د. هاني العقاد : أهمية اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك بين السعودية والباكستان

د. هاني العقاد 22-09-2025 أهمية اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك بين السعودية والباكستان
ليست إيران التي تهدد المنطقة وتريد تدمير دولها بالسلاح النووي كما كان يزعم نتنياهو ,وكما كان يكرر في العديد من خطاباته بالجمعية العامة للأمم المتحدة وحتي خلال لقاءاته مع زعماء العالم ومنهم بالطبع بايدن و ترمب وانما إسرائيل التي تريد من خلال ذلك تغير الخارطة الجيوسياسية في المنطقة بالقوة ..!. خلال كلمته له امام الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر 2023 قال نتنياهو ” ان التهديد المشترك الذي تشكله ايران جعل اسرائيل والعديد من الدول العربية اقرب من أي وقت مضي في صداقة لم ارها في حياتي ” انتهي الاقتباس , وقال “انه سياتي اليوم الذي ستتمكن فيه إسرائيل من توسيع دائرة السلام ما بعد مصر والأردن لتشمل المزيد من جيراننا العرب ” وادعي نتنياهو في كلمته ان هناك اجتماعات لا حصر لها مع قادة العالم حيث أوضح لهم ان إسرائيل والدول العربية تتقاسم العديد من المصالح المشتركة ,وبين انه يتصور ان هذه المصالح المشتركة العديدة يمكن ان تسهل تحقيق انفراجه في طريق التوصل الي سلام أوسع في المنطقة. كان يروج نتنياهو حينها الي ان صنع السلام مع العديد من الدول العربية يمكن ان يزيد من احتمالات صنع السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بل وانه اعتبر ان الفلسطينيين لا يمثلوا سوي 2% من العالم العربي ,وادعي ان الفلسطينيين يعتقدون ان ال 98% الباقية من العرب سيبقون في حالة شبه حرب مع إسرائيل ويعتقدون ان هذه الكتلة الأكبر يمكن ان تزيل إسرائيل و تدمرها في نهاية المطاف ..!!, واعرب عن اعتقاده ان الفلسطينيين عندما يرون ان معظم العالم العربي قد تصالح مع الدولة اليهودية فانه من المرجح ان يتخلوا عن تدمير إسرائيل وان يتبنوا أخيرا طريق سلام حقيقي معها…!!
اما عن اتفاقيات السلام الاخيرة مع العالم العربي فان نتنياهو كان قد ادعي انه حقق أربع معاهدات سلام بالتعاون مع الولايات المتحدة في أربعة أشهر وقال ” حققت أربع اتفاقيات سلام مع الامارات والبحرين والسودان والمغرب في أربعة أشهر”، وأضاف ان هذه الاتفاقيات الإبراهيمية كانت عبارة عن لحظة مفصلية عبر التاريخ.” اليوم بعد حرب الإبادة في غزة ومحو العديد من المدن والمخيمات في القطاع والضفة الغربية عن الوجود ,نسأل نتنياهو سؤال جوهري ,اين إسرائيل من هذه الاتفاقيات التي كنت تتشدق بها في الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد استهداف دولة قطر والاعتداء على سيادتها وتهديد السعودية ومصر والأردن ..؟. لا اعتقد ان هذه الاتفاقيات أصبحت مثار حديث من أي أحد حتى في إسرائيل حتى ان العديد من العقلاء والمفكرين والخبراء الاستراتيجيين الإسرائيليين باتوا يخشون ان تتحلل الدول العربية كافة من اتفاقات ابرهام يوما ما وحتى اتفاقيتي كامب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن بسبب تهور وجنون نتنياهو الذي سيكون سببا في خسارة اسرائيل مكانتها في العالم والإقليم ,وفي زات الوقت ينسف كل جهود ومساعي إدارتي بايدن السابقة وترمب الحالية والسابقة على مدار عقد من الزمان لمحاولة تشكيل حلف دفاعي عربي تكون اسرائيل جزء منه.
كل هذا ينقلنا الي الحدث الاستراتيجي الكبير في المنطقة وهو اتفاق الدفاع الاستراتيجي المشترك والجديد والهام بين السعودية والباكستان والذي وقعه ولي العهد السعودي (الأمير محمد بن سلمان) ورئيس الوزراء الباكستاني (شهباز شريف) في 17 سبتمبر الحالي في الرياض وبعد ما يقارب 72 ساعة من انتهاء القمة العربية والإسلامية في الدوحة في تطور لافت وهام في المنطقة العربية ,واعتقد انه جاء ردا على تهديد نتنياهو للعواصم العربية وتطاول نتنياهو ووزرائه على العرب بانهم ليسوا اكثر من ضوضائيين لا يفعلوا شيء وتطاول وزراء اليمين المتطرف في اسرائيل على السعودية بشكل خاص عندما قالوا “ان على الفلسطينيين الرجيل الى السعودية إقامة دوله لهم على أراضيها” . هذه الاتفاقية هي الاولي من نوعها بين السعودية ودولة نووية بالعالم الإسلامي، دولة لها حضور عسكري كبير بالعالم وخاصة بعدما استطاعت ان تردع الهند حليفة أمريكا وإسرائيل في المواجه الأخيرة ابريل من العام الحالي .
البيان المشترك الذي صدر في الرياض افاد “ان الاتفاقية تأتي في إطار سعي البلدين لتعزيز امنهما وتحقيق الامن والسلام في المنطقة والعالم، وتهدف لتطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء”، في اعتقادي ان هذا الاتفاق يعتبر لطمة خماسية على وجه ترمب الذي باتت مصالحه ومكانته في المنطقة العربية على كف عفريت بعد التغاضي عما فعلته اسرائيل في الدوحة وبعد الانحياز المفرط لإسرائيل وتقوية شوكتها في المنطقة وبعد ستة فيتوهات في مجلس الامن ضد مشاريع لوقف إطلاق النار في غزة, كما ان هذا الاتفاق يحمل في زات الوقت رسالة تحذيرية لإسرائيل التي تمادت في جبروتها وانتهاكها للقانون الدولي الإنساني بقتل عشرات الالاف من الفلسطينيين دون ان يوقفها أحد، والرسالة المهمة هي ان كانت إسرائيل تفكر في توجيه ضربه عسكرية للسعودية فأنها ستتلقى ضربات والمواجهة ستكون أوسع وأكبر مما تعتقد مع ان المسؤولين السعوديين اكدوا ان الاتفاقية جاءت نتيجة للتعاون التاريخي الطويل بين السعودية والباكستان وليس نتيجة للأحداث الحالية في المنطقة. الاتفاقية تتضمن كل أوجه التعاون الاستراتيجي العسكري والمعلوماتي والاستخبارات وتتضمن التدريبات المشتركة والمناورات وقد تشمل الاتفاقية أيضا نشر منظومات دفاعية متطورة في السعودية وإقامة مفاعل نووي مدني بدعم وخبرات الباكستان على الأراضي السعودية لاستخدامه في الأغراض المدنية وهذا ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تقايض عليه مقابل تطبيع السعودية مع إسرائيل وكانت ترفضه اسرائيل بالإضافة لتوسيع القاعدة العسكرية الباكستانية في السعودية وارسال المزيد من الجنود الباكستانيين مع تجهيزاتهم العسكرية المتطورة.
الاتفاق الدفاعي الاستراتيجي المشترك بين السعودية والباكستان يعزز الشراكة التاريخية بين البلدين وفتح امتدادات لعقود جديدة من العمل المشترك ولعل هذا الاتفاق يأتي أهميته ان السعودية كأكبر دولة اسلامية في المنطقة ستعتمد شراء صفقات سلاح وتجهيزات من الباكستان والصين ما يعني ان الاتفاقية قالت وداعا للاعتماد على السلاح الامريكي والغربي ,وهذا قد يؤدي في المستقبل الي نهاية لاتفاقيات السعودية وامريكا خاصة في المجالات العسكرية والاقتصادية وقد تنتهي يوما من الأيام لأنه لا قيمة لهذه الاتفاقيات في ظل التحالفات الاستراتيجية الامريكية مع اسرائيل وترك إسرائيل تفعل ما تشاء بالقوة العسكرية لتهيمن على المنطقة وتردع ما تجد في ردعه مصلحة لها .ولعل اهمية هذا الاتفاق انه يفتح الباب لتحالف إسلامي أوسع بانضمام دول جديدة من الخليج العربي لهذا التحالف ليصبح قوة إسلامية لها هيبتها امام الغطرسة الإسرائيلية والامريكية ما يعني ان الامر قد لا يتوقف على انشاء ناتو عربي بل ناتو عربي إسلامي تقوده السعودية والباكستان وهذا يعني ان المنطقة العربية ستحدث وتطوير قوتها العسكرية وخاصة الصواريخ الباليستية والطائرات ,والاهم هنا ان السعودية بهذه الاتفاقية قد رسمت خارطة للخروج من دائرة الاعتماد على حليف استراتيجي واحد يستنزفها ماليا واقتصاديا الي عدد من الحلفاء منهم الصين والباكستان وكوريا الشمالية وتركيا التي قد تدخل في المستقبل على خط التحالفات في المنطقة.
لم تعلق واشنطن ولا إسرائيل على هذا الاتفاق والتزمتا الصمت لكنها فهمتا الرسائل من وراء هذا الاتفاق وفهمت إدارة ترمب بالتحديد ان إسرائيل التي ادعي رئيس وزرائها انه سيغير وجه الشرق الأوسط بانها ستبقي دولة منبوذة ومعزولة ليس من قبل العالم العربي الذي هو امام تحول كبير في العلاقة مع اسرائيل حتي الدول التي لها علاقات دبلوماسية باتت تخفض هذه العلاقات لادني مستوي واعتقد ان الكثير منها بات حبرا على ورق , ولعله بات من المستحيل ان يتم التوصل لاي اتفاقات تطبيع جديدة مع إسرائيل واي من الدول العربية لان إسرائيل لم تحافظ على المعاهدات التي ابرمتها ليقبل بعض الدول العربية الدخول في اتفاقات جديدة في ظل انه سيكون من الصعب الحفاظ على الاتفاقيات السابقة التي ابرمت في اطار اتفاق ابرهام الذي بات مهدداً أيضاً بسبب تمادي اسرائيل في تهديد المنطقة والهرولة للاستيلاء على أراضي عربية في سوريا ولبنان وغزة والضفة والقدس تحت حجة المناطق العازلة وهي تحاول الان بالقوة فرض عملية تهجير واسعة للفلسطينيين من الضفة الغربية والقطاع باتجاه الأردن ومصر لرسم خارطة جيوسياسية جديدة للمنطقة ما يعتبره العالم العربي خط احمر لا يمكن التغاضي عن اجتيازه وسيكون سببا في حدوث حالة صدام عسكري على الأقل بين مصر وإسرائيل اذا ما حاولت إسرائيل ان تدفع بالفلسطينيين لكسر حدود مصر مع غزة و التوجه نحو سيناء تحت النار ,وهذا ما حذر منه العديد من الخبراء العسكريين في العالم العربي ما يعني ان المواجهة قد تتسع بدخول دول عربية اخري على خط الواجهة المحتملة.