غير مصنف

د. منصور أبو كريّم: تداعيات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 بشأن غزة

د. منصور أبو كريّم 21-11-2025: تداعيات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 بشأن غزة

يُشكّل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2803 نقطة تحول حاسمة في مسار الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، إذ ينقل قطاع غزة والأراضي الفلسطينية إلى مرحلة جديدة مختلفة جذريًا عن المراحل السابقة. فرغم ما يتضمنه القرار من بوادر لوقف الحرب، وإمكانية إعادة الاستقرار، وفتح الباب أمام عملية إعادة الإعمار، إلا أنه في الوقت ذاته يطرح جملة من التحديات السياسية والأمنية تمس جوهر القضية الفلسطينية.

القرار كما يبدو، لا يقتصر على وقف إطلاق النار، بل يفتح المجال لتكريس تدخل دولي عميق يقوده مجلس السلام الدولي، بمشاركة أمريكية فعالة، وعلى رأسها إدارة ترامب وبعض الشخصيات الدولية الفاعلة. الأخطر في الأمر أن هذا القرار يمهّد فعليًا لنشر قوة دولية متعددة الجنسيات في قطاع غزة، بهدف حفظ الأمن ونزع سلاح الفصائل الفلسطينية، وتفكيك البنية التحتية العسكرية، تحت مبرر ضمان “أمن إسرائيل”. هذا التطور يُنذر بمرحلة غير مسبوقة من التدويل، تمس مباشرة الهوية السياسية والمستقبل الوطني الفلسطيني. بل إن كثيرًا من المراقبين يرون أن هذه المرحلة لا تقل خطورة عما جرى في نكبة 1948، من حيث تهديدها للكيان السياسي الفلسطيني ومحاولة إعادة صياغته وفق تصورات خارجية لا تعبّر عن الإرادة الوطنية.

كما لا يمكن النظر إلى قرار مجلس الأمن رقم 2803 بمعزل عن السياق السياسي الأشمل المرتبط برؤية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه قطاع غزة. فمنذ وصوله إلى البيت الأبيض، لم يُخفِ ترامب وفريقه نيتهم في تحويل غزة إلى مشروع استثماري ضخم تحت مسمى “ريفيرا الشرق”، عبر رؤية تتجاوز البعد السياسي إلى بعد اقتصادي عقاري يهدف إلى ترويض القطاع وتحويله إلى منطقة استثمارية خاضعة للنفوذ الدولي المباشر. فهذا الطموح السياسي- الاقتصادي ترافق مع تدمير واسع النطاق وممنهج للبنية التحتية الحيوية في غزة على يد الاحتلال الإسرائيلي، بما يشمل المنشآت المدنية، والمراكز الصناعية والتجارية، بهدف دفع السكان نحو الهجرة الطوعية أو القسرية، وتفريغ القطاع من عناصر الصمود.

وفي المقابل ساهمت حالة الانقسام السياسي الداخلي، وخصوصًا تمسك حركة حماس بالحكم، ورفضها للمبادرات الوطنية نحو الشراكة والوحدة، في تعقيد المشهد. إصرار الحركة على الجمع بين السلطة والسلاح فتح الباب أمام تآكل الحاضنة الوطنية، وسهّل تسويق مشاريع تدويل القطاع وفصله فعليًا عن المشروع الوطني الفلسطيني. لقد وصلت غزة إلى هذه المرحلة الحرجة نتيجة تراكمات من الرهانات الفاشلة، والتحالفات الإقليمية على حساب المصالح الفلسطينية، ما أنتج واقعًا خطيرًا، فعودة إنتاج الوصاية الدولية بصيغة جديدة تحت غطاء “حفظ الأمن وإعادة الإعمار” كان انعكاس لهذه الواقع السياسي الأليم، ومن هنا فإن مواجهة قرار 2803 لا تكون فقط برفضه، بل بفهم السياق الذي سمح بصدوره، والعمل على تغييره من الداخل بإعادة بناء الوحدة الوطنية وتوحيد الموقف السياسي الفلسطيني.

الواقع الكارثي الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم لم يكن مفاجئًا، بل هو نتيجة طبيعية لمسار طويل من الصراعات السياسية، والانقسام الداخلي، والرهانات السياسية الخاطئة. هذه المدخلات السياسية الخاطئة أنتجت مخرجات مؤلمة، تمثلت في تراجع فرص التحرر الوطني قريبًا، وتآكل مشروع الدولة الفلسطينية، وتعزيز الوصاية الدولية على القرار الفلسطيني. ما يحدث اليوم هو تتويج لمسار عبثي استمر لعقود، فالمسؤولية تقع على عاتق من اختاروا تغليب المصالح الحزبية على المشروع الوطني.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى