د. منى أبو حمدية: من عيادات الطب إلى عافية الوطن: الديمقراطية تنبض من جديد
د. منى أبو حمدية 1-11-2025: من عيادات الطب إلى عافية الوطن: الديمقراطية تنبض من جديد
حين تلتقي صناديق الاقتراع بنبض الشارع، وتتحول المهنة إلى مرآةٍ للوطن، يصبح الفوز أكثر من نتيجةٍ… يصبح دلالةً على وعيٍ يتجدّد وإيمانٍ لا يذبل.
لم يكن فوز حركة فتح في انتخابات نقابة أطباء الأسنان حدثا نقابيا عابرا يمكن قراءته في إطار المنافسة المهنية أو الحسابات التنظيمية المحدودة.
ما جرى في صناديق الاقتراع كان أكبر من ذلك بكثير؛ كان استفتاءً شعبياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى، عبّر فيه الأطباء – ومن ورائهم شريحة واسعة من المجتمع الفلسطيني – عن ثقتهم العميقة بنهج الحركة ومسارها الوطني والديمقراطي.
لقد جاءت نتائج الانتخابات لتؤكد أن الانتماء الحقيقي لا يُبنى على الشعارات، بل على الممارسة، وأنّ من يحافظ على بوصلته الوطنية وسط كل الضباب، يظلّ محلَّ ثقة الناس واحترامهم. فالناخب الفلسطيني، وإن كان يصوّت في انتخاباتٍ مهنية، فإنه لا ينفصل في وعيه عن السياق الوطني الأوسع، ولا يفصل بين من يدافع عن حقوق الأطباء ومن يدافع عن كرامة الوطن. وهنا يكمن البعد الأعمق لهذا الفوز، الذي تجاوز حدود النقابة إلى فضاء الرسائل السياسية والاجتماعية.
لقد أثبتت الحركة، من خلال أدائها وممارستها الديمقراطية، أن العمل النقابي يمكن أن يكون امتداداً للعمل الوطني، وأنّ الديمقراطية ليست مجرّد آلية انتخابية، بل ثقافة راسخة تعبّر عن احترام إرادة الناس وإيمانهم بقدرتهم على التغيير. فمن داخل الصندوق خرج صوت الثقة بالحركة، ومن خلفه إرادة المجتمع الباحث عن نموذجٍ سياسيّ نظيف، صادقٍ مع نفسه، ومخلصٍ لشعبه.
وفي وقتٍ يمرّ فيه المشهد الفلسطيني بتعقيداتٍ وانقساماتٍ عميقة، جاءت هذه الانتخابات لتعيد التذكير بأنّ الديمقراطية ليست ترفاً ؛ بل ضرورة وطنية لإعادة بناء الثقة بين المواطن ومؤسساته. لقد انتصر خيار المشاركة على العزوف، وخيار الأمل على الإحباط، وخيار النهج الواضح على المساومة الرمادية.
إنّ هذا الفوز هو رسالة وفاءٍ للحركة التي بقيت قريبة من الناس، حاضرة في همومهم، صادقة في مواقفها، كما أنه رسالة أملٍ بأنّ الشارع الفلسطيني ما زال يحتكم إلى وعيه الجمعي، ويراهن على من يثبت إخلاصه للقضية قبل المصلحة.
لقد قالت صناديق الاقتراع كلمتها، ولم تكن تلك الكلمة رقمًا يُكتب في سجلٍّ انتخابيٍّ عابر، بل صوتَ وطنٍ أراد أن يُعيد تعريف ذاته في زمن الالتباس.
لقد انتصر الوعي الجمعيّ حين اختار الثقة على الشك، والمبدأ على المصلحة، والوفاء على التبدّل. فكان فوز الحركة صدىً لإرادة الناس الذين يؤمنون بأن فلسطين لا تُبنى إلا بأيادٍ نظيفةٍ، وبعقولٍ تؤمن بالحرية لا بالوصاية، وبنهجٍ ديمقراطيٍّ لا يعرف الانقسام.
إنّ هذا النبض الذي سُمع في قاعات النقابة ليس إلا تمهيداً لعودة الروح إلى الجسد الوطنيّ، ودليلًا على أن الديمقراطية الفلسطينية – مهما اعتراها التعب – ما زالت قادرة على النهوض حين تجد من يحملها بصدقٍ وإيمان.
وهكذا يظلّ فوز الحركة رسالةً من الشعب إلى نفسه: أنّ الوطن، كلما اشتدّ عليه الحصار، يجد في وعي أبنائه درب الخلاص.
ففي كل فوزٍ نزيهٍ، يولدُ جزءٌ من الوطن من جديد، وتتنفّسُ الديمقراطية هواءها الأول بعد طولِ اختناق .
مبارك للغلابة فتح 💛



