أقلام وأراء

د. هاني العقاد يكتب – حراك أوروبي عربي لإطلاق مفاوضات فلسطينية إسرائيلية جديدة

بقلم  د. هاني العقاد  *- 29/11/2020

من المستحيل بقاء المشهد السياسي في المنطقة على ما هو عليه الان، ومن المستحيل ان يقبل العالم بقاء عجلة مسيرة السلام متوقفة، ومن المستحيل الا يتأثر المشهد بالتغيرات الدولية والاقليمية وخاصة بعد فوز جو بايدن واختلاف طريقة التعامل الامريكي مع واقع الصراع، وبعد ان باتت صفقة ترمب خطة من الزمن الماضي التي لم تكتمل ولم يستطع ترمب استكمالها ولا حتى اسرائيل التي تسابق الزمن لفرض الوقائع على الارض واحداث تغيير جيوسياسي يكون مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية واسدال الستار على مبدأ حل الدولتين واعتبار كل قرارات الشرعية الدولية كأنها لم تكن، ولم يكن هناك جهد دولي يوما من الايام لتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة العربية التي توالدت فيها صراعات داخلية مخيفة تنذر بتقسيم العديد من الدول كنتيجة طبيعية لعدم ايجاد حل عادل برعاية عادلة للصراع العربي الفلسطيني الاسرائيلي.

ادارة ترمب واسرائيل اختاروا المسار الاصعب لتحقيق سلام عربي اسرائيلي دون ان يؤدي ذلك لتقرير مصير الفلسطينيين وانهاء الاحتلال على اعتقاد منهم ان حل الصراع يمكن ان يأتي من البوابة العربية دون الاخذ في الاعتبار ان هذا لا يمكن ان يتحقق ولا يمكن ان يقبل به الشعب الفلسطيني تحت اسوأ الظروف واشد الضغوط.

هناك اشارات كثيرة تؤكد ان حراكا اوروبيا عربيا مشتركا يدور الان لتهيئة عودة الفلسطينيين لطاولة المفاوضات من جديد. ومن هذه الاشارات اللقاء الهام عبر الفيديو كونفرنس بين الرئيس ابو مازن والمستشارة الالمانية انجيلا ميركيل ،وهو ما يؤكد ان المانيا تعتزم لعب دور مهم في هذا الاتجاه. واعتقد ان المانيا اليوم تركز على دور مشترك مع (مجموعة صيغة ميونخ) التي تم تشكيلها على هامش مؤتمر ميونخ للامن في فبراير 2020 وتضم المانيا وفرنسا ومصر والاردن ويكرس العمل في المجموعة لاعادة العملية السياسية في المنطقة لمسارها الطبيعي.

اشارة اخرى مهمة تبين ان المانيا احدثت اختراقا ما نحو ذلك وهي جولة الرئيس ابو مازن هذا الاسبوع للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي والمللك عبدالله الثاني. هذه اول رحلة خارجية للرئيس ابو مازن بعد  انتشار فيروس “كورونا”. ولأهمية المحادثات مع مصر والاردن  فان الامر تطلب لقاء ونقاشا عن قرب، وباعتقادي ان مجمل النقاش لن يخرج عن مساعي (مجموعة ميونخ) لتهيئة الفلسطينيين للجلوس من جديد على طاولة المفاوضات والاستعداد لمرحلة بايدن التي قد تدفع فيها الادارة الامريكية الجديدة هذه المفاوضات عبر الضغط على اسرائيل للقبول بالجلوس على اساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية.

السيد رياض المالكي وزير الخارجية الفلسطيني خرج بتصريح مهم يدلل على انه تلوح في الاجواء مبادرة لتحريك فاعل لعملية السلام، واجابة لسؤال دولي عربي هو: هل الفلسطينيون مستعدون للعودة للمفاوضات وعلى اي اساس؟  كانت الاجابة من خلال هذا التصريح الذي افضى الى ان القيادة الفلسطينية بعثت برسائل مهمة الى القيادة الجديدة في الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية بانها مستعدة للعودة للمفاوضات مع اسرائيل دون شروط مسبقة على اساس حل الدولتين، واعتقد ان هذا التصريح جاء لان السلطة الفلسطينية تأكدت من ضعف دعم المنظومة العربية للقضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني وانه لا يمكن لمجموعة صيغة ميونخ وحدها ان تحقق تقدما في حراكها الحالي دون ان يكون هناك دور معزز واساسي من الادارة الامريكية الجديدة.

اعتقد ان هذه الرسائل جاءت كخطوة مطلوبة من القيادة الفلسطينية لتثبت فيها استعدادها للعودة لطاولة المفاوضات وان ليس لديها اي موانع سياسية او ايدلوجية للتفاوض من جديد مع اسرائيل. السيد جوزيف بوريل الممثل الاعلى للشؤون الخارجية والسياسة والامنية للاتحاد الاوروبي خلال جلسة رسمية للبرلمان الاوروبي لمناقشة الوضع في الشرق الاوسط اعطى تطمينات للفلسطينيين قبل تحرك الرئيس ابو مازن ولقاء الرئيس عهد الفتاح السيسي والملك عبدالله الثاني انه لن يكون هناك سلام واستقرار مستدامان في المنطقة بدون تسوية شاملة للصراع العربي الاسرائيلي، ولا سيما الصراع الفلسطيني الاسرائيلي علي اساس حل الدولتين المتفاوض عليه وقابل للحياة على اساس المعايير المتفق عليها دوليا. واكد على انه انطلاقا من ضرورة اعادة الطرفين للمفاوضات فان الاتحاد الاوروبي سوف يستمر في العمل مع اعضاء المجتمع الدولي بما في ذلك الادارة الامريكية الجديدة لدعم القانون الدولي وانهاء الصراع وضمان حقوق متساوية للجميع.

يبدو ان الاوروبيين ادركوا اليوم اكثر من اي وقت مضى ان الفلسطينيين لن يعودوا للمفاوضات العبثية دون اسس ومرجعيات، ويبدو ان (مجموعة ميونخ) بالذات تدرك تماما ان كل محاولات ادارة ترمب السابقة لمسار سلام من البوابة العربية فاشل ومضيعة للوقت ولن يحقق الامن والاستقرار لاي طرف، وهو ليس اكثر من سلام كاذب.

مع هذا الحراك بات يتوجب على الفلسطينيين اليوم ان يكونوا اكثر اصراراً وثباتا على ذات الموقف “على انه لا تفاوض مع الاسرائيليين الا على اساس حل الدولتين وقرارات الشرعية الدولية وتطبيق قرار 2334 الدولي مقدماً، والذي يعتبر الاستيطان في ارض الضفة الغربية غير شرعي ويجب وقفه فوراً”، لذا فانني على يقين ان الاوروبيين سينجحوا هذه المرة اذا ما توفر لحراكهم الحالي عوامل مهمة اولها دعم عملي من ادارة بايدن من خلال الضغط على اسرائيل لتعلن موافقتها على التفاوض على اساس تطبيق حل الدولتين ووقف الاستيطان والضم والتهويد والاعتراف بان كل اراضي العام 1967 بما فيها القدس اراض محتلة لا يجوز تغيير طابعها القانوني حسب بنود القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، ولا يجوز الاستعمار فيها او فرض السيادة على اجزاء منها لاي سبب كان.

  * كاتب فلسطيني يقيم في قطاع غزة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى