أقلام وأراء

د. مصطفى البرغوثي يكتب –  لا ديمقراطية ولا عدالة بدون مساواة أمام القانون

بقلم  د. مصطفى البرغوثي – 1/12/2019

يمثل التطور الحضاري للبشرية، طريقا متعرجا، مليئا بالمنعطفات والإنتكاسات، ولكنه في المحصلة العامة يسير للأمام.

وقد سار هذا التطور بإستمرار عبر صراع محتدم بين الخير والشر، بين القوى التقدمية والرجعية، وبين حاملي قيم ومفاهيم الحرية والعدالة، وأولئك الذين يسعون لتكريس أنظمة الإستغلال والإضطهاد والتمييز.

وقد كان التقدم للأمام يمتزج في كثير من الأحيان بحلول وسط، ومساومات لخلق توازن بين الحاكمين والمحكومين، وبين الأثرياء والفقراء، وفي الخلاصة فإن كل إستقرار صار يرتبط بنشوء عقد اجتماعي، مستتر أو معلن، ينظم العلاقات في كل مجتمع حتى لا يتحول المحيط إلى غابة صراعات وحشية، لا تحكمها أعراف، ولا قوانيين.

لا تعيش البشرية اليوم أفضل حالاتها، بسبب الإرتدادالمريع الناجم عن سيطرة الرأسمالية المتوحشة، والاحتكارات، التي جعلت ثمانية أشخاص فقط يملكون ما تملكه نصف البشرية أي ثلاثة آلاف وخمسمائة مليون شخص، وبسبب ما يبدو إرتدادا شاملا، على المستوى العالمي، عن القانون الدولي، وعودة إلى أساليب ومفاهيم القرن التاسع عشر.

تأتي هذه المقدمة في سياق محاولة فهم ما يجري في مجتمعنا الذي يعاني من إحتلال قمعي، ونظام أبرتهايد عنصري شرس، وإضطهاد متعدد الطبقات، ولكنه يحاول جاهدا أن ينظم علاقاته الداخلية بما يساعده على مواجه خصمه الرئيسي، وتحقيق حريته.

ويجري ذلك في ظل إنقسام سياسي إستفحل وطال، وصار سببا لنزيف متواصل لطاقاتنا التي نحتاج كل جزء منها في مواجهة خصوم أقوياء لا يعرفون الرحمة.

وبعد الفشل المتكرر لجهود المصالحة، نشأ توافق نسبي على ضرورة إجراء الانتخابات الديموقراطية كمدخل لإنهاء الإنقسام، وكوسيلة لترميم مؤسسات المجتمع التشريعية والقضائية ولاستعادة الديمقراطية المفقودة، والعقد الاجتماعي، الذي تناثر وتلاشى.

غير أن الوصول إلى ذلك يتطلب الإقرار بمبدأ أساسي لا يمكن بدونه نجاح أي عملية ديمقراطية، وهو مبدأ المساوة أمام القانون.

اذ ما قيمة إنتخاب جسم تشريعي، إن كانت القوانين تطبق في النهاية حسب الأهواء والأمزجة، أو على أساس الانتماء السياسي أو الفكري؟

ولا يمكن لاحد أن يقبل أن يكون تطبيق أي قانون، أو قاعدة، أو نظام قائما على التمييز بين الناس بسبب انتماءاتهم الفكرية أو مواقفهم السياسية و المجتمعية؟

ومن المستحيل إقناع الناس بجدوى المشاركة الديموقراطية إن لم ترى أغلبيتهم أن حصيلة تلك الممارسة ستؤدي إلى العدالة في تطبيق القوانين وتكافؤ الفرص، والحقوق بين الناس.

مثلما لا يمكن إقناع الطلاب بالدراسة والإجتهاد إن كانت نتائج تحصيلهم وعلاماتهم يقررها مزاج أساتذتهم وليس أدائهم الدراسي الفعلي.

وبالاستناد إلى نفس القاعدة في التطبيق العادل للقانون، لا يمكن التمييز بين أسير وأسير، أو بين عائلة شهيد وشهيد، أو بين مناضل وآخر، أو بين فصيل وآخر، أو بين مواطن وآخر.

قيمة الانتخابات الديموقراطية إنها تعطي للشعب حق الحكم والقرار في حجم التأييد السياسي الذي يمكن أن يحصل عليه كل حزب أو قائمة أو مجموعة، وبالتالي حجم القوة التي تعطى لهم في إتحاذ القرارات السياسية والمجتمعية التي تهم المجتمع.

ولا يمكن أن يكون للإنتخابات معنى، إن لم يبدأ الأمر وينتهي بمساواة الجميع أمام القانون، وبالعدالة التامة في تطبيقه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى