أقلام وأراء

ناجي صادق شراب: لابيد دولة اللادولة

د. ناجي صادق شراب ٢-١٠-٢٠٢٢

التصريح الأخير لرئيس وزراء إسرائيل في الحكومة الإنتقالية المؤقتة يائير لابيد عن تأييده لحل الدولتين ‏وأن قيام دولة فلسطينية مسالمة مصلحة للشعبين وأمن إسرائيل، هذا التصريح والذي سبقه له ‏نتنياهو قبل ذلك والمفارقة أيضا أن نفتالي بينيت في خطابه أمام الجمعية العامة في دورتها ‏السابقة “السادسة والسبعون” لم يأت على ذكر القضية الفلسطينية إطلاقا وكأنها غير موجوده في ‏الفكر الصهيوني وهي فعلا غير موجودة.

تصريح لابيد لا يعني أولا إيمانه بالدولة الفلسطينية، ‏وإنما كان هدفه تحقيق بعض الأهداف الإنتخابية منها تأييده أولا إدارة الرئيس بايدن الذي فعلا ‏إمتدحه، وكسب تأييد عرب الداخل في الانتخابات القادمة وإمتصاص حالة العنف المتصاعدة في ‏الاراضى الفلسطينية . هذه الدولة ليست كما يعتقد البعض، فهي تخضع للمعايير الإسرائيلية ‏والصهيونية. ولا تخضع لمعايير الدولة في المفهوم التقليدي في أدبيات السياسة عن الدولة ‏بأركانها الثلاثة او الاربعة :الإقليم الجغرافي المتواصل والمعروف بحدوده، وتحديد الحدود أمرا ‏مهما لتوفر الركن الثاني السيادة ، بدون هذه الحدود لا معنى للسيادة. العنصر الثالث الشعب ‏بهويتيه الوطنية والقومية والرابع الحكومة والسلطة.

العنصران المهمان الإقليم والسيادة ‏بالمعنى الهوبزي: مطلقة كاملة وغير قابلة للتجزأة وكلية شاملة ، هذان العنصران غير متوفران ‏في الفكر الصهيوني ولا في رؤية لابيد نفسه. أما عنصر الشعب وهو الذي فرض ويفرض على ‏قادة إسرائيل مقاربة الدولة أو الحديث عن حل الدولتين في حل للتعامل مع العنصر الذي يشكل ‏قوة كبيرة ، فلدينا ما يعادل نفس السكان مع إسرائيل من النهر إلى البحر. اليوم يبلغ الفلسطينيون ‏في الضفة وغزة ما يقارب الستة ملايين. إسرائيل من ناحيتها لا تريد العودة لخيار تحمل ‏مسؤوليتهم. وأما خيار السلطة فايضا لم يحقق الهدف منه، من ثم لا خيار امام إسرائيل إلا ‏التلويح بخيار وحل الدولتين من فترة لأخرى.‏

والتساؤلات حول الدولة الفلسطينية كثيرة أهمها لماذا لم تقم دولة تاريخيا ووفقا لنظام ‏الإنتداب؟ بالعودة للمؤتمر الصهيوني الأول والذي نص على قيام وطن قومي لليهود ووعد بلفور، ‏هل معنى ذلك الحيلولة دون قيام الدولة الفلسطينية ؟ وما الهدف من قانون القومية اليهودية ؟ ‏وماذا تعني الأرض في الفكر الصهيوني؟ الإجابة على التساؤلات مجتمعة توضح لنا تاريخيا أن ‏الهدف، هو منع قيام دولة فلسطينية كان مقصودا ومخططا له، منذ وعد بلفور، حيث ليس من حق ‏بريطانيا ولا وزير خارجيتها أن يمنحا الصهيونية أرضا ليست لهم وتحت الاحتلال ، وأخطر ما في ‏الوعد النص الصريح على قيام الوطن اليهودي. والوطن يحمل معنى دولة ولم يحدد هذا الوطن. وتم التعامل مع الشعب الفلسطيني المتجذر تاريخيا والذي لم يأت من الخارج، على أنه مجرد ‏أقليات لهم بعض الحقوق. ووضعت فلسطين قصدا تحت الإنتداب البريطاني لتنفيذ الوعد وترجمته ‏على الأرض تارة بتشجيع الهجرات اليهودية وتارة أخرى بتسهيل نقل الأرض وملكيتها لليهود ‏وتارة ثالثة بتشجيع تسليح الجماعات اليهودية وبناء المؤسسات وصولا للقرار الأممي الذي قدمته ‏بريطانيا بعدما تأكدت من صدوره . ولا ننسى أن الأمم المتحده كانت أوروبية التكوين والتأثير. ولم ‏يتم تحديد حدود هذه الدولة التي اعتبرها بن غوريون خطوة في احتلال كل الأرض وهذا ما ‏تحقق في حرب 1948 التي أضافت بها إسرائيل أكثر من 25 في المائة من مساحتها وفقا لقررا ‏‏181 ولتكتمل هذه المساحة مع حرب 1967 لتبدأ عملية الإستيطان والتهويد وكل هذا برعاية ‏أممية ورعاية الولايات المتحدة وتوظيف “الفيتو” في مجلس الأمن للحيلولة دون فرض أية ‏عقوبات على إسرائيل، لتبقى الشرعية بدون قوة ويبقى مفهوم الدولة الفلسطيمنية فارغا من كل ‏مضامينه السيادية وأقصى ما وصلنا إليه دولة مراقب بدون حق التصويت او العضوية. والنقطة ‏المهمة في هذا التفكير الصهيوني إرتباط فلسطين بسرديات صهوينية مثل أرض بلا شعب لشعب ‏بلا أرض . والأرض الموعودة كلها ترتبط بحق اليهودي أن يستوطن كل فلسطين. وهذا ما ‏تؤكده الخارطة الإستيطانية اليوم وأبتلعت كل الأرض المخصصة للدولة الفلسطينية على حدود ‏‏1967 وهو ما يعتبر تنازلا تاريخيا لم يقنع إسرائيل أنها دولة إحتلال، وهذه هي الإشكالية ‏الكبرى رفض الإعتراف انها دولة إحتلال.

الإشكالية التي واجهت هذا الفكر، هي محافظة الشعب ‏الفلسطيني على وجوده على أرضه حتى في داخل إسرائيل وحفاظه على هويته ونجاحه في بناء ‏مؤسساته الوطنية وقيمه ورموزه الوطنية ونجاحه في إنتزاع إعتراف اكثر من 120 دولة ‏بالدولة الفلسطينية.

هذه الحقائق ‏على الأرض فرضت على لابيد ومن قبله نتنياهو وغيره أنه لا بديل عن قيام الدولة، لكنها دولة ‏بمقاييس إسرائيل، دولة بلا حدود وبلا جيش وبلا نوافذ برية وبحرية وجوية ودولة بلا سيادة،هي دولة بروتوكولية أعلى من سلطة حكم ذاتي واقل من دولة، ودولة لا يحق لمواطنيها ‏العودة لها،ودولة بلا عاصمة وبلا عودة اللاجئين … دولة تحمل الإسم فقط ، دولة في قلب دولة ‏لها السيطرة الكاملة على الأرض وألأمن. هذا ما يقصده لابيد وغيره.‏

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى