أقلام وأراء

د. ممدوح العكر يكتب – رسالة الى مَنْ يهمهم الأمر في حوار القاهرة

بقلم   د. ممدوح العكر  – 15/3/2021

لدي قناعة متزايدة ان الانتخابات ، بمحطاتها الثلاث ، قد تحمل فرصة ، طال انتظارها ويجب التقاطها من أجل تغيير الواقع الذي آل إليه قضيتنا الوطنية من تراجع وتفكك وعجز في الوقت الذي نواجه فيه خطرا وجوديا بكل معنى الكلمة حيث يزداد المشروع الصهيوني تغولاً ووحشية اعتقادا من قادته ان هناك الآن فرصة سانحة للقفز خطوات كبرى نحو تصفية القضية الفلسطينية .

فهذه الإنتخابات قد تحمل فرصة لإحداث ولو ثغرة في جدار واقعنا الحالي ننطلق عبرها نحو التغيير باتجاه إنقاذ مشروعنا الوطني لدحر الاحتلال والاستقلال وحق تقرير المصير والعودة . فإنقاذ مشروعنا الوطني يتطلب تغييرا على أكثر من صعيد ، لكن أكثرها إلحاحاً ما يلي :

١- فنحن أولا ً بأمس الحاجة لتغيير مسارنا الاستراتيجي بعيدا ً عن مسار أوسلو الكارثي بكل التزاماته وإفرازاته وأوهامه ، وتبنّي استراتيجية تعيد الإعتبار والبوصلة لكفاحنا كحركة تحرر وطني تواجه أشرس مشروع استعمار استيطاني عنصري عرفه التاريخ .

٢- ونحن ثانيا بأمس الحاجة لتجديد البنية القيادية لحركتنا الوطنية بعد ان فشلت البنية القيادية على مر العقود الماضية في وضع شعبنا على سكة التحرر والخلاص من براثن المشروع الصهيوني الذي نراه بأُم أعيننا يتقدم و يتمدد على أرضنا ويتعمق . صحيح ان فشل قياداتنا تاريخيا لا يعود فقط الى العوامل الذاتية المتعلقة بهذه القيادات في حد ذاتها . فهناك الظروف الموضوعية والمتعلقة بقوة وإمكانيات وتنظيم الحركة الصيهونية ، واتباطاتها العضوية وتحالفاتها مع أعتى الامبراطوريات الاستعمارية ، وهناك حقيقة ان الحركة الصهيونية هي إمتداد أوروبي غربي ، بالاضافة الى ظروف الواقع العربي المتخلف والمتفكك من جهة والمتواطئ من جهة أخرى . لكن العامل الذاتي للبنية القيادية مهم ، ويصبح أكثر أهمية خاصةً أمام عتوّ وجبروت العوامل والظروف الموضوعية المذكورة والتي تتطلب قيادات تمتلك الكفاءة والرؤية والقدرة على قيادة شعبنا في صراع على هذا المستوى من التحدي الوجودي . قيادات تمتلك ثقافة وشجاعة المراجعة النقدية لاستخلاص الدروس والعبر وتصويب المسارات والاستراتيجيات الفاشلة والبناء على تجارب النجاح سواء لشعبنا أو لشعوب أخرى عانت من إحتلال أو من مشاريع استعمار استيطاني . قيادة تعترف بأهمية الأستعانة بمراكز الأبحاث والتفكير الإستراتيجي . فهي قيادات ، عبر عقود الصراع ، تجهل ألف باء حركات التحرر الوطني وهو تحديد جبهة الأعداء والخصوم وجبهة الحلفاء والأصدقاء . كم من المرات ، أيام الإنتداب البريطاني لبلادنا فلسطين ، كانت تستنجد ” بالصديقة بريطانيا العظمى ” صاحبة وعد بلفور وأداة تنفيذه . وكم كانت وما زالت قياداتنا تلهث وراء ساكني البيت الأبيض رغم أنهم أشدُّ وأكبر داعمي إسرائيل ومشروعها الاستيطاني سياسيا واقتصاديا وأمنيًا ودبلوماسيا .

لكن الطامة الكبرى أن قياداتنا ، تاريخيا ، ليس فقط أنها لا تعترف بالفشل بل كثيرا ً ما تعمل على تسويق الكثير من الفشل على أنه إنتصار وإنجاز .

لكل ذلك وغيره يمكن ان نجعل من الانتخابات فرصة ومدخلا حضارياً وسلمياً ( يسبق لجوء الشعوب للعصيان المدني ) لإحداث تغيير وتجديد لبنية الجسم القيادي لحركتنا الوطنية بمواصفات وقدرات مختلفة قادرة على إلهام واستنهاض همم شباب وشابات الشعب الفلسطيني عبر استراتيجية وبرنامج عمل يرتكز على ثلاثة ركائز تقوم على إستعادة الوحدة الوطنية التي هي أول شروط الإنتصار ، وعلى برنامج مقاومة يجعل الإحتلال و المشروع الصهيوني الإستعماري الإستيطاني العنصري برمته مشروعا مكلفا وخاسرا على كافة الأصعدة ، وعلى توفير برنامج للصمود يقوم على قاعدة العدالة الإجتماعية في تحمل أعباء هذا الصمود المقاوم .

٣_ ومن جهة ثالثة قد تسهم الانتخابات في إنهاء الإنقسام واستعادة الوحدة الوطنية إذا ما تمسكنا بتوفير عدد من المتطلبات الضرورية لذلك ، بدءا ً بالإلتزام بالمضي في الانتخابات وصولا الى محطتها الأسمى ألا وهي استكمال “انتخاب ” مجلس وطني جديد ، وعلى نفس قاعدة التمثيل النسبي ، بعيدا عن المحاصصة الفئوية المقيتة والمدمرة . ففي هذا المجلس الوطني الجديد تتمثل كل مكونات الشعب الفلسطيني ومنه يتم انتخاب قيادة وطنية موحدة تلتزم بالشراكة الحقيقية في تحمل مسؤولية العمل الوطني في وجه التحديات والأخطار الوجودية التي تواجهها قضيتنا.

٤- كما أننا رابعا بأمسِّ الحاجة لكسر هذا الإستقطاب الثنائي المدمر لصراع على سلطة تحت حراب وبساطير الاحتلال ، و فتح الباب واسعا لتعددية حقيقية بناءة ترتكز على قناعة راسخة بالشراكة الحقيقية في تحمل أعباء وتحديات القضية الفلسطينية . فليس هناك أي فصيل ، مهما علا شأنه بقادر على تحمل اعباء وتحديات تزداد ضخامة كل يوم .

لكن السؤال المركزي هو : كيف يمكننا ان نجعل من هذه الانتخابات فرصة لإحداث ثغرة في جدار الواقع الكارثي الذي الذي نعاني منه ؟؟

أقولها مباشرة وبدون أدنى مواربة لا بديل عن بلورة وبناء كتلة أو تيار ثالث شعبي وطني ديمقراطي واسع يؤمن ايمانا راسخا أنه ليس مجرد تكتل انتخابي عابر ، بل هو أمام مشروع إنقاذ وطني يقع على عاتقه ان يكون طليعة مشروع إنقاذ وطني.

بهذه الروح وبهذه القناعة ، وبإنكار الذات والتعالي فوق الحسابات الحزبية الضيقة تُبْنى حركات التحرر ويُبنى مشروع إنقاذ فلسطين ، وليس بالتهافت على تراتبية المواقع في القوائم الإنتخابية بينما المشروع الصهيوني يتمدد ويتعمق أمام أعينا ومن تحت أرجلنا .

إذا لم تتحركوا الآن لإنتهاز هذه الفرصة ، ولو لإحداث ثغرة في الجدار كخطوة أولى لمشروع تاريخي بهذه الأهمية ، فمتى إذاً ستتحركون. ؟؟

وإذا لم تقوموا أنتم ، نعم أنتم ، بهذه الخطوة ، والآن الآن ، فمن غيركم سيقوم بها ؟؟

لا أقول لكم ما أقول من قبيل “اللهم قد بلغت” . بل أقولها بتصميم وإلحاح : ” أرجو أن تكون رسالتي قد وصلت “.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى