكن تظلّ دلالة غياب “الظواهري” ومعها أزمة خلافته في تنظيم “القاعدة” تفتح الأسئلة عن التنظيم الأم للجهادية المعولمة، الذي يرى بعض المراقبين أنه لم يعد يمثل خطرًا على العالم كما كان في السابق، وأن الاستراتيجية الصلبة التي انتهجتها الولايات المتحدة وحلفاؤها عبر الطائرات بدون طيار في اصطياد كبار قيادات التنظيم، من جيله الأول المؤسس أو جيله الثاني الفاعل، في المركز والفروع؛ قد أدت لاحتضار التنظيم واستفحال أزمته، وقرب نهايته، وهو ما تدركه جيدًا الإدارات المختلفة.

في المقابل، يرى البعض أن التنظيم يحاول العودة إعلاميًّا عبر بعض المواقع في سوريا والعراق واليمن، وعبر بعض الأسماء التي يتم تسويقها وتُطرح من آن لآخر ولكن يتم استهدافها سريعًا مثل “عطية الله الليبي” الذي قُتل عام 2011، أو “إبراهيم الربيش” منظر “القاعدة” في اليمن والذي قُتل أيضًا سنة 2015، ثم مقتل عدد من قادة الفروع الكبار مثل “عبدالملك دروكدال” الذي قتل على يد القوات الفرنسية في مالي في يونيو سنة 2020، ثم “حمزة بن لادن” الذي قتل أيضًا في 31 يوليو سنة 2020، ثم أخيرًا الرجل الثاني في التنظيم “أبو محمد المصري” الذي قتل قبل ثلاثة أو أربعة شهور، وهو ما يطرح من جديد سؤال زعامة “القاعدة”، كونه أحد أبرز المرشحين لخلافة “الظواهري” بعد ما يبدو من اعتزال أو اختفاء “سيف العدل”.

كان “حمزة بن لادن” خصوصًا أملًا لحياة “القاعدة”، حيث يحمل “براند” أبيه ويشبهه، وكان من الممكن اجتماع عناصر التنظيم عليه، وكان أبرز المرشحين بعد “الظواهري”، ثم موت صهره “أبي محمد المصري” وابنته “مريم” زوجة حمزة معه. ورغم كل التأويلات يبدو تنظيم “القاعدة” في أزمة كبيرة فقدت فيها القيادة المركزية تأثيرها واتصالاتها، كما تبدو أزمة الخلافة حاضرة بقوة، لتأتي إجابة السؤال من حجمه، وأن المجهول هو ما ينتظر “القاعدة” بعد رحيل “الظواهري”.

غياب طويل.. وتنظيم مأزوم

بحسب تحليل “اسفنديار مير” و”كولن ب كلارك” الذي نشراه في “الفورين بوليسي” في 10 سبتمبر 2020 بعنوان ” Al Qaeda’s Leader Is Old, Bumbling—and a Terrorist Mastermind” بخصوص الذكرى التاسعة عشرة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية؛ فقد ذكرا أن “الظواهري” لن يُفكر في عمليات إرهابية شبيهة، فالرجل العجوز المطلوب أمنيًّا بمكافأة هي الأعلى بين إرهابيي العالم (25 مليون دولار أمريكي) كان ضرر بقائه حيًّا للقاعدة أكثر من موته، ربما حسب بعض المحللين.

قبل وفاة “أسامة بن لادن” كان ظهور الرجل الثاني في التنظيم “أيمن الظواهري” أكثر منه عند توليه زعامة التنظيم وكونه الرجل الأول فيه، وهو ما يعكس صعود أزمة التنظيم الأم للجهادية المعولمة، وانكشافه، حيث توالت الضربات لعدد من أبرز قياداته الكبرى مثل “عطية الله الليبي” و”أبي يحيى الليبي” و”آدم غادان” وغيرهم، ثم ظهرت “داعش” سنة 2013 التي انفصلت بالجزء الأكبر من فروع التنظيم وعناصره، وزاد هاجس “الظواهري” الأمني، فالرجل لم يعد يظهر ولا يحمل هاتفًا محمولًا منذ سنوات، كما زادت إجراءاته في الاختفاء، ولا يثق إلا في مجموعة قليلة تُحيط به، خاصة وأنه فقد زوجته الأولى وجميع أبنائه منها عام 2001، كما فقد زوجة أخرى اعتقلتها السلطات الباكستانية في أغسطس سنة 2019 أيضًا مع أسرتين أخريين. وقد تصاعد الجدل حول وفاة “الظواهري” يوم السبت 13 نوفمبر 2020 بعد أن نشر الصحفي “حسن حسن” المتخصص في الإرهاب في العالم العربي تغريدة له رجح فيها وفاة “الظواهري” لأسباب طبيعية، منذ شهر تقريبًا، استنادًا لاستنتاجاته التي أيدتها مصادر مقربة لتنظيم “حراس الدين”، كما أكّد مصدر آخر له أن قتل إيران للقيادي في القاعدة “أبي محمد المصري” كان لترتيب البيت الداخلي وتوجهات “القاعدة” في قادم الأيام. ولا شك أن الحديث عن وفاة “الظواهري” يستند لمصادر مجهولة من تنظيم “حراس الدين” المسلح في سوريا، ولكن المؤكد طبقًا للصحفي اللبناني “نضال حمادة” أن “الظواهري” قد دخل مستشفى باكستانيًّا بحالة حرجة بسبب إصابته بوباء كورونا.

في هذا السياق، يمكن القول إن غياب “الظواهري”، المختلف عليه والذي لم يتمتع بقبول وكاريزمية “أسامة بن لادن” بين الجهاديين؛ هو الأصل والظهور هو الاستثناء منذ خمس سنوات على الأقل، ويتأخر ظهوره حتى في التعليق على أحداث كثيرة كان منتظرًا أن يذكرها، فهو لم يعلق مثلًا على مقتل “أبي محمد المصري” في أغسطس 2020، أو إعدام الإرهابي المصري “هشام عشماوي” في 4 مارس الماضي 2020، أو يعلق على الصراع المتصاعد والمحتدم بين “حراس الدين” (تنظيم تابع للقاعدة في سوريا تأسس في فبراير سنة 2018) و”هيئة تحرير الشام”.

*د. هاني نسيره- كاتب وأكاديمي مصري في قضايا الإرهاب والصراعات المسلحة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى