منوعات

د. منى أبو حمدية: الخيمة بلا جناحين… والسماء أثقل من الاحتمال

د. منى أبو حمدية 29-12-2025: الخيمة بلا جناحين… والسماء أثقل من الاحتمال

في غزة، لا يطرق الشتاء الأبواب؛ لأنه يعرف أنها مخلّعة أصلاً.

يأتي المنخفض الجوي كضيفٍ ثقيل، محملاً بالمطر والاختبار معاً . في مواصي خانيونس، جنوب القطاع، تتطاير خيام كأوراقٍ يابسة، وتغرق أخرى حتى آخر خيط قماش فيها، فتتحول المعاناة إلى مشهدٍ يومي لا يحتاج إلى توصيف بقدر ما يحتاج إلى ضميرٍ حي.

“الخيمة… مساحة النجاة الهشّة”

الخيمة ليست بيتاً، لكنها آخر ما تبقّى من فكرة البيت.

نُصبت لتفصل الإنسان عن العاصفة، فإذا بها تعجز عن حماية ما في داخلها. المطر لا يسقط من السماء فقط، بل يتسلل من الأرض، ومن أطراف القماش، ومن ثقوب الأمل الصغيرة. في خانيونس، تتحول الخيمة إلى شاهدٍ على انكسارٍ متكرر، حيث ينام الأطفال على البلل، وتصحو الأمهات على خوفٍ دائم من غرق ما تبقّى من الحياة.

“النزوح… اقتلاعٌ يتضاعف بالعاصفة”

النزوح في غزة ليس انتقالاً جغرافياً، بل اقتلاعٌ من الجذور.

ومع دخول المنخفض الجوي، يتضاعف هذا الاقتلاع قسوةً، إذ يتآمر البرد والريح والمطر على أجسادٍ أنهكها الفقد.

تمتد الليالي طويلة، وتثقل الحركة فوق أرضٍ موحلة، ويغدو المطر عائقاً إضافياً يفاقم الأزمة الإنسانية، كاشفاً هشاشة الحلول المؤقتة التي طال أمدها.

“البحر… حدّ الألم المفتوح”

في جنوب غزة، لا يكون البحر دائماً نافذة نجاة.

أمواجه تتقدم نحو خيام النازحين، فتشارك السماء مهمتها الثقيلة. الماء من فوق، والماء من تحت، والإنسان محاصر بين عنصرين لا يعرفان التوقف.

تذوب الحدود بين اليابسة والبحر، وتغرق المؤن القليلة، وكأن المكان ذاته يضيق بأهله، ويدفعهم نحو هامشٍ أضيق من الاحتمال.

“العالم الغائب… اعتياد الخذلان”

الأقسى من المطر، هو اعتياد العالم على المشهد.

خيام تغرق، وأطفال يرتجفون، ونساء يبحثن عن دفءٍ مستحيل، بينما يكتفي المجتمع الدولي بالمراقبة، وكأن الألم الفلسطيني تفصيلٌ عابر في نشرات الأخبار.

هذا الغياب لا يُقاس بالصمت فقط، بل بتأجيل الواجب الإنساني، وبالتعامل مع الكارثة كأنها قدر لا يستحق المواجهة.

“إلى المجتمع الدولي… الكرامة ليست شعاراً”

إلى من يتحدثون باسم حقوق الإنسان:

الكرامة لا تُحمى بالبيانات، ولا تُنقذها العناوين الرنانة. الكرامة تعني مأوى آمناً، وحماية فورية، وحقاً في حياة لا تغرقها الأمطار ولا تبتلعها الأمواج.

غزة لا تطلب شفقة، بل عدالة. ولا تبحث عن تعاطف موسمي، بل عن موقف إنساني حقيقي يعيد للإنسان حقه في الأمان، ولو في أبسط صوره: خيمة لا تطير، ولا تغرق.

وأخيراً؛ في غزة، تتطاير خيام، وتغرق أخرى، لكن الأخطر أن الإنسانية ذاتها مهددة بالغرق.

فإما أن يستفيق العالم قبل أن يبتلع الماء ما تبقّى من الأمل، أو يبقى شاهداً صامتاً على شتاءٍ جديد يُضاف إلى سجل الخذلان.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى