أقلام وأراء

د. ممدوح العكر يكتب – حول تعديلات قانونَيْ التقاعد ومكافآت ورواتب “كبار” المسؤولين مطلوب لجنة تحقيق

د. ممدوح العكر – 3/5/2020

لقد أحسن رئيس الوزراء د. محمد اشتية صنعًا بالتوجه على جناح السرعة إلى الرئيس محمود عباس طالبًا إلغاء القانونيْن سيئي الصيت، والمتعلقيْن بتعديل قانون التقاعد وقانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي والوزراء والمحافظين. ويُحسب لهذه الحكومة التزامها المتزايد بمبدأ الشفافية الذي نأمل أن يُتوَّج هذا المبدأ بإقرار قانون حق الوصول إلى المعلومات الذي ما زال عالقًا في أدراج الحكومة منذ وقت ليس بالقصير. وأعتقد جازمًا أن د. اشتية يوافقني الرأي بأن الشفافية لن تكتمل أركانها من دون حق الوصول إلى المعلومات، تمامًا كما أن حرية الرأي والتعبير لا تنسجم مع استمرار العمل بقانون الجرائم الإلكترونية بصيغته الحالية.

إنني أعتقد أن من الضرورة بمكان ألا نكتفي بهذا الإنجاز الواضح والمتمثل بإلغاء ذلكما القانونيْن بهذه السرعة وقبل بزوغ فجر اليوم التالي على انكشافهما للرأي العام، إذ لا بد من اتْباع إلغائهما بخطوة جدية أخرى لا تقل أهمية عن ذلك، ومن شأنها تعزيز مبدأ الشفافية. وتتمثل هذه الخطوة بوضوح وبدون أدنى مواربة بتشكيل لجنة تحقيق للوصول إلى حقيقة ما جرى، واستقصاء كيف تمكنت مجموعة متنفذة من ارتكاب ما يأتي:

أولًا: الالتفاف على الحكومة بتقديم مشاريع قوانين من وراء ظهرها. وتمكنت بالتالي من المساس المباشر بمصداقية هذه الحكومة في سعيها الحثيث لاستعادة الثقة المفقودة بين المواطن الفلسطيني وحكوماته المتعاقبة.

ثانيًا: التحايل للحصول على توقيع الرئيس على مشروعي القانونين، بدليل أن الرئيس قام بإلغائهما فور أن قام رئيس الوزراء بكشف خطورتهما ودرجة الغضب الجامح الذي عمّ الشارع الفلسطيني بسببهما. وقبل ذلك تم التحايل بتمرير هذين القانونين في الدائرة القانونية لمكتب الرئيس، فضلًا عن التحايل على المادة ٤٣ من القانون الأساسي بإعطاء زيادة الرواتب والمكافآت لمجموعة من كبار المسؤولين صفة الضرورة القصوى. هذا دون أن يدركوا أن الضرورة القصوى كانت تقتضي، وما زالت، إصدار تشريع للحماية الاجتماعية، وليس زيادة رواتب ومكافآت لمن لا يستحقونها.

ثالثًا:  المساس بالمال العام والشروع في نهبه.

رابعًا: تثبيط همة الزخم المنشود لحملات جمع التبرعات بما فيها حملة “وقفة عز”، فمن سيكون مستعدًا للتبرع إذا إنتابه الشك بأن ما سيتبرع به قد يذهب إلى جيوب أولئك المنتفعين من تلك القوانين.

خامسًا: ارتكاب كل ما سبق دون وازع من ضمير أو حسٍّ وطني، خاصة أن يتم ذلك في الوقت الذي تواجه فيه البلد قسوة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لجائحة الكورونا، وبينما يصل مئات الألوف من شعبنا حافة الفقر وذل البطالة.

إن كل ذلك إنما يرقى إلى ما هو أبعد من مجرد جريمة المساس بالمال العام وهدره وشبهة الفساد. ومن هنا تأتي أهمية الإسراع في تشكيل لجنة تحقيق ذات استقلالية ومصداقية لكشف ملابسات كل ما جرى، ومحاسبة جميع المتورطين فيها، وعدم الاكتفاء بمجرد إلغاء القانونيْن.

وختامًا، يطل علينا السؤال من جديد: أما آن الأوان لوضع الضوابط الواضحة والصارمة بالنسبة إلى إصدار القوانين بمراسيم رئاسية، من أجل إعادة الاعتبار للقانون الأساسي نصًّا وروحًا، خاصة أن قادم الأيام قد تحمل إلينا مفاجآت صادمة لقرارات بقوانين لا تمتلك من مقومات الضرورة القصوى سوى أنها تلبي مصالح جشعة لبعض المتنفذين، وليذهب شعبهم المعذَّب، وليذهب الوطن المهدَّد، ولتذهب القضية الوطنية التي تجري تصفيتها …  ليذهبوا جميعًا إلى الجحيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى