أقلام وأراء

د. هاني العقاد: تقرير تحقيق جيش الاحتلال في مقتل شيرين أبو عاقلة يدين الاحتلال

د. هاني العقاد 9-9-2022م

في قراءة مفصلة وتحليل معمق لنتائج تحقيق جيش الاحتلال في حادثة اغتيال الشهيدة (شيرين أبو عاقلة ) تناولنا التحقيق حرفا بحرف وكلمة بكلمة وعبارة بعبارة واستطعنا اجراء تحليل معمق لكل عبارة صيغت في التقرير والغرض منها ومدى ترابطها مع باقي العبارات والبنود التي احتواها التقرير ,كما واستطعنا الاطلاع على مدى شمولية التقدير وتغطيته كافة عناصر ومكونات الحدث والظروف المرافقة والافراد المتواجدين في المكان واتجاه اطلاق النار ومسافته ودرجة الوضوح في الرؤيا بكل زوايا المكان , كما استطعنا ان ندرك كل مفاصل الجريمة المقصودة التي نفذت بتخطيط دقيق من قبل قناص ماهر ودقيق التصويب ومدرب على القتل بشكل فائق المهارة والذي تلقى تعليماته مباشرة من قائد المنطقة الوسطى بجيش الاحتلال الذي كان يراقب عن كثب كل خطوة تقوم بها قواته عند اقتحام أي منطقة بالضفة الغربية وخاصة منطقة جنين التي يعتبرها جيش الاحتلال من اخطر مناطق الضفة الغربية على الاطلاق لكونها منطقة في عين العاصفة وفي مرمى اهداف الامن الاحتلالي .

اتضح ان التقرير تمت صياغته بعناية فائقة من قبل متخصصين على درجة عالية من التمكن اللغوي والمعرفي والقانوني والجنائي ولديهم خبرة طويلة بأساليب صياغة التقارير المضللة للراي العام العالمي وقدرة فائقة على توظيف عناصر التقارير الأمنية والاستقصائية الجنائية بهدف التشويش على الأدلة المؤكدة , واتضح ان من صاغ التقرير ليس شخصا واحدا وانما لجنة خبراء لغويين وحقوقيين وجنائيين تعمل بشكل خاص ضمن وحدات جيش الاحتلال مهمتها التغطية على جرائم الاحتلال الصهيوني وإقناع المستويات القانونية المختلفة ومراكز ومنظمات حقوق الانسان والراي العام العالمي ان جيش الاحتلال يحترم القانون الدولي ومبادئ العمل مع المدنيين والصحفيين وقت الحرب وإظهار ان الجيش لم يرتكب اية عمليات قتل وخاصة كتلك التي استشهدت فيها الصحفية (شيرين أبو عاقلة) ,ومهمتهم ايضاً تحسين صورة جيشهم امام الراي العام الدولي .

التقرير يقول ان ” جيش الاحتلال يرجح ان تكون أبو عاقلة قد قتلت بنيران أطلقها جندي إسرائيلي ” وهذا يعني ان محققو الجيش لم يستجوبوا افراد الوحدة الخاصة التي تواجدت في مسرح الجريمة ولم يتم استدعاء أي جندي من الوحدة الخاصة (دوفدوفان) للتحقيق ولا حتى الضابط المسؤول عن العملية الخاصة في جنين، وبالتالي لم يتم التحقيق مع قائد المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال ايضاً الذي كان يتواجد في غرفة العمليات لمتابعة تحركات الجيش وطبيعة الاشتباكات مع المسلحين الفلسطينيين. هذه العبارة تعني الاحتمالية وليس الجزم بان يكون أحد افراد الجيش هو من قتل الشهيدة (شيرين )في حين يبقي ما نسبته 50% من الاحتمال بان تكون قد قتلت بنيران فلسطينية مقابلة لأنه لم ينف ذلك، وهذه العبارة هي عبارة عن فبركة لغوية لتمييع القضية وتنصل قوات الاحتلال من المسؤولية عن ارتكاب الجريمة وان كانت الجريمة قد وقعت بالفعل من قبل قوات الاحتلال تكون الشهيدة (شيرين أبو عاقلة) قد أصيبت برصاصة بالخطأ, وكأن الجندي القناص الذي صوب سلاحه اتجاه أماكن تواجد الصحفيين الفلسطينيين ونظر في التليسكوب المكبر لم يستطع التمييز بين من يرتدي سترة الاعلام المميزة باللون الأزرق والخوذة المؤشرة بكلمة press المعروفة لجيش الاحتلال وبين أي مسلح فلسطيني يرتدي خوذه عسكرية وهذا ما قاله التقرير ان أبو عاقلة ربما تكون قد قتلت بنيران خاطئة للجيش اثناء اطلاق النار على من تشخصهم كمسلحين .هذه محاولة للتملص من المسؤولية المباشرة عن القتل العمد والمقصود للشهيدة شيرين ابو عاقلة من قبل قناص إسرائيلي يمتلك مكبر للصورة اربع مرات مثبت على بندقية خاصة من نوع (M4 ) كما أفادت التقارير , لعل هذا يعتبر من وجهة نظري دليل دامغ على ان الجندي الذي قتل أبو عاقلة يعرف تماما ان المتواجدين في مكان إطلاق النار هم فرق صحفية تعمل لتغطية الحدث ويريد ان يعيق عملهم دون ادني شك وما يبرهن على هذا ان الصحفي (علي سمودي) أصيب بالرصاصة في الكتف والبطن وكان المقصود قتله أيضا.

الفحص الباليستي للرصاصة التي اصابت رأس الشهيد (شيرين أبو عاقلة )لم يتم بدقة وجاء فحصا صوريا فقط لأقناع الامريكان ان تشوه الرصاصة حالت دون تحديد نوع السلاح الذي أطلقت منه, وكانت السلطة الفلسطينية قد سلمت الرصاصة التي قتلت أبو عاقلة للخبراء الامريكان لفحصها الا ان الفحص تم في دولة الاحتلال من قبل خبراء إسرائيليين وبحضور ممثلين امريكيين مختصين من قبل منسق الامن الأمريكي بين اسرائيل والسلطة، وخلص التقرير هنا الى انه لم يتم الجزم فيما اذا اطلقت الرصاصة ام لم تطلق من سلاح جيش الاحتلال متجاهلاً بالحديث عن نوع الرصاصة والسلاح الذي قد تكون اطلقت منه , هذا يعتبر تغطية مفضوحة على نوع السلاح الذي تملكه وحدات القتل الصهيوني الخاصة (دوفدوفان ) ومحاولة مكشوفة من قبل فرق التحقيق في جيش الاحتلال لتوفير دليل اخر انهم لم يقتلوا أبو عاقة ويتركوا مساحة لمزيد من الشك في رواية السلطة الفلسطينية وتحقيقات وكالات الانباء العالمية كقناة الجزيرة و( CNN ) وصحيفة نيويورك تايمز الامريكية وصحيفة هآرتس الإسرائيلية ووكالة اشيونايتد برس وصحيفة واشنطن بوست الامريكية والعديد من وسائل الاعلام العالمية لتجزم جميعها ان الشهيدة أبو عاقة قتلت بسلاح إسرائيلي وعن مسافة 190 مترا تقريبا حيث يوجد القناص الاحتلالي وحملت جيش الاحتلال المسؤولية الكاملة عن مقتل أبو عاقله .

ان ادعاء التقرير انه تم فحص آليات وقواعد اطلاق النار وتنفيذه ولم تتوافر للمحققين أي ادلة على انه تم خرق لهذه القواعد يؤكد ان معدي التقرير أرادوا نفي تهمة القتل العمد من قبل الجيش وانهم ملتزمون بقواعد محددة بأطلاق النار على الفلسطينيين وهنا أراد التقرير احداث تغطية اخرى على جنوده الذين قتلوا أبو عاقلة , على ما يبدو ان التقرير عمد الى احداث نوع من التشتيت والتشويش على أي رواية اخرى تتهم الجيش بالمسؤولية عن القتل وهذا في وجهة نظري يدين جيش الاحتلال ويثبت انه من يقف وراء قتل أبو عاقلة وان كل حالات التضليل والتشويش على الرواية الفلسطينية لأنه يعرف انها قوية ومسندة الى الكثير من التحقيقات المستقلة سواء كانت من وكالات الاعلام والصحف الكبرى او من قبل المختصين في الطب الشرعي بجامعة النجاح الفلسطينية. ان نتائج التقرير جاءت لتدين جيش الاحتلال بقتل أبو عاقله عمدا وعن قصد ولم تبرئةه ولم ينجح معدو التقرير في اقناع الراي العام الفلسطيني والعالمي والولايات المتحدة الامريكية التي طلبت رسميا مؤخراً من خلال اتصال بين (انتوني بلينكن) ووزير جيش الاحتلال إعادة النظر في التعليمات القاضية بإطلاق جيش الاحتلال النار على الفلسطينيين في الضفة الغربية وخاصة بعد حادثة مقتل الصحفية الشهيدة (شيرين أبو عاقلة).

مركز الناطور للدراسات والأبحاث  Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى